المحتوى الرئيسى

هبة حداد تكتب: الخلاصة: ديستوفيسكي يكتب على مزاج اللي خلفوه | ساسة بوست

08/25 17:48

منذ 7 ساعات، 25 اغسطس,2015

قبل ديستوفيسكي: كيف باستطاعتنا عن طريق بعض اوراق ان نفهم ما كان يحس به كاتب تلك الكلمات .. من حب ، الم ، فرح ، سعاده ، مرض ، حزن ، امتنان ، سخط ، لا مبالاه ، … الخ ؟

ان جدليه كتلك تجعلنا نعطي للكلمات الصماء روحا .. فنخلّقها امامنا في هيئه الروح ثم الجسد .. ثم الاحساس المنقول عنها والتي تعبر به عن ذاتها تعبيرا قد يصل للحد الجواني الفردي  الذي في معظم حالاته لا يشترط وجوده في كينونه وجود صاحب الكلمات بجوارنا او حتي في زماننا، ان الكلمات .. كالارقام بالظبط .. تستطيع ان تتشكل في متتابعات ، ومتسلسلات ، و جذور تكعيبيه و تربعييه ، وعلاقات تفاضل وتكامل ، و جذور هندسيه شديده التقعر .. وفي كل حاله من تلك الحالات .. ينتقل الاحساس من فخم .. لسلس .. لركيك .. ومن كل احساس ينتقل شعور .. جدي .. هزلي .. لا محدد .. ومن كل شعور تاتينا .. الترادفات الشعوريه بكافه المشاعر التي نحس بها حينما نقرا نصا ما.

ان سلاسه النص ليست في كل الاحوال دلاله علي سطحيته ، وهي النصوص التي اقول انها في شكلها تشبه متسلسله “فيبونانشي” .. وقد تحتوي علي التعقيد ما لا يحتويه نص علي شكل تكامل الداله (e) مثلا .. ما يحكم الجميع هو .. قدره نقل الشعور، شعور الكاتب وهو يخط بيده تلك المنظومات الرياضيه الحبكه .. فكلما كان صادقا .. كلما كان الخلق الذي نسبغه علي الكلمات .. حياً يتنفس.

اذن فعمليه الخلّق تلك مشتركه .. بينك وبين الكاتب .. فهو يبذل ذلك المجهود ، او ربما بعبقريه موهبته لا يبذل اي مجهود ، في كتابه النص .. وانت كقاريء تستقبل الموجه .. موجه الشعور التي اصلا شفرتها منظومتها الرياضيه الموضوعه عند الكتابه .. فاما تستقبل النص بكيفيه الخلّق ذاتها التي قصدها الكاتب .. او .. ببساطه تشوش موجتك .. فساعتها تنقص اركان عمليه الخلق تلك.

وليس لكل النصوص موجات سهله التعارف .. قريبه الالتقاط .. بل نبرر ذلك برغبه التفرد لدي الكاتب .. في ان يظل .. كالجيرمان شيبرد .. سلاله .. اصيله  !

في قراءات ديستوفيسكي .. نجده في بعض الاحيان .. بل في كثيرها ان قصدت الدقه .. يشذ عن السرد العام للروايه .. فيتقمص دور “المُعلم” ، او “المحاضر” .. الذي يشرح لك عباره البطل او البطله .. بشكل فجائي .. بعيدا حتي عن قدرتك كقاريء علي استيعاب ذلك علي شكل استخدامه ضمير “الراوي – Narrator”  هكذا فجاه .. بلّ يبقي الراوي كالشبح المتخفي بين صدور الشخوص وملابسهم .. واذ به يظهر لك فجاه ليقول لك “تعال اشرحلك عدل” .. وهو ما يجعل تلك المدرسه .. من اصعب المدارس صدقا في الكتابه .. تلك لمعضله نقلك نفسيه السرد بشكل عام .. لتلقي الدرس كاي تلميذ شاطر!

في الجزء الاول من “الجريمه والعقاب” مشهدين يدللان علي ذلك:

الاول:  بعدما ارتكب رودينا جريمه القتل المزدوجه وعاد لائذا الي بيته وبات في الحمي لثلاث ليال .. اذ فجاه يتجمع عنده صديقه المزعج و مفتش الشرطه معرفه صديقه و خطيب اخته الذي لا يطيقه و طبيب ما .. هو صديق صديقه المزعج .. والفتاه الخادمه .. في حجره صغيره وجو خانق .. حتي لكانك من وصف ديستوفيسكي للحراره والحمي التي يعانيهما تهرع الي المكيف لتتاكد من درجه حرارته من شده تاثرك .. والجميع في تلك الغرفه الضيقه .. يتحدثون فجاه عن شيء واحد ، وهو اخر امر يريد رودينا سماعه: جريمه القتل … لو ان ديستوفيسكي نفسه .. يريد الايقاع برودينا في شرك الاعتراف نتيجه الضغط لما كتب ذلك المشهد … المشهد يجسد الضغط النفسي بشكل غير مصدق .. مما يجعلنا، نحن القراء، نري رودينا جالسا يسبح في عرقه علي فراشه وحوله الجميع يسال و يتحدث عن الامر باصوات متشابكه، بينما يقبع الراوي: ديستوفيسكي (ونحن نراه من حيث لا يرونه الشخوص) في اخر ظل بالغرفه ينظر الينا ضاحكا مستهزئا .. اليس ذلك مرعب؟!

الثاني:  شرح ردوينا لمقالته التي كتبها لاحدي المجلات القانونيه حينما كان طالبا عن ملابسات هروب مجرم ما بجريمته .. ان رودينا نفسه يعترف ان حتي امكر المجرمين يقع في اقل الامور تفاهه .. ثم ياخذك ، اي الراوي: ديستوفيسكي، في قفزه غير مفهومه البته للقوانين وواضعيها و جدليه ملاءمتها لكل انسان .. ويستمر يسرد ويسرد .. بعيدا تماما عن الشخوص .. وكانهم ، اي الشخوص ، ونحن تلاميذ ديستوفيسكي بالتبعيه (بما اننا رضينا نقرا الهم ده) ننصت كاننا جميعا جلوس في قاعه محاضره امام المُعلم .. فيما هو يكرر مقاراناته بين القوانين وحاجاتها الاجتماعيه وواضعيها .. نابليون ، محمد ، ليكورجوس .. وفجاه .. يعطي الاشاره كجرس الفسحه بالضبط .. انتهي الدرس .. انتم عودوا للتمثيل (للشخوص )، وانتم (لنا نحن ) عودوا للقراءه .. بالله اليس ذلك مرعبا؟

ليس في راسي تعبير يعبر عن ما احسست به الا تعبير داب مترجم الروايه تكراره علي لسان صديق رودينا ، وهو : شيطان ياخذك..

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل