المحتوى الرئيسى

سيادة الزعيم الدوبلير

08/30 06:12

في عام 2003 وبعد شهور من بدايه الحرب علي العراق، التقيت مع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، لاجراء حوار لـ«بي بي سي». كان الموضوع الساخن وقتها هو اسلحة الدمار الشامل التي تم تبرير الحرب بها، والتي لم تعثر قوات التحالف عليها قط. لم يبق في ذاكرتي الكثير مما دار في اللقاء، لكنني مازلت اذكر قبضته المضمومه، ونظرته الحاده وهو يؤكد انهم سيعثرون حتما علي الاسلحه.

لا شك لدي في ان الكل كان يعلم ان ترسانه العراق من هذه الاسلحه قد تم تدميرها تماما، وان عثور قوات التحالف عليها امر مستحيل. ولكن ما استغرقني تماما كان نبره بلير الواثقه واصراره الحاسم علي وجود الاسلحه دونما اي دليل. كنت احاوره وفي ذهني اسئله اخري لم اتمكن من طرحها عليه وهي التي بقيت في ذهني حتي الان. هل هذا الاداء الواثق تمثيل؟ هل توتر الصوت والنظره الصارمه والاشارات الحاسمه اقتناع صادق بوجود الاسلحه؟ ام انني امام ممثل واثق تقمص دوره ببراعه؟

للمخرج الياباني الشهير اكيرا كوروساوا فيلم رائع انتج في عام 1980 باسم «ظل المحارب» او «كاجيموشا» باليابانيه. (ربما تكون الترجمه الادق للاسم «المحارب الظل» او «الدوبلير»).

يحكي الفيلم قصه لص متشرد يلاحظ قاده احدي العشائر اليابانيه المتحاربه في القرن السادس عشر انه يشبه الي حد كبير زعيمهم وقائدهم، فيقررون اعفاءه من عقوبه كادت ان توقع عليه، ليستخدموه كبديل للزعيم عن الحاجه. يلتحق اللص بالبلاط ويتم تدريبه علي تقليد الزعيم الكبير. يتعلم اشاراته وايماءاته وحتي طريقه مشيه وكلامه فيصبح من الصعب ان تفرق بين الاثنين بسهوله.

وفي خضم الحروب والمنازعات مع العشائر المجاوره، يتعرض الزعيم لسهم قاتل، فيوصي قبل موته باخفاء خبر اصابته او وفاته عن العشيره، حتي لا تضعف امام الاعداء.

تتطور الاحداث وتجد العشيره نفسها مقبله علي معركه كبري فيسرع القاده الي اللص الدوبلير ويطلبون منه ان يقود الحشود في ساحه المعركه. لم يطلب منه احد ان يوجه الجيوش او يقرر كيفيه التعامل مع هجمات العدو. المطلوب فقط ان يجلس كزعيم وان «يُشعر» اتباعه وجنوده انه القائد الملهم.

اخذ القاده اللص الدوبلير واجلسوه في موقع القائد علي ربوه مطله علي المعركه، بحيث يراه الجنود ويستمدون منه القوه. تبدو المساله سهله ولكنها في واقع الامر ليست كذلك. وعندما جلس صاحبنا في مقعد القائد الذي عرف عنه انه «الجبل الذي لا يهتز»، فشل في ان «يفيض» علي شعبه من احساسه بالثقه والثبات، ولم يتمكن جنوده من ان يستلهموا الشجاعه والاقدام من وجوده معهم.

لا شك ان السياسي ينبغي ان يكون ممثلا جيدا ولا اعتقد ان هذا بالضروره عيب. القدره علي التواصل مع الجماهير والهامهم وتقمص تطلعاتهم واحلامهم والتعبير عنها بصدق هي بلا شك من مبادئ الزعامه والقياده لكن مع مراعاه بعض الشروط البسيطه.

الاول: الا يكون الامر كذبا في كذب (كما كان الامر مع رئيس الوزراء البريطاني السابق)، فكل كذبه تنكشف مهما طال عمرها.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل