المحتوى الرئيسى

الرضاعة في الأماكن العامة: حق لك ولطفلك

08/28 12:32

على رمال أحد المنتجعات البيروتية تتمدد رشا، كغيرها من النساء، كي تتمتع بأشعة الشمس لاكتساب بعض السمرة. الصورة كانت أكثر من طبيعية، إلى أن بدأت طفلتها الصغيرة ذات الأشهر الخمسة بالبكاء. ضمتها عفوياً وأرضعتها.

رمقها بعض الجالسين قربها بنظرات غريبة. شعرت للوهلة الأولى أنها ربما أخطأت بإرضاع طفلتها، وأنه ما كان عليها أن تتجرأ وتفعل ذلك. لكن بكاء طفلتها المستمر لم يترك لها أي حل آخر.

اقتربت منها امرأة بالبيكيني، وعرضت عليها استعمال منشفة أثناء الرضاعة. "فهمت قصدها في تلك الأثناء، وخجلت جداً فحملت طفلتي وتركت عائلتي، وذهبت إلى السيارة لإرضاعها".

ليست رشا الأم الوحيدة التي تتعرض لتعليقات سلبية أثناء إرضاع طفلها في الأماكن العامة. فقد اختبرت ساندرا فرحات موقفاً مثيلاً على أحد شواطىء لبنان. "إنو عيب"، قال لها رجل يجلس إلى جانبها، حين رآها ترضع ابنتها ذات الأشهر الستة: "الطقس كان حاراً ولم تقبل ابنتي أن أضع غطاء الرضاعة فوقها، كما أن دورات المياه كانت قذرة جداً، لذلك لم أرضعها هناك"، تقول فرحات. وتضيف: "أكثر ما أزعجني أن بعض النساء على البحر بالكاد يخبئن صدورهن، لكن لا ينزعج منهن أحد، فهل عيب أن ألبي حاجة طفلتي وأغذيها تحت أشعة الشمس؟".

تذكر مايا صوراتي في مدونتها، التي تتناول مواضيع عدة عن الأمومة واليوغا، موقفها الواضح من الرضاعة في الأماكن العامة: إذا كنت تنزعج من رؤيتي أرضع طفلتي، فهذه مشكلتك وليست مشكلتي.

 استقبلتني صوراتي في بيتها في الميناء بطرابلس. بيت كبير على الطراز القديم. هدوء وراحة نفسية غريبة يعمان المكان. تقول إنها أرضعت طفلتها في كل مكان في لبنان: "لم أتعرض دائماً لتعليقات سلبية". تضحك، ثم تضيف: "لكن مرة عندما كنت عند طبيب الأسنان، طلبت مني الموظفة أن أتوقف عن إرضاع طفلتي، لأن هناك رجلاً سيأتي، لم أردّ طبعاً، ودخل الرجل ولم يعر الموضوع أي اهتمام". وتستطرد: "عرض علي أحد أصدقائي مرة أن أستعمل سترته لأخبىء صدري وأنا أرضع".

تدافع صوراتي في مدونتها عن حقها وحق بقية الأمهات في الرضاعة علناً، وتتهم المجتمع اللبناني بالنفاق: "كيف تكون الرضاعة أسوأ من الثياب المثيرة؟"، تسأل.

مدونة جريئة تتلقى من خلالها تعليقات، أبرزها إيجابية من أمهات يثنين على شجاعتها وصراحتها. ولكن طبعاً لا تلاقي إعجاب الجميع. إذ كتب لها أحد المدونين أن دفاعها عن الرضاعة علناً هو كدفاعها عن شخص يقضي حاجته علناً. مقاربة استفزت صوراتي، فردت عليه: "إذا كنت تظن أن الرضاعة مثيرة للاشمئزاز، فهذه مشكلتك وليست مشكلتي".

La leach league، هي منظمة دولية تعنى بتشجيع النساء على الرضاعة الطبيعية، وتوفر لهن المعلومات والدعم لتسهيل عملية الرضاعة الطبيعية. تجتمع المنظمة في فرعها في بيروت شهرياً، وتتشارك الأمهات النصائح والأسئلة والمخاوف عن الرضاعة. وتبقى هذه الاجتماعات فسحة من الحرية في لبنان للرضاعة أينما كان وكيفما كان. لا تعليقات سلبية ولا نظرات غريبة، التشجيع فقط.

تعتبر سارا لويس حنان، مُنظِمة الاجتماع، ومستشارة في الرضاعة، أن "الامتناع عن الرضاعة في الأماكن العامة هو عقبة جديدة أمام الرضاعة بشكل عام". وتقول: "يجب على الطفل أن يرضع متى احتاج لذلك". وتضيف ضاحكة: "لا يعرف الطفل إذا كان في البيت أو في مكان عام. كل ما يعرفه أنه جائع ويريد أن يأكل، وعلى الأم أن تلبي حاجته هذه".

وتؤكد أن "الأم إذا شعرت أنها ستتعرض لإحراج أو لآراء سلبية، فهي إما ستبقى في البيت، أو لن ترضع طفلها، وفي الحالتين سيؤثر هذا على رضاعتها". وتشدد على أنه "يجب على الأم أن تشعر أنه من الطبيعي جداً، وأكثر من طبيعي أن ترضع طفلها أينما شاءت".

ترى حنان أن "صدر المرأة أعطي دوراً جنسياً بحتاً، وهذا ما جعل البعض يتناسى أنه وجد أولاً لإطعام رضيعها، وهذه صفته الأولى وغايته الأهم". وتضيف: "الفم يستعمل للأكل ولإيحاءات جنسية، هذا لا يعني أنه لا يمكنك الأكل في الأماكن العامة".

وتظن دنى أبو جودة معركش، مدربة يوغا وولادة، أن "بعض الأشخاص لا يتقبلون رؤية أمّ ترضع، لأنهم في الدرجة الأولى لم يعتادوا رؤية أمهات يرضعن أطفالهن علناً، أو لأنهم ضد الرضاعة بشكل عام". وتسأل: "لماذا لا نطلب من الأمهات اللواتي يطعمن أطفالهن حليباً صناعياً أن يطعمنهم في غرفة أخرى؟ الأمر عينه مع الرضاعة الطبيعية. الهدف نفسه، أما الطريقة فليست مهمة". 

توصي منظمة الصحة العالمية بضرورة الإرضاع المقتصر على الثدي طوال الأشهر الستة الأولى من حياة الطفل، والاستمرار فيها مع إعطاء الأغذية المكملة المناسبة، حتى بلوغ الطفل عامين من العمر أو أكثر. وبحسب آخر إحصاءات  أعدها مكتب الإحصاء المركزي، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة، فإن 15% فقط من الأمهات يرضعن أطفالهن طبيعياً في لبنان. هذا رقم صادم جعل بعض جمعيات المجتمع المدني تتحرك لنشر التوعية بين الأمهات حول أهمية الرضاعة الطبيعية للأم والطفل.

وتشير أخصائية الرضاعة والتغذية ميرنا صباغ مسلماني، إلى أن "الرضاعة الطبيعية كما أقرتها المنظمات الدولية، هي من دون أي منازع الطريقة الفضلى لإطعام الطفل". وتضيف أن "إدخال الحليب الصناعي إلى جهاز الطفل، يزيد من خطر تعرضه لأمراض عدة كالإسهال والالتهابات المعدية وغير المعدية، والتهاب الأذن الوسطى والرئة".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل