موجات الهجرة والموت على عتبات "الفردوس"

تحمل الرغبه بالحياه المهاجرين غير النظاميين الي مسارب متعدده للموت، يدفعهم الاستبداد وانسداد الافاق والهويات المتقاتله والاوطان المفككه والانسانيه المهدوره الي الخوض في لجج البحار المتلاطمه والحدود الملغومه لارتياد "جنات موعوده" يكون دونها شقاء وعذابات وموت وبصيص امل.

تكبر فواجع الهجره وماسيها يوميا، وتزهق "الارواح الحالمه" بين الامواج او تسحق في قعر القوارب الخشبيه المتكدسه بالبشر، وفي اخر الحوادث ذات الصله اعلن خفر الايطالي والسويدي الاربعاء العثور علي جثث 50 من المهاجرين غير النظاميين في قعر قارب خشبي قباله سواحل ليبيا،  وانقذا 439 مهاجرا غير نظامي اخرين.

وقالت منظمة الهجرة الدولية ان اكثر من الفي مهاجر غير نظامي لقوا حتفهم هذا العام اثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط الي اوروبا، في حين تم انقاذ نحو 188 الفا اخرين، ووصل نحو ربع مليون الي اوروبا.

والحصيله الاخيره تاتي ضمن مسلسل موت يومي يستمر منذ عقود، لكن وتيرته ازدادت مؤخرا بتفجر ازمات جديده اكثر تعقيدا، وقد اضافت الازمه السوريه منذ اواخر 2011 دفقا هائلا لموجات الهجره خاصه الي اوروبا بحكم القرب الجغرافي.

ونشرت الشبكه السوريه لحقوق الانسان اواخر مايو/ايار الماضي تقريرا استعرضت فيه ابرز حوادث موت السوريين غرقا اثناء الهجره غير النظاميه، مشيره الي وفاه ما لا يقل عن 2150 شخصا (75% منهم نساء واطفال) منذ نهايه عام 2011.

وعرض التقرير ابرز 28 حادثه هجره غير نظاميه حدثت خلالها حالات موت ماساويه لسوريين بسبب الغرق بين عامي 2012 و 2015، والتي لم تمنع السوريين من تكرار محاولاتهم خاصه من تركيا.

- ومن اهم مسارات الهجره غير النظاميه عالميا تلك التي تنطلق من الشرق الاوسط وشمال افريقيا نحو بلدان اوروبيه، حيث تعد السواحل التونسيه منطلقا للمهاجرين المحليين او القادمين من افريقيا الي جزيره لامبيدوزا الايطاليه او السواحل الاخري او الي مالطا، وهو ما يحصل بمصر ايضا.

- كما اصبحت ليبيا بعد الثوره مقصدا اساسيا للمهاجرين غير النظاميين الحالمين باوروبا، ونشط المهربون في استثمار الاوضاع الامنيه المترديه لتهريب عشرات الالاف من البشر نحو سواحل ايطاليا.

- وتعد المغرب الاقصي، وتحديدا مدينتي سبته ومليليه، منطلقا للهجره غير النظاميه خاصه للافارقه الذين كانوا يتدفقون علي المغرب في السنوات الماضيه، املا في هجره سريعه بحكم قرب السواحل الاسبانيه، وتقلصت اهميه المغرب في السنوات الاخيره كمنطلق هجره لصالح السواحل الليبيه الممتده وغير المراقبه.

- وتعتبر تركيا ممرا مهما للمهاجرين غير النظاميين ومدخلا لاوروبا، ونظرا لسهوله دخولها   لعدم فرضها تاشيرات علي معظم زائريها وقربها من اوروبا يتدفق عشرات الالاف اليها خاصه من سوريا والعراق وبلدان اخري بانتظار فرصه عبور بحر ايجه الي اليونان كبوابه اولي لاوروبا، ولا ضير في ايام او اشهر في مركز "اميغواليز" للاجئين باليونان.

- وفي منطقه جنوب شرق اسيا تبرز اكبر ماسي الهجره غير النظاميه حيث يغامر عشرات الالاف من افراد اقليه الروهينغا المسلمه من ميانمار، باجتياز خليج البنغال للوصول الي جنوب تايلند واندونيسيا ثم ماليزيا، هربا من العنف والعنصريه التي يتعرضون لها في ميانمار، او بلدان اخري.

وغرق المئات في رحله العذاب خاصه بعد ان اغلقت بلدان المقصد سواحلها امام هذا التدفق وتاهت عشرات المراكب بالبحر وانتشرت قصص مرعبه عن ما جري لمهاجرين في عرض البحر  والمقابر الجماعيه.

-ومن اسيا ايضا يحاول الالاف الوصول الي استراليا انطلاقا من اندونيسيا جزيره كريسماس الاستراليه، وقد شهد بحر "سيانجور" غرق الالاف، بينهم 30 لبنانيا عام 2013 وعدد من العراقيين والسوريين في سنوات سابقه في رحله عابره للمحيطات. 

- ومن مسارات الهجره الاخري تلك التي تاخذ الاثيوبيين والصوماليين والاريتريين الي اليمن ويصل نحو مئه الف مهاجر افريقي الي السواحل اليمنيه في السنوات السابقه قبل ان تصبح اليمن بلدا طاردا لسكانه مع الازمه المستمره منذ اشهر.

وتقدر منظمة العمل الدولية ان الهجره غير الشرعيه تمثل نحو 10%-15% من الهجره العالميه، واشارت صحيفه كرييستيان ساينس مونيتور الاميركيه الي ان نحو 340 الف مهاجر حاولوا دخلول اوروبا في يوليو/تموز الماضي، اي ثلاثه اضعاف رقم العام الماضي، وتوفي 2240 وهم يحاولون الوصول الي اوروبا

وبحسب تقرير صادر عن الوكاله الاوروبيه المكلفه بمراقبه الحدود الخارجيه لفضاء "شنغن" (فرونتكس)، صادر في 18 اغسطس/اب الجاري، فان عدد المهاجرين غير النظاميين الذين سجلوا عند نقاط الحدود في دول الاتحاد الاوروبي، منذ مطلع العام الجاري، تجاوز مئه الف حتي يوليو/تموز الماضي.

واصبح ما يعرف بـ"ممر الهجره عبر البلقان" منفذا لعشرات الالاف من المهاجرين الي دول غرب اوروبا، خصوصا السوريين والعراقيين الهاربين من الحرب وفي الشهرين الاخيرين سجلت السلطات المقدونيه اكثر من 40 الف لاجئ، بينهم ما يزيد عن 33 الف سوري، وفي الايام الاخيره سجلت السلطات يوميا اكثر من الف طلب تسجيل يوميا.

وتُعد ازمه المهاجرين حاله عالميه  تؤرق الدول المصدره والمستقبله، وتوصف ازمه المهاجرين غير النظاميين الحاليه نحو غرب اوروبا بانها ربما تكون الاسوا منذ الحرب العالميه الثانيه.

ويعود هذا الدفق بالاساس الي الحرب السوريه التي هجّرت نحو خمسه ملايين شخص معظمهم من المرشحين للهجره غير النظاميه وكذلك الحرب بالعراق واليمن وليبيا والانخرام الامني في ليبيا وتونس نسبيا والمازق الاقتصادي  للعديد من البلدان وتفشي الصراعات الدينيه والمذهبيه.

وتؤكد المنظمات الدولية ان ازمات الهجره التي تفاقمت في الاعوام الماضيه تعود الي استغلال مافيا تهريب البشر والشبكات التي تنشط مستغله لاوضاع الراهنه في العديد من البلدان دون ان تقدر الحكومات المحليه علي تفكيكها.

وان كان بعض المهربين الهواه ينشطون في شمال افريقيا وتركيا وميانمار وغيرها فان الطابع الاحترافي اصبح  يطغي علي المساله التي تحولت الي تجاره تدر ملايين الدولارات علي اصحابها تماما مثل تجاره المخدرات والسلاح.

وتشير تقارير اوروبيه الي ان المهربين يتقاضون -بشكل عام- مبلغا يتراوح بين 1800 و10 الاف يورو بحسب المسافه والظروف والحاجه والعرض والطلب.

وتقوم شبكه التهريب غالبا علي عناصر من بلد المصدر وبلد الوجهه، ويبقي المهاجرون عرضه للابتزاز اثناء الرحله ويرغمون علي دفع مبالغ باهظه وكذلك الاغتصاب والرمي في البحر.

وقبل نحو شهر صرحت مسؤوله السياسه الخارجيه بالاتحاد الاوروبي فيدريكا موغيريني بان النقطه الاساسيه ليست بالحد من هذه المراكب بل الحد من التجاره العالميه لهؤلاء المهربين.

وفي هذا السياق ابرمت فرنسا والمملكه المتحده قبل ايام اتفاقا يشمل تامين موقع كاليه -الذي يوجد فيه نحو ثلاثه الاف مهاجر يريدون عبور بحر المانش الي انجلترا- ومكافحه المهربين ومساعده المهاجرين.