المحتوى الرئيسى

دراكولا الأصلي يعاني من الخيال

08/28 01:15

لا يتمكَّن اندريه من كتم غيظه: صار من المستحيل انقاذ دراكولا الحقيقي، بعدما حوّله الادب الي كائن لا يشبهه الَّا بالاسم. ضاع منهم اميرهم. استفاقوا بعد سقوط العزله الشيوعيه ليجدوا انَّ قدِّيسهم الحربيّ، البلدي علي كل حال، صار نجماً عالمياً، لكن بعدما نصَّبه الخيال رمزاً للرعب والشرّ.

لكن ما شان اندريه، الشاب العشريني، بالامير فلات تسيبش (الملقَّب دراكولا). لماذا يحمل همّ تزوير شخصيَّه اكل الدهر عليها وشرب، بعدما عاشت في القرن الخامس عشر. غيظ الشاب كان موضوعياً. كل ما في الامر، انَّ فوز الشخصيَّه الحقيقيَّه يصبّ في مصلحته.

اذا كان في الامكان، جدلاً، ان يلوم اندريه احداً، فما عليه الَّا الغضب علي الكاتب الايرلندي برام ستوكر. هو من بدا «المؤامره»، حينما استلهم من الامير الروماني شخصيَّه روايته الشهيره «دراكولا». اطلق ستوكر بطله الخياليّ مع نشر الروايه العام 1897، بعدما جال في رومانيا مخترعاً له تاريخاً واماكن هناك. لم يعد يمتّ بصله تذكر للامير الممجَّد في تاريخ رومانيا، دراكولا الاصليّ الذي ارهق الامبراطوريه العثمانيَّه.

ما حصل، لا يمكن اصلاحه. الفندق الذي يعمل فيه اندريه، في مدينه كورتيا دي ارغش وسط رومانيا، كان يعيش يوميَّات الحسد. الامير الحقيقي كان يحكم البلاد من قلعه «كويناري» القريبه منهم. انَّها ذروه الموسم السياحيّ، لكن النزلاء لا يقفون في طوابير. ثمار الشهره تقطفها مدينه اخري بعيده، تزدهر مرافقها من نجوميَّه دراكولا المزيّف. هناك تنتظر الحشود امام قلعه «بران»، التي صارت بقوه الروايه الادبيه «قلعه دراكولا».

مستعرضاً تلك المفارقه، يقول الشاب بتافّف: «طبعاً هذا ليس عدلاً، انَّها فقط قصه، دراكولا كان يحكم المنطقه من هنا، من هذه القلعه. امَّا القلعه الاخري، فليس حتي اكيداً انَّه مرَّ عليها».

الشخصيَّه الخياليَّه تنتصر في الصور ايضاً. مرَّت الكاميرا امام اماكن دراكولا الحقيقيّ، لكن الصور التي التقطتها فقيره. كانت اماكن تحاول عبثاً استعاده دراكولا من الاماكن التي نقلته اليها الروايه الادبيَّه. تسولها يثير الشفقه، ربما التعاطف.

العدسه تقع ايضاً في شرك الهوس بدراكولا الخياليّ. الصوره المنشوره هي من امام قلعه «بران». الطابور الظاهر فيها، تزداد صفوفه كلَّما طال ليصير جمهره، فالصف الواحد كان يمتدّ مئات الامتار مغلقاً الطريق الرئيسيه. حينما يكتشف البعض ذلك، ترتسم علي وجوههم ملامح الخيبه، وهم يلتفتون تجاه اوَّل الطابور، حيث عليهم الرجوع ريثما ياتي دورهم.

وسط الطابور، حيث تصطفّ عربات تبيع الماكولات والمشروبات، يزدهر اقتصاد الانتظار. اللوحه الاعلانيَّه في الصوره ليست دعايه للقلعه، مع انَّ العباره فوق رسم المسخ تقول: «القلعه المسكونه». انَّها تروّج لبيت يصنع جواً من «الرعب»، يمكن من دخوله لجرعه اثاره مركَّزه. القلعه ليس فيها ذلك الطقس. انَّها قصر ملكيّ من قاعات كثيره، يمكن زيارتها كايّ معلم اثريّ.

لكن ذلك في صالح مستثمري البيت المسكون. يقف علي بابه قاطع التذاكر الثلاثيني يونوش. يبتسم للقادمين راصداً ردود فعلهم. البيت يستقبلهم بدخان يخرج من الارض مصحوباً باصوات «الترعيب». يمسك يانوش بعصاً غليظه مدببه قليلاً، مشيراً الي شخصيه دراكولا الاصلي: «كان هذا سلاحه». يقصد «الخازوق» الذي يُعدُّ بطلهم الامير من بين اشهر مستخدميه.

العمل ممتاز. يداوم يونوش في نسختين من «القلعه المسكونه»، كلاهما للمستثمر نفسه. بعد عمله هناك منذ عشر سنوات، صار يعي تماماً قيمه الراسمال الذي اعطتهم اياه روايه ستوكر. يقول بامتنان لهديه الخيال الأدبي: «لولا القصه، لما كان هنالك شيء في بلدتنا».

اقتصاد البلده قائم علي دراكولا الخيالي. الحوانيت التي تبيع تذكاراته تنتشر في كل مكان. كل ما يخطر، ولا يخطر، علي البال. من الالعاب والاقنعه علي اشكالها، الي ادوات القتال والتماثيل، وصولاً الي الازياء. تصادف من يستعدون لدخول القلعه باحتفاليه ملائمه، مرتدين الزي «الدراكولي» الكامل: من العباءه السوداء الي فكين يبرز منهما نابان داميان. كله يباع في الحوانيت. جموع الزائرين تاكل وتشرب وتبيت في البلده، وضغط الزوار اغري بعض المستثمرين ببناء اكواخ خارجها.

خلال حكم الشيوعيه، لم يكن الرومانيون علي درايه بالشهره العالميه لبطلهم دراكولا. كانوا معزولين عن افلام هوليوود، بحكم الحَجْر الاعلامي والرقابه الخانقه. بعدما سقط نظام الديكتاتور تشاوشيسكو، سنه 1989، كان الخيال قد طاف علي بطلهم ولم يترك له اثراً يذكر.

الاستثمار السياحي للشهره صار يجعل دراكولا الاصلي يستجير بالمزيّف. دمي الامير تجاور دمي المسخ ذي النابين، لكنَّها بعيده جداً عن منافستها. المسافه بينهما تظهر في قله زوار قلعه «كويناري»، مقر الشخصيه الاصليه، مقارنه بالزحمه علي نظيرتها «بران».

بلوغ «كويناري» ليس بتلك السهوله. يجب صعود 1500 درجه، تتلوي وهي تتسلق غابه، قبل وصولها. يعادل ذلك الارتقاء 60 طابقاً. من لم يمدّد عضلات رجليه جيداً، كان يمشي كاعرج لايام. ثم ماذا؟ لا شيء سوي فقر الخيال. علي مدخل القلعه دميتان بحجم الانسان، تم نصبهما، حرفياً، فوق خازوقين! في جوراهما وضعت مشنقه، وعده قطع رؤوس. القلعه بضع قاعات، مهدمه الجدران وبلا سقوف.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل