المحتوى الرئيسى

مُترجَم:السيسي لا يكتفي بخداع المصريين، لكنه يريد إقناع العالم أيضًا بخيالاته - ساسة بوست

08/24 20:28

منذ 11 دقيقه، 24 اغسطس,2015

فوجئ سُكَّان نيويورك برؤيه لوحات اعلانيه تُبشِّر بـ«هديه مصر للعالم»؛ والتي تُعَد جُزءًا من حمله علاقات عامه لالقاء الضوء علي مشروع توسيع قناه السويس الذي انتهي للتو. الغرض الواضح للحمله الاعلانيه هو الادِّعاء بانَّ مصر ستُنعِش الاقتصاد العالمي، علي الرغم من وجود شكوك هامه بين الخبراء عمَّا اذا كان المشروع منطقيًّا من الناحيه الاقتصاديه.

من الواضح انَّ زعيم مصر؛ عبد الفتاح السيسي، لا يريد فقط ان يحيا المصريون حياته الخياليه وفي عالمه الخيالي، بل انَّه اكثر طموحًا، فيريد كذلك ان يشارك العالم باكمله المصريين في ارض الاحلام. يثير امر اللوحات الاعلانيه الاخيره في نيويورك تساؤلات واضحه، واكثرها اتِّصالًا بالواقع هو؛ هل من المنطقي لدوله ناميه تعتمد بكثره علي التبرُّعات الدوليه (واكثرها من المُتبرِّعين الخليجيين)، ومدينه بدينٍ خارجي قدره 40 مليار دولار، ويحيا 25% من سُكَّانها تحت خط الفقر، ان تُقدِّم للعالم «هديهً» (حتي اذا لم تكُن مُجسَّده حقًّا) وقدرها 13 مليار دولار؟

في فيلم The Truman Show الرائع من انتاج عام 1998، لعب جيم كاري دور «ترومان بيربانك» وهو رجل محاصَر في برنامج تليفزيون واقعي مُصمَّم من اجله. كانت لديه وظيفه جيده وحياه سعيده قد يحسده عليها الكثيرون، ولكن عند لحظهٍ مُحدَّده في حياته المُريحه، اصبح مُتشكِّكًا في حياته المصطنعه وبدا يسعي لاكتشاف الحقيقه. حثَّه حماسه للسفر واستكشاف حياه جديده غير المحيطه به علي التغلُّب علي خوفه من المياه وعبور البحر الصناعي بحثًا عن شيءٍ حقيقي.

علي الرغم من انَّ اغلبيه المصريين لا يحيون بالتاكيد الحياه الجيده التي تمتَّع بها جيم كاري في الفيلم، الَّا انَّ هناك تناظرًا بينهما بكل تاكيد، فهم يحيون بسعادهٍ في حياه ترومان! كيف يكون ذلك ممكنًا؟ لقد تشكَّلت شخصيات المصريين المعاصرين وفقًا لتقديرهم الذاتي لانفسهم وخاصهً الكبرياء الذي يستقونه من انجازات مصر القديمة.

يتشارك في هذه السمه الثقافيه المصريون المُتعلِّمون والامِّيون علي حدٍ سواء، في مجتمعٍ معزول اقتصاديًا. يقبل معظمنا العيش في حياه خياليه ويتشوَّق لابهار العالم بانجازات جديده. ان تدعو مصر بـ «ام الدنيا» هو افضل مجامله قد تُقدِّمها لاي مصري، علي الرغم من ادراكنا لانَّ هناك دول اخري تستحق ذلك اللقب. في الحقيقه، نحن نحب تلك المجامله لانَّنا نعرف بوجود تلك الدول الاخري.

بينما قد تكون الحياه اليوميه قاسيه علي العديد من المصريين لاسباب اقتصاديه بحته (وبغيضه لاولئك الذين يمتلكون مالًا ولكنهم لا يُحبِّون فترات حُكم الدكتاتوريه الطويله)، الَّا انَّ حُكَّامنا يستغلُّون حيواتنا الوهميه بقدر الامكان.

يُروِّجون لمشاريع خياليه تستغل كبرياءنا الداخلي ببساطه لاستغلال هذه الحاله. هل ينجح منهج الايهام؟ يعتمد ذلك كما يتَّضح علي ظروفٍ مُحدَّده، مثل التركيب الثقافي ومدي استعداد المواطنين للايمان بالروايات الخياليه. ولكن مشكله حُكَّامنا انَّ الدعايه حتي عندما تنجح، فهي تنجح مؤقَّتًا فقط، فتاثيرها لا يدوم ابدًا بالتاكيد.

سنتغلَّب نحن ايضًا، مثل جيم كاري في عمليه تحرُّر ترومان في فيلم Truman Show، علي خوفنا من المياه عند مرحلهٍ ما، وسنعبُر البحر الصناعي. نتيجهً لذلك يواجه الحُكَّام الذين يريدون استغلال هذه الاداه تحدِّيًا حقيقيًّا؛ فهم بحاجه الي ان يُبقوا مواطنيهم املين، عبر دفعهم باستمرار الي مشروع مُزيَّف تلو الاخر، والَّا سيفشلوا في انعاش احساسهم بالامل.

ولكن ان كانت للحمله الاعلانيه بنيويورك اي دلاله، فهي انَّ السيسي قد صوَّب نحو ما وراء هدفه، عليه ان يُدرِك انَّه قد انطلق في «مهمه مستحيله» مهما برع في جعل بعض المصريين يُصدِّقون «سحره». فمن الواضح انَّه يحاول دفع العالم باكمله الي قصة خيالية، الي المدي الذي يجعله يريد ان يجادل بانَّ المُستثمِرين العالميين يحتاجون الي ان يُفتَنوا وينجذبوا، وانَّ مصر تحتاج الي زياده قابليه رؤيتها في الاسواق العالميه.

لن تنجح جهوده، فالمُستثمِرون الواقعون في نهايه دوره ازدهار الاسواق الناشئه اكثر وعيًا من الاعوام السابقه، التي كان يُمكن فيها جذبهم بالفعل للانخراط علي اساس ادعاءات وامال تجاريه فارغه وغير مُحدَّده.

سيُدرِك المُستثمِرون العالميون قريبًا انَّهم يُخدَعون بالدعايه. لا يحتاج المرء للكثير من البحث لكي يكتشف انَّه قد حدث عددٌ من التوسُّعات في قناه السويس علي مدار العقود الماضيه -ودون اي دعايه في نيويورك او في غيرها-. وكانت حتي اكبر واعرض واعمق من التوسُّع الاخير. بينما لا يستطيع الرئيس الاشاره الي دراسه واحده تُقِرّ بصحه الممر المائي الجديد -اقتصاديًّا- الذي كلَّف المصريين 8,2مليار دولار (بالاضافه الي خمسه مليارات اخري تقريبًا للوفاء بعوائد الشهادات).

علي الرغم من انَّنا نحيا في القرن الحادي والعشرين، الَّا انَّ هناك ما يشبه الفراعنه علي نحوٍ ايجابي، فبينما كان الحاكم المصري مشغولًا بانجازه التاريخي الذي يُغذِّي كبرياءه بالاساس، كان ملايين المصريين يعانون يوميًّا من ازمات انسانيه متنوعه. تنتُج هذه الازمات عن غياب المسكن والوظائف والمياه النظيفه والتامين الصحي والكثير من الاحتياجات الاساسيه الاخري.

وممَّا يضع ملحًا علي الجرح غرق 42 مصريًا في اثناء محاولتهم عبور نهر النيل علي متن احدي عبَّاراتنا العتيقه الخاضعه لادارهٍ سيئه قبل اسبوعين من حفل افتتاح قناة السويس (الذي تُقدَّر تكلفته بما يصل الي 30 مليون دولار اخري).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل