المحتوى الرئيسى

لماذا يقلق السيسي من المخابرات العامة؟

08/26 19:58

بالتوازي مع شواهد الصراع المكتوم بين الرئيس عبد الفتاح السيسى وبين كبار قيادات الجيش، فان هناك مؤشرات عديده علي احتقان مع المخابرات العامه وانحياز السيسي الي المخابرات العسكريه التي تولي ادارتها في الفتره من 2010 الي 2012، قبل توليه منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس المعزول محمد مرسى.

ترجع اصول التوتر بين الرئيس السيسي وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكذلك بينه وبين جهاز المخابرات العامه الي الفتره الانتقاليه تحت رئاسه القاضي عدلى منصور، رئيس المحكمة الدستورية، منذ عزل الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو 2013 وحتي فوز الرئيس السيسي بالانتخابات في ربيع 2014.

بحسب خارطه المستقبل التي اعلن عنها وزير الدفاع – انذاك – الفريق اول عبد الفتاح السيسي، بحضور ومباركه بعض كبار قيادات الجيش وراسيْ الازهر والكنيسه الارثوذكسيه القبطيه والدكتور محمد البرادعي وممثلي حركه تمرد الشبابيه وممثل عن حزب النور السلفي، فان التعديلات الدستوريه والاستفتاء عليها واجراء الانتخابات الرئاسية كان من المفترض ان تجري جميعها في غضون سته اشهر. في الحقيقه، لم تنتقل السلطه الي المشير المتقاعد من الجيش – لاحقاً – عبد الفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسيه الا بمرور سنه تقريباً. في خلال هذه السنه، وقبل اجراء الاستفتاء علي التعديلات الدستوريه، استغرق الامر وقتاً كي يتمكن السيسي من اداره موازين القوي مع اهم اركان نظام ما بعد 30 يونيو؛ وهي الجيش والاستخبارات والشرطه، وذلك قبل ان يتصاعد التنازع حول الصلاحيات والنفوذ والامتيازات مع القضاء لاحقاً.

قبل شهرين تقريباً من استقاله السيسي من المجلس الاعلي للقوات المسلحه وترشحه للرئاسه، اصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قراراً جمهورياً رقم 634 لسنه 2013 نشرته الصحيفه الرسميه في عددها رقم 48 بتاريخ 28 نوفمبر ينص علي احاله عشره من وكلاء المخابرات العامه للمعاش ”بناءً علي طلبهم“. اما العشره فهم: هشام محمود عباس سالم، وسيد حسين محمد سعودي، واحمد محمد السيد التاجر، وهاني عبد اللطيف صالح محمد عرفه، واحمد نادر محمد مصطفى الاعصر، وهشام جمال الدين محمد عبدالله الخطيب، وخالد مصطفي كامل عيسي، ومحمد عبد الجواد طنطاوي زغلول، وايمن حمدي محمود محمود الحلواني، وحسام واعر عبيد ابو العز.

كان من المعروف ان القرار صادر شكلياً من الرئيس المؤقت عدلي منصور، كما كان مفهوماً ان النشر في الجريده الرسميه اجراء اضطراري بحكم قانون جهاز المخابرات العامه الذي يضعه تحت رئاسه الجمهوريه مباشره، فلا مجال لصدور قرارات سريه بخصوصه، حيث تنص الماده السابعه من قانون جهاز المخابرات العامه الصادر برقم 100 لسنه 1971 علي النص التالي:

”دون التقيد بالسن المقرره للتقاعد يكون تعيين واعفاء رئيس المخابرات العامه من منصبه بقرار من رئيس الجمهورية.

ويعين نائب رئيس المخابرات العامه، ووكلاء اول ووكلاء المخابرات العامه من رئيس الجمهوريه بناء علي عرض رئيس المخابرات العامه ويحل النائب محل رئيس المخابرات العامه عند غيابه وتكون له جميع اختصاصاته.

ويعامل رئيس المخابرات العامه معامله الوزير ويعامل نائب رئيس المخابرات العامه معامله نائب الوزير، وذلك فيما يتعلق بالمرتب وبدل التمثيل والمعاش“

فجهاز المخابرات العامه جهاز امني ومعلوماتي سيادي مستقل لا يتبع اي جهاز تنفيذي، وهو مختلف عن اداره المخابرات الحربية والاستطلاع التابعه للمجلس الاعلي للقوات المسلحه، ومختلف كذلك عن قطاع الامن الوطني (جهاز مباحث امن الدوله سابقاً) التابع لوزاره الداخليه. اما صيغه قبول طلب التقاعد فهي صيغه مهذبه للاستغناء عن خدماتهم من دون تسريح تضطرب بسببه اوضاعهم الاقتصاديه.

اللافت في القرار المشار اليه ان الاسماء التي شملها القرار كانت تضم جميع وكلاء الجهاز المسؤوليين عن قطاعاته الجغرافيه والنوعيه، فيما بدا انه قرار تطهيري اتخذه السيسي بنفسه، او مدير الجهاز وقتئذٍ محمد فريد التهامي، للتخلص من الولاءات القديمه لمدير المخابرات الراحل عمر سليمان او خليفتيْه، مراد موافي ورافت شحاته. لكن الامر لم يتوقف عند هذه ”المذبحه“ الاداريه في الصف الاول من قيادات المخابرات، اذ اعاد السيسي نفسه الكره مرتين اخريين مؤخراً.

ففي 18 يونيو 2015، نشرت الجريده الرسميه قرار الرئيس السيسي باحاله تسعه من وكلاء المخابرات العامه الي المعاش واثنين اخرين بسبب ”عدم لياقتهما الصحيه“. شملت الدفعه الجديده من الوكلاء المحالين للتقاعد كلاً من: محمود عادل محمد ابو الفتوح، وسامي محمد عبدالله سعيد الجرف، واشرف محمد سعيد محمد الخطيب، ومحمد مصطفي يوسف سعودي، وخالد سعد الدين الصدر، ونيفين امين محمود اسماعيل، ومصطفي زكي عكاشه محمد طاحون، ومحمد علاء عبد الباقي محمود علي، وماجد ابراهيم محمد الوتيدي. اضافه الي محمد خير الدين وعادل احمد محمد للاسباب الصحيه.

وعلي الرغم من تصريح مصدر مجهّل لموقع العربيه بان صدور مثل هذا القرار امر اعتيادي يجري مرتين سنوياً، الا انه ليس من المصادفه ان ياتي بعد يوم واحد من تصريح القيادي الاخواني الهارب يحيي حامد، وزير الاستثمار السابق في حكومه هشام قنديل، بان تواصلاً يجري مع المخابرات العامه للحوار حول مرحله ما بعد السيسي.

قبل شهر، اصدر الرئيس السيسي قراراً جمهورياً اواخر يوليو 2015 بنقل بعض العاملين بالمخابرات العامه الي عدد من الوزارات العامه في الدوله. حيث نص القرار علي نقل تسعه من موظفي الدرجه الثانيه والثالثه والرابعه وتوزيعهم علي وزارات «الكهرباء والطاقه» و«الاستثمار» و«القوي العامله» و«الماليه» و«الزراعه واستصلاح الزراعي»، اضافه الي سته من العاملين بالوظائف المهنيه واربعه من عمال معاوني الخدمه الي عده وزارات، علي ان يعمل بالقرار الاخير اعتباراً من 1 اغسطس الجاري.

وبحسب تقارير صحفيه اقليميه، فان القرار الاخير قد صدر بعد ايام قليله من انباء نشرتها مجله «انتليجنس اون لاين» الفرنسيه عن خلافات بين جهازي المخابرات العامه والحربيه، وهما الذراعان الاهم للامن القومي المصري، بسبب تداخل الاختصاصات في محاربه الارهاب في شمال سيناء. واعتبر مراقبون ان القرار واسلوب اتخاذه يعبران عن عدم رضا الرئاسه عن اداء الجهاز، ورغبتها في توجيه تحذير علني ومشدد من استمرار الاوضاع الحاليه.

وعلي الرغم من ان القرارات الوظيفيه المتعلقه بكوادر الدرجه الثانيه وما دونها، فضلاً عن الوظائف المهنيه والخدمات المعاونه، لا تتطلب – قانوناً – صدور قرار جمهوري، حيث يكفي قرار داخلي من رئيس المخابرات العامه، الا ان اخراج القرار الاخير يوحي بصحه التحليلات التي تقول بان نشر اسماء الضباط المبعدين من المخابرات العامه في مرسوم رسمي، يعني حرمانهم نهائياً من العوده الي الخدمه فيها. وقد ربطت هذه التحليلات الصراع باختلاف الرؤي بين المخابرات العامه ونظيرتها المخابرات الحربيه، حيث تميل الاخيره الي اتخاذ موقف عسكري من حركه حماس بزعم دعمها لتنظيم «ولايه سيناء» (انصار بيت المقدس سابقاً).

لا يقتصر الصراع مع جهاز المخابرات العامه علي الخلاف الحاد في وجهات النظر بخصوص سيناء وغزه، وانما يمتد للخوف الاكبر من ذلك بوجود اتصالات بين الطواقم القديمه للجهاز وبين لاعبين سياسيين اقليميين بما يهدد بقاء نظام السيسي واستمراره. فالولاءات الممتده لقيادات الجهاز السابقه، وخاصه الراحل عمر سليمان، دوماً محل شك وتهديد. كذلك فان القلق غير منقطع في اتصال بعض كبار النخبه العسكريه المتقاعده غير المرحب بها، مثل رئيس الأركان الاسبق سامي عنان والمرشح الرئاسي السابق احمد شفيق، ببعض قيادات وكوادر جهاز المخابرات العامه.

والحقيقه ان الصراع بين الرئاسه الحاليه وبين جهاز المخابرات العامه ما هو الا امتداد واحياء لصراع قديم بين اداره المخابرات الحربيه والاستطلاع، التي كان يديرها السيسي حتي 2012، وبين جهاز المخابرات العامه الذي كان يتمتع بثقه مطلقه وصلاحيات واسعه ممنوحه من الرئيس الاسبق حسني مبارك الي قياده الجهاز ممثلهً في الراحل عمر سليمان.

فالصراع القديم بين الجهازين قد تجدد في طور جديد، بعد ان تغيرت موازين القوي واصبحت للمخابرات الحربيه اليد العليا ميدانياً في سيناء وبقيه الاطراف الحدوديه، وسياسياً في القاهره. فالرئيس الحالي هو المدير الاسبق للمخابرات الحربيه، ومكتبه والمقربون منه ما هم الا امتداد لدائرته القديمه، سواءً انتقلوا الي وظائف جديده في ديوان رئاسه الجمهوريه مروراً بمكتبه في وزارة الدفاع، ام انتُدبوا من وظائفهم بالمخابرات الحربيه للقيام بمهام استشاريه او تنفيذيه او نوعيه. هذا الصراع ليس صراعاً فنياً محضاً، وهو ليس صراع صلاحيات امنيه فقط، بل ممتد ومتوغل في المساحه الاقتصاديه التي تتنافس فيها شركات الجيش وشركات المخابرات اللاتي يعمل اغلبها في مجالات متشابهه او متقاربه، لعل اخرها هو الاستثمار العقاري.

علي المستوي الاقتصادي، فان الخاسر الاكبر في هذا ”الصراع بين الكبار“ هم رجال الاعمال المحليين والاقليميين الذين لن يجدوا لانفسهم موطيء قدم في هذا التنافس المحموم الا بتحالف – من موقف ضعف – مع احد اطراف هذه الصراعات. ولن يقتصر الامر علي الابتزاز بالرشاوي او التعاقدات غير المنصفه ، بل تلوح في الافق بوادر اضطرابات امنيه داخل قطاع المال والاعمال نفسه بعد اصدار الرئيس قراراً جمهورياً يتيح للجيش والشرطه والمخابرات انشاء شركات امن وحراسه خاصه، وهو ما يعني – عملياً – اضفاء الشرعيه علي التحصين الامني الخاص لامبراطوريات اقتصاديه تابعه رسمياً وبشكل غير رسمي لاقطاب واجنحه النظام الحاكم.

ياتي الصراع المكتوم بين اجنحه واقطاب السلطه الحاكمه في مصر في سياق اقليمي يتسم بالتفكيك والسيوله وسرعه التقلب والتغير السريع في خريطه التحالفات. لذا، فانه ليس من المستبعد ان تلجا الاطراف المتصارعه علي الصلاحيات والنفوذ والمصالح الاقتصاديه الي الاستعانه بضغوط اقليميه تمتد من اسرائيل الي ايران.

فالجيش والمخابرات الحربيه قد يضغطان بالمصلحه الامنيه المشتركه مع اسرائيل من اجل توسيع الصلاحيات الميدانيه في سيناء، وربما اتخاذ اجراء تجاه قطاع غزه اكبر من اقامه المنطقه العازله، اذْ ترواد بعض الاجنحه المتواصله مع دوله الامارات فكره التدخل العسكري الذي يؤمل من ورائه التمهيد لرئاسه محمد دحلان خلفاً لمحمود عباس. علي المستوي المحلي، فان الهدف المحتمل من وراء هذا سيكون مزيداً من الصلاحيات والتشغيل والتمويل وترسيخ الهيمنه علي مجريات اتخاذ القرارات السياديه، بل الحفاظ علي الاولويه الامنيه في التخطيط والتمويل وعدم الميل الي التهدئه.

ومن ناحيه ثانيه، فان المخابرات العامه – او ما تبقي منها من اصحاب الامتعاض عن الوضع السياسي والامني والاقتصادي القائم والميل الي اجنحه اخري من النخبه العسكريه المتقاعده – قد تلجا للمناوره الاقتصاديه مع ايران، خاصه مع رفع العقوبات الدوليه علي الاخيره. ولن يكون من الصعب توفير غطاء سياسي واستراتيجي لهذه المناوره، التي سيكون ظاهرها تنشيط القوه الناعمه والاستفاده من السخاء الايراني في علاج بعض المشكلات الملحه والعاجله.

وعلي سبيل المثال، فان ايران قد قدمت عرضاً سخياً عقب الثوره بدعم احتياجات مصر من القمح، كما تنتوي اغراق سوق النفط بمليون برميل يومياً فور رفع العقوبات لتخفيض سعره، كما يمكنها – عبر السودان – دعم احتياجات مصر من رؤوس الماشيه الحيه عن طريق بعض رجال الاعمال المتعاونين معها المهتمين بهذا المجال الذي تحتكره شركات تابعه للمخابرات العامه. واياً كان التعاون الاقتصادي المحتمل بين الهيئات التابعه للمخابرات العامه وايران، فان احد اهدافه الرئيسيه سيكون تعويض النفوذ المسحوب من ناحيه المخابرات الحربيه والجيش. وقد تاتي المناوره برد فعل عكسي، حيث يستولي الجيش علي فرص التعاون الاقتصادي مع ايران ليحتكر هذه المساحه ايضاً، لكن ذلك سينذر بتجذير الصراع وتعميقه اكثر واكثر لدرجه لا يمكن التنبؤ باثارها حالياً.

اما موقف دول الخليج من الصراع الداخلي، فلا يراه النظام الا في الدور المالي والاقتصادي مع درجه غير قليله من الاستعلاء اظهرتها التسجيلات الصوتيه المسربه. وهناك تحفز غير اعتيادي تجاه اي دور سياسي قد يؤديه اي رمز مقيم في الخليج، مثل مرشح الرئاسه السابق احمد شفيق علي سبيل المثال. يحرص النظام علي اظهار التماسك الخارجي كضروره لتسويق معادله الدعم مقابل الكفاءه الامنيه والاداريه في اقتلاع الاسلاميين من منبعهم الام (مصر)، وفصل هذه المعادله عن معادله اخري مستقله تضع التعاون الامني الاقليمي مقابل مزيد من الدعم السخي.

ومع تغير حسابات المملكه العربيه السعوديه منذ تولي الملك سلمان عموماً، وفي الشهرين الاخيرين خصوصاً، وتقاربها مع اخوان اليمن والعراق، وربما حماس في فلسطين، فان السيسي لا يجد له حليفاً لا يزال علي درجه كبيره من تطابق بعض الرؤي الرئيسيه سوي دوله الامارات العربيه المتحده. لكن هذه العلاقه التي كان لها دور كبير في الانجاز الهندسي والسياسي في مشروع تفريعه قناه السويس الجديده لم تصمد امام هيمنه الجيش علي الاراضي المحيطه بالمساحه المخصصه لمشروع العاصمه الجديده – علي سبيل المثال.

ماذا لو تحدث السيد نديم؟

هل يعكس الزي العسكري صراعا بين السيسي وقياده الجيش؟

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل