المحتوى الرئيسى

أدب الرحلات - ساسة بوست

08/25 19:23

منذ 8 دقائق، 25 اغسطس,2015

الرحله قديمه قدم الانسان، وما كان البشر في يوم من الايام ساكنين الي الارض مطمئنين اليها، وترحال الانسان وتنقله بين موطن واخر هو ما عمر الارض كما نراها اليوم، ويذكر العلماء ان البشر ما زالوا في ترحال دائم منذ ان وجدوا علي الارض، وربما تعد رحله قدماء المصريين عام 1493 قبل الميلاد من اقدم الرحلات التي دونها البشر ووصلنا خبر عنها، كما يذكر الباحث الفرنسي مودوي. فمنذ اختراع الكتابه اصبح بمقدور البشر ان يدونوا تاريخ حركتهم علي هذه الارض.

يقول مصطفي بن فتح الله الحموي مؤلف كتاب فوائد الارتحال ونتائج السفر: “ان موضوع الرحله والترحال والسفر والغربه عن الاهل والاوطان، موضوع استغرق كتب المصنفين، وامتلات به صحائف المدونين، تصف ترحالهم من بلد الي بلد، واجتهادهم بين ايدي العلماء علي الركب، فتنوعت اخبارهم وتعددت اساليبهم، حسب ما قصدوا من ترحالهم، حتي اصبح في عصرنا الحديث نوع خاص من الادب يسمي أدب الرحلات.

ولد ادب الرحلات عبر تدوين الرحاله لقصصهم ومشاهداتهم للبلدان التي زاروها والغرائب التي شاهدوها، وتنوعت اهدافهم ومقاصدهم بحسب غرضهم من الرحله، فمنهم من قصد العباده كالمسلمين الذين كانوا يقصدون الحج من اطراف الارض وعادوا يحكون للناس ما راوه خلال رحلاتهم، ومنهم من قصد العلم وانتقل بين البلدان كي يحصّل منه ما تحمله عليه همته، ومنهم من كان يسعي في تجارته فخالط اهل تلك البلد وخبرهم وعاد يحكي تجربته، ومنهم من كان في مهمه اوكلت اليه من الخليفه او الوالي لغرض دبلوماسي او تفاوضي او غيره، ولذلك يتنوع ما كتبوه ودونوه، كلٌّ بحسب دوره، ويعتبر ادب الرحلات مرجعًا مهمًّا لاقوامهم في فهم البلدان التي زاروها كلّ في مجاله.

ويكفي ان نعلم ان الكثير من معلوماتنا وتصوراتنا عن الحياه في مكان ما وفي وقت ما كان يعتمد علي مدونات رحال زار تلك المنطقه في تلك فتره، وسنسرد بعض الامثله من ذلك.

تعتبر كتب ادب الرحلات مرجعًا مهمًّا في علمي الاثنوغرافيا (علم وصف اساليب حياه وتقاليد وقيم وادوات وفنون المجتمع)، والاثنولوجيا (علم يهتم بتحليل وتفسير الحاله الثقافيه للمجتمع بطريقه ممنهجه)، فالعناصر التي يستند اليها علم الاثنوغرافيا نجدها وافره في كتب الرحاله عبر التاريخ، فكتاب البيروني “تحقيق ما للهند من مقوله مقبوله في العقل او مرذوله” يعتبر من اهم الكتب التي وصفت عقائد اهل الهند وعاداتهم وانكحتهم واعيادهم واطعمتهم وطرائق حياتهم وخصائص لغاتهم، اما الاثنولوجيا فيمكن ان تدرس من خلال ما تحويه وتتيحه كتب ادب الرحلات في مجموعها، حيث يختص وصف الرحاله دائمًا بوقت محدد، وهو ما يجعلها ماده اثنولوجيه جيده عند مقارنتها مع غيرها من الرحلات تبعًا للزمن.

اضافه الي ذلك، تعتبر كتب ادب الرحلات مصدرًا للمعلومات التاريخيه التي تحكي الاحداث التي عاصرها ذلك الرحاله من تتابع السلاطين والحروب الدائره او الاحدث العظيمه التي وقعت في عصره، كما اهتم كثير من الرحاله بوصف المناطق التي زاروها فساهموا بشكل كبير في علم الجغرافيا ورسم الخرائط، كابن خرداذبه والبكري والاصطخري، ولكل واحد من هؤلاء الثلاثه كتاب يحمل اسم “المسالك والممالك” يصف فيها جغرافيا البلدان التي شاهدها والطرق التي مر بها.

ولا يخفي ما للرحله من دور في توسعه افق الانسان ومعارفه، حيث يقول احد الكتاب الفرنسيين في القرن الثامن عشر: ان الرحلات تشكل اكثر المدارس تثقيفًا للانسان.

وتصنف الرحلات بحسب الغرض منها والدافع لها فمنها الرحلات العلميه، وقد صنف فيها العلامه الخطيب البغدادي كتابه “الرحله في طلب الحديث” حيث ذكر فيه اداب وفنون هذا النوع من الرحلات. وعالم النبات لابن البيطار الذي قام برحلاته في اليونان واوروبا والجزيره العربيه متتبعًا انواع النباتات حيث رصدها ودونها في كتبه، اضافه الي العلوم الاخري التي مر ذكرها، والتي كان لادب الرحلات نصيب كبير منها.

رسم يوضح خريطه العالم كما رسمها الرحاله والعالم الاصطخري قبل اكثر من الف عام

ومن انواع الرحلات ايضًا رحلات الحج، وكثير من هؤلاء الرحاله كانوا من اهل الاندلس “المغرب”، يقول الدكتور محمود علي مكي: “ذلك ان الرحلات التي كان يقوم بها اهل المغرب – بمعناه الواسع- وان كانت في المبدا من اجل اداء فريضه الحج فقد كانت في الوقت نفسه تتيح الفرصه لطلبه العلم من اجل التزود بالثقافه الاسلاميه في مختلف امصار المشرق”، حتي ان الدكتور

محمود حسن زيني الف كتابًا اسماه “ادب الرحلة الحجازية عند الاندلسيين من القرن السادس حتي سقوط غرناطه”، ومن اشهر من قاموا بهذه الرحلات ابن بطوطه وابن جبير وابو مروان الحاجي، ويعتبر ابن بطوطه وكتابه “تحفه النظار في غرائب الامصار وعجائب الاسفار” من اشهر كتب ادب الرحلات التي دونت في العالم الاسلامي.

الطرق التي سلكها امير الرحاله ابن بطوطه خلال رحلته التي استمرت 28عامًا

ومن ادب الرحلات، الرحلات السياسيه وهي تلك التي تمت بتكليف من الملك او الخليفه، ومن اشهرها رحله سلام الترجمان الي بلاد القوقاز للبحث عن سد ياجوج وماجوج، وذلك تكليف من الخليفه العباسي الواثق، كما كلف الخليفه المتقتدر ابن فضلان برحله الي ملك الصقالبه بعد ان بعث هذا الاخير رساله الي امير المؤمنين يساله فيها ان يرسل اليه من يفقهه في الدين ويعلمه شرائع الاسلام، وقد دون ابن فضلان تفاصيل رحلته ومشاهداته في كتابه “رحله ابن فضلان”، كما يعد احمد بن المهدي الغزال من اشهر الرحاله السفراء، وهو شاعر واديب، كما كان سفير المغرب في اسبانيا، وله كتاب “الاجتهاد في المهادنه والجهاد” الذي دون فيه رحلته الي الاندلس وما راه من اثارها.

ومن جميل ادب الرحلات ما يعتمد علي الخيال، وهي الرحلات التي يكتبها صاحبها من وحي خياله وان لم يبرح داره، كقصه السندباد البحري، وهو ذلك الفتي البغدادي البحار الرحال الذي تعتبر قصصه من اشهر قصص الشرق واكثرها اثاره، او رسائل الغفران لابي العلاء المعري التي ينتقل فيها في رحله بين الجنه والنار يحاور الشعراء في كل منهما.

وعن دور الرحله واهميتها للانسانيه ككل يقول صلاح الشامي: “صحيح ان كل رحله قد حققت الهدف لحساب الانسان ونبض الحياه المستمر علي الارض، وصحيح ايضًا ان الانسان الذي كرس اجتهاده لانجاز الرحله لم ولن يفرط ابدًا في جني ثمرات الرحله والانتفاع بها، ولكن الصحيح بعد ذلك كله ان الرحله قد رسخت كل العوامل والمفاهيم التي بنيت عليها مساله وحده البشر علي الارض، بل لقد فجرت في الانسان استشعار المصالح المشتركه التي وثقت عري هذه الوحده علي الارض، ومن غير الرحله ينفرط عقد هذه الوحده، وتتضرر حركه الحياه ومصيرها المشترك”.

لم اذكر هنا الا بعض امثله من ادب الرحلات في العصور القديمه في العالم الاسلامي، والا فان ادب الرحلات موجود قائم ما دامت الرحله قائمه، والمكتبه العربيه في العصر الحديث زاخره بكتب ادب الرحلات، كما ان المكتبه العالميه غنيه بهذا النوع من الكتب، والتي تعتبر بالنسبه لنا الاعين التي نعرف من خلالها كيف ينظر العالم الينا.

تمثال ابن بطوطه في متحف تشوانتشو لتاريخ المواصلات البحريه

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل