المحتوى الرئيسى

لبنان.. المعارك المصطنعة

08/30 01:42

شهد لبنان منذ عقدين تقريبا عددا كبيرا من المعارك التي تختلف في وجهاتها وظروفها ولكنها لم تصل الي ايه نتائج ملموسه.

1- والغريب في هذا السياق:

- ان مفتعلي هذه المعارك يعرفون ولكنهم لا يعترفون ان هذه المعارك لا تستند الي ايه قاعده قانونيه ولا تنطلق من اي منطق عقلي.

- ان مفتعلي هذه المعارك يقدمون تبريرات لا ترتبط بصله سببيه، مع مناخ المعارك التي يشنونها.

- ان مضمون هذه المعارك يخالف النصوص القانونيه الوارده في الدستور.

- ان التفاهمات التي تحصل وكذلك الاحلاف السياسيه الراهنه لا تندرج في اطار برنامج موحّد، ولا تسعي الي تحقيق غايه موحده ايضا. ولذلك تتارجح هذه التفاهمات والاحلاف وتتبدل مع كل حدث جديد او طارئ.

- ان افتعال الخصومات السياسيه او اصطناع مناخات التشنج ليس له اي سياق منطقي ولا اي توقع عقلاني.

- ان المناخ الشعبي اللبناني سيبقي مبعثر الولاءات ومشتت الاتجاهات. ويبدو ان النشاط السياسي المتعدد والمتناقض يزيد من التشنج القائم حاليا ويضاعف الاخطار الناتجه عنه.

2- وبذلك يمكن اختصارا، شرح بعض حالات التعارض في لبنان:

ا‌- التعارض بين السياسه والقانون:

شهدت الساحه اللبنانيه نماذج عديده من التعارض بين السياسه والقانون لان الحياه السياسيه فرضت في لبنان، مقتضياتها بصرف النظر عن الضوابط الدستوريه.

فالمطالبه مثلا باقرار اليه لعمل الحكومه ومدي صلاحيه مجلس الوزراء والوزراء فيها وصلاحيه رئيس الجمهوريه ووضع المجلس النيابي... الخ. كل هذا الجدل القائم لا يستند الي قواعد دستوريه وربما اتي في غالبه مخالفا للدستور الذي اوضح كل هذه الامور. الا ان التقليد السياسي يركز علي اولويات الوفاق الوطني في دوله الثماني عشره طائفه او ما يقال عن لبنان عاده انه يطبق "فدراليه الطوائف".

ومن هنا برزت ضروره "الميثاقيه" كسقف مفروض لكل تشريع او اجراء حكومي. ومن هنا ايضا حصل التباس بين كلمات: قانونيه وشرعيه وميثاقيه. وغُيبت المواد الدستوريه الناظمه للاداء التشريعي والاجرائي وحتي الاداري في لبنان.

ولان هذا التعارض بين السياسي والقانوني يحصل يوميا، اصبح المواطن حائرا بين صدقيه الخطاب السياسي وحتي البيان الرسمي الذي يصدر عن السلطات المسؤوله. ومن هنا ايضا يحصل التعارض اليومي بين احكام الدستور وبين ممارسات السياسيين اللبنانيين.

ب‌- التعارض بين الدراسه والسياسه:

ويمكن ان يقال، في هذا السياق، ان ثمه طلاقا بائنا بين الدراسه والسياسه. ولعل مساله النفايات التي "قصمت ظهر البعير" تشكل حاله نموذجيه لذلك الواقع:

كانت الحكومه تدرك، منذ مطلع هذا العام، ان مطمر الناعمه قد توقف بقرار رسمي وانما اعطي للحكومه مهله اشهر قليله تنتهي في 17 يوليو/تموز 2015 لترتيب البدائل المناسبه. ولكن الحكومه لم تقم خلال هذه الفتره ولا قبلها بدراسه استدراكيه لهذا الامر. وبذلك تراكمت النفايات في الشوارع ولا سيما في العاصمه ذاتها، الامر الذي اثار نقمه المجتمع المدني كما هو معروف. ولا تزال الساحات تضج باصوات الغاضبين وتحركاتهم.

وبازاء ذلك سعت الحكومه الي اجراء مناقصه حول تلزيم معالجه النفايات في المناطق اللبنانيه من دون توفير الاماكن اللازمه لهذه المعالجه. وبعد ان تصاعد غضب الشارع عادت الحكومه والغت المناقصه بانتظار محاوله جديده لارضاء المعارضين للحصص او للاسعار. وعادت الامور كلها الي المربع الاول.

ويعرف السياسيون ان السبب في كل هذا الاحتقان يتعدي مشكله النفايات الي مشاكل اخري كثيره. وهي كلها قابله للتصعيد ان لم نقل للانفجار. وهذا ما يحمل المراقبين الي التاكد من ان الصفقه المطلوبه تتعدي النفايات الي تسويات سياسيه واقتصاديه واداريه اخري.

كما يحملهم الي التاكد ايضا من ان هذه التسويات ليست كلها في يدهم وانما عليهم الانتظار ريثما يقرر اصحاب القرار الاقليمي اوضاعا اخري في الشرق الاوسط ثم ياتي دور لبنان. ولكن السياسيين اللبنانيين يحرصون علي ابقاء حاله الاستنفار بانتظار القرار الاقليمي الموعود.

ج- التعارض بين شعارات السياسيين وحقيقه مواقفهم.

وهذا الامر يتقنه معظم السياسيين في لبنان فالشعار الذي يُطلق علي لسان السياسي او في بيانه لا ينسجم مع موقفه الفعلي او الحقيقي علي الارض سواء بالنسبه للتفاهمات او الاحلاف او حتي المواقف الفعليه الفرديه بازاء المواقف المعلنه. المعروف ان هذا التعارض شائع في اماكن اخري، ولكن الامر، في لبنان، اكثر مرونه وزئبقيه لانه يصدر ويتغير من دون رقيب ولا حسيب. وعندما يصل التهديد بـ"قلب الطاوله" لدي احدهم، يعرف الاخرون ان ثمه الحاحا لتلبيه طلب او للموافقه علي مصلحه.

د- وبازاء ذلك كله يسال المراقبون عن صدقيه العمل السياسي وكذلك القانوني، وقد يصل السؤال الي ما اذا كان لبنان دوله فعليه قائمه علي اركان دستوريه وطيده؟ انه، كما سبقت الاشاره، فدراليه طوائف تمثل زعامتها اوليغاركيه ماهره وقادره علي الرغم من غضب الشارع واحتقانه.

3- واستنادا الي ما تقدم يبرز التساؤل حول وقع التظاهرات المتكرره في الشوارع علي مسار الحياه السياسيه والاجتماعيه في لبنان؟

ا- لعل الجديد في هذا التحرك انه كان، بالفعل، بمبادره المجتمع المدني. فقد بدا عفويا بعد تراكم هذه النفايات من دون ان ياتمر باراده مسبقه لزعيم او لحزب او لطائفه.

والجديد فيه ان هذه الاحزاب والطوائف والزعامات لم تستطع، لغايه اللحظه، ان تجيّر غضب الشارع المدني والعفوي الي مصلحتها. وربما لان مطالب المتظاهرين تطورت من ضروره معالجه النفايات الي شعار "الربيع العربي" اي "الشعب يريد اسقاط النظام".

ب- والجدير ثانيا في هذا التحرك انه شكّل حافزا لايقاظ المدنيين وتنبيههم الي دورهم ضمن حقوق الانسان ومنها حقه في المشاركه بالحياه العامه لبلده. وذكّر المدنيين ايضا بحقهم في الانتخاب والمراقبه والمحاسبه.

ج- والجدير ثالثا ان المتظاهرين استطاعوا ان يتحرروا من قيودهم الطائفيه لغايه الساعه، ومن ارتباطاتهم التبعيه بزعمائهم ومن انقياداتهم الحزبيه التسلسليه. اعرب المتظاهرون، للمره الاولي المعلنه، انهم مدنيون متضايقون ولديهم الاستعداد للمحاسبه والادانه.

د- ومع ذلك فان الاحزاب المتربصه تسعي الي جذب هؤلاء والي استيعابهم بما تملك من وسائل وادوات تتقن امتلاكها واستخدامها.

هـ- بالرغم من كل ذلك فان الحياه السياسيه في لبنان ستسلك بعد الان سبيلا مغايرا وان كان هشا ومتعثرا. ان ما بعد هذه التظاهرات ليس كما قبلها، وان المجتمع المدني في لبنان سيستفيد من هذه "الجرعه" وسيواصل تقدمه في مجالات اخري في المستقبل.

و- وستضطر -لذلك- كل الاحزاب القائمه في لبنان الي اعاده النظر في سلوكها المدني المقبل وعدم الاكتفاء بالعمل السياسي فقط. فهل يؤدي ذلك الي دفع البلد الي التقدم ام الي مزيد من الفوضي؟ وهل تستمر الساحات علي سخونتها تمهيدا لـ"قلب الطاوله"؟

4- يبدو ان "اهل الحكم" في لبنان استشعروا خطر بعض المتظاهرين وبعض التحرك. ولم تعد مساله النفايات الاستفزازيه تمثل مفتاح هذا الخطر انما اصبح التخوف من مقدمات "الربيع اللبناني" مع الشعارات التي اطلقت في الشوارع تكرارا.

ولكن المعطيات والظروف اللبنانيه تحول -علي ما يبدو ظاهرا- دون حدوث او امكانيه تنفيذ "الشعب يريد اسقاط النظام" وذلك لاسباب عديده منها:

- ان تعريف "الشعب" في لبنان صعب ومتعثر، فلبنان يضم شعوبا لبنانيه وليس شعبا واحدا موحدا. وبالتالي فان لكل طائفه فيه رايها وموقفها ومصالحها ومصيرها ايضا.

- ان الخلاف بين السياسيين لن يتفاقم الي درجه الثوره ضد الاخر ولا الي درجه الفوضي الكامله. واذا كان قدر اللبنانيين ان يتفقوا من اجل المصلحه المشتركه، فان قدرهم ايضا الا يسقط الهيكل اللبناني فوق رؤوسهم.

- ان النظام السياسي المعتمد في لبنان ليبرالي اصلا سواء بحكم الدستور او بحكم ما يقال له عاده "الميثاق" و"الاطر الميثاقيه" والشروط الميثاقيه... الخ. وبذلك فان الوفاق السياسي والليبراليه الاقتصاديه وهشاشه الحكم المركزي كلها تشكل مناخا غير قابل للاشتعال مع اي شعار او مخطط.

- ان القائمين علي النظام (واحيانا اللانظام) السياسي وعلي النشاط الاقتصادي غير المنضبط وعلي القدرات العسكريه "الفدراليه" لن يسمحوا باي فلتان كبير يهدد الكيان ذاته للخطر. فضلا عن تدخل رجال الدين في السياسه وتاثيرهم في صيانه هذا "الهيكل".

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل