المحتوى الرئيسى

مغاربة وجزائرون يتبادلون التحايا عبر حدود مغلقة بين جارين يجمعهما الكثير

08/24 23:08

نزار الفراوي، المغرب--  انه احد ايام اغسطس، ذروه موسم الاصطياف. تاخذ حركه السيارات من وجده عاصمه الشرق المغربي صوب ساحل السعيديه التي توصف بجوهره المتوسط شكل قوافل متراصه من السياح الذين يطلبون رطوبه البحر نهارا ولذه السمر ليلا.

 فجاه يتغير المشهد علي هذا الوادي الصغير الشحيح المياه. فعلي الضفه الاخري يلوح طريق مواز يعرف هو الاخر حركه ملحوظه، لولا ان العلم الذي يرفرف في اعالي الجبل المتاخم يعزف نشيدا وطنيا اخر. انها الجزائر اذن. كم هما بعيدان قريبان، هذان الجاران اللذان يعاكسان واقع الجغرافيا واملاءات الذاكره. 

يتواصل هذا المشهد لكيلومترات قبل ان تقترب الضفتان جدا عند نقطه باتت اشبه بحائط مبكي، مكانا لتلاوه مرثيه الوصل الذي كان. انها منطقه " بين الجراف"، علي يمين قارعتي الطريق، في جانبي حدود تكاد تفقد كل معني، وفي ذات الوقت تكتسي كل طابعها القهري، يضرب مغاربه وجزائريون موعدا غير معلن.

 مشهد مالوف ان تتوقف العربات امام عيون عناصر الدرك هنا وهناك، يدنو العابرون من حاجز صغير علي الوادي، ينظرون الي الجانب الاخر. تقول الشابه المغربيه التي تقصد الشاطئ ضمن مجموعه من زميلاتها الطالبات: " اتيت من فاس لاول مره متجهه الي السعيديه. لم اكن اعرف ان المشهد بهذا الشكل. هل هذه الامتار هي التي تفصل بيننا. مباشره تصورت جسرا بسيطا مفتوحا في الاتجاهين. يا الهي ماذا فعلت السياسه". طبعا السياسه تفعل اكثر من ذلك!

كل يحفظ نشيده الوطني، وقد يتعصب لانتمائه القطري. دوله ما بعد الاستقلال عمرها تجاوز نصف قرن في البلدين، وفترات القطيعه شكلت القاعده في العلاقات السياسيه بين الاخوه، لكن قليلون يصمدون امام دراميه الموقف. هذه الاسره بكاملها، اب وام وطفلان يلوحون في اتجاه الضفه الاخري، بابتسامه صافيه، ومن هناك تلوح لهم الايادي. اما بعضهم فلا ينجح في كبح دمع يسيل في اثر الحيره والعجز تجاه مكر التاريخ. 

هذا الموقف الانساني الاخوي لا يخلو بين فينه واخري من تصادف مواطنين متعصبين علي هذه الجهه وتلك يرفعون شعارات الدوله الوطنيه التي قد تحجب مبادئ الاخوه التاريخيه، تلك التي تجسدت في زمن غير بعيد حين تقاسم المغاربه والجزائريون رفقه الخبز والسلاح في وجه الاستعمار الفرنسي (امر طبيعي، فاجيال من البلدين نشات في زمن مغاير). وحيث ان المغرب ظفر اولا باستقلاله قبل ان تلحق به الجزائر ست سنوات بعد ذلك، فانه لم يكن غريبا ان تقيم جبهة التحرير الجزائرية مركزها الحيوي في قلب الشرق المغربي، غير بعيد عن مكان الحنين هذا.

ياسين. ب، ابن وهران، عاش هو الاخر هذه اللحظه من الضفه الاخري. الاحاسيس ذاتها يا " ابن عمي"، يقول هذا الشاب الذي شهد الموقف قبل سنوات في طريقه الي مهمه بضاحيه مدينه مغنيه المحاذيه للحدود مع المملكه. يقول : " لم اشعر الا وانا الوح بيدي لجماعه مغاربه كانت علي الجانب الاخر كاني احيي اقارب او اصدقاء"، قبل ان يضيف باشاره لماحه: " بدا لي الطريقان الموازيان اللذان يفصل بينهما الوادي اشبه بقارعتي طريق سيار داخل نفس البلد. الم يكن ممكنا ان يكون الامر كذلك، ان اسبح في بحر السعيديه او اتبضع من اسواق وجده، ويستمتع شباب مغاربه بليالي وهران، مثلا؟". لولا ان الاجابه عن هذا السؤال غير ذات اهميه مادامت القدره علي الفعل لا ترتبط باماني البسطاء.

والحال ان الاغلاق الرسمي للحدود لا يغلقها " تماما". ثمه اواصر سابقه علي خط اتفق علي ترسيمه السياسيون. عبر الوادي، وادي " كيس"، روابط دم وقربي ومصاهره، لا تحصي. ويقول اهالي المنطقه انه لحسن الحظ لا يمكن امنيا التحكم كليا في حركه البشر عبر هذه الشعاب الوعره التي لا يتردد بعضهم في تجشمها لصله الرحم وتجديد عهد المحبه السابقه واللاحقه علي اراده الساسه. والا فان البديل مضن وشاق: بدل امتار او كيلومترات قليله، سيكون عليهم القيام برحلات جويه طويله عبر مطاري العاصمتين تتبعها رحلات بريه اطول. فرغم ان عدم الاطباق الامني علي الحدود يتيح تسلل مافيات تهريب عدد من المواد في الاتجاهين، الا ان بعضهم يقول ان في ذلك " منافع للناس ايضا".

ليس في الافق ما ينبئ بان اماني هؤلاء الناس علي ضفتي الوادي لها حظ التحقق قرببا. لحسابات السياسه والتنافس الاقليمي اليد العليا. ومن حسن الحظ ان نخبا ثقافيه وجمعويه في المغرب والجزائر مازات تحمل هم "الجسر المقطوع".

في الوقت الذي تواصل السياسه اعلاء الحواجز وتكريس حاله الجمود والتنافر بين الجارين، صدح مؤخرا صوت الشعر من مدينه قسنطينه مؤلفا بين قلوب نخبه من شعراء المغرب والجزائر حول كلمه الوحده والتلاقح بين النخب الثقافيه الحامله لامال الشعبين في وصل الماضي بالحاضر لبناء المستقبل المشترك.

ففي ختام فعاليه شعريه استضافت اصواتا مغربيه من اجيال مختلفه، بادر لفيف شعري من البلدين الي اصدار بيان يستدعي الذاكره النضاليه المشتركه التي التام خلالها شعبا المغرب والجزائر لدحر الاستعمار واستعاده الحريه، داعيا الي ارساء خيار التضامن والوحده من اجل مستقبل واعد لشعوب المنطقه قاطبه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل