المحتوى الرئيسى

الأب.. رمز التضحية في الأدب

08/24 15:46

لا جدال في ان المراه/الام هي الرمز الخالد والاكثر شهره في الحنان والعطف علي الابناء، والتضحيه من اجل توفير ما يشتهون، ورفض التخلي عنهم ولو كان ثمن ذلك التضحيه براحتها وسعادتها.

وفي التراث الانساني الادبي والفني بكل اللغات الكثير من تلك النماذج عن الأم الحنون التي ضحت بكل شيء من اجل الابناء، خلدها الادباء والفنانون في اعمال راقيه من باب الوفاء لتلك الانسانه العظيمه في حياه كل انسان.

لكن ماذا عن الاب او الجزء الاخر من منظومه الاسره؟ الا يستحق هو الاخر -مثل الام- شيئا من هذا التكريم والاجلال، وهو الذي يفني عمره ويستنزف قوته وصحته ليوفر للابناء حاجتهم بما هو ضروري للحياه؟

هل الوجه الصارم للاب والانشغال الدائم في الخارج يعني انه لا يحمل بين جنبيه قلبا محبا وعطوفا يتالم لالام الابناء، ويشتاق لهم عندما يغيبون، ولا يرضي بهم بديلا، ويضحي بكل شيء من اجل سعادتهم والبقاء بجانبهم؟

ليست قليله الاعمال الادبيه والفنيه الخالده التي تناولت علاقه الاباء بالابناء، لكنها غالبا ما ارتبطت بحوادث بعضها سعيد كالولاده، وبعضها حزين كالوفاه، ومن النادر ان نجد اعمالا تجسد صوره الاب المحب المتعلق بهم، الحنون، الرحيم بالابناء الحريص علي راحتهم ومستقبلهم ولو قدم روحه في سبيل ذلك.

لكن بقليل من التدقيق في تاريخ الابداع الانساني، نجد ان هناك عددا من الاعمال الادبيه والفنيه الخالده تبوات مكانه ساميه بسبب تجسيدها للحنان الابوي، وتضحيات الاباء وتعلقهم بالابناء كالامهات تماما، فهم لا يقلون عنهنّ حبا للابناء، وحنانا وتضحيه، كما هو مشهور في اعمال ادبيه: كروايه "البؤساء" لفيكتور هوغو، وفيلم "الطفل" لشارلي شابلن، وقصيده "اب" للشاعر السوري عمر بهاء الدين الاميري، وفيلم "كرامر ضد كرامر" لداستين هوفمان.. وفي كل هذه الاعمال الرائعه كان الاب هو بطل الحب والحنان والتضحيه من اجل الابناء.

زمنيا، روايه "البؤساء" هي الاقدم، وهي حكايه طويله جدا عن البؤس الفظيع في فرنسا في القرن الثامن عشر وما قبله.

 لكن بطل الروايه "جان فالجان" جسد ايضا صوره الاب المحب الذي يضحي بكل شيء من اجل راحه ابنته وسعادتها، رغم ان "كوزيت" ليست ابنته في الحقيقه، فقد تبناها ورعاها تكفيرا عن اساءه اداره مصنعه لامها مما تسبب في موتها!

وفي الجزء الاكبر للروايه عمل الاب كل ما يستطيع لحمايه الابنه واسعادها، حتي انه زج بنفسه في اتون ثوره شعبيه لانقاذ حبيبها من الموت.

وفي فيلم "الطفل" (1921)، قدم شارلي شابلن روايه انسانيه في غايه الجمال عن رجل رقيق الحال تبني رضيعا عثر عليه مرميا في الشارع فكان له الام والاب معا، يطعمه ويلاعبه ويغسل ثيابه المتسخه، ويمنحه من الحب والحنان ما يحتاجه كل طفل.

وعندما ارادت الشؤون الاجتماعيه انتزاع الطفل منه لتوفير رعايه مناسبه له رفض "الاب" الفقير ان يتخلي عن ولده، وقاوم بشراسه من جاؤوا ينتزعون منه طفله حتي افشل محاوله حرمانه من فلذه كبده وقره عينه.

وبعد اكثر من نصف قرن في عإم 1979، قدمت السينما الاميركيه فيلمها "كرامر ضد كرامر" للممثل المتميز داستين هوفمان، وهو قصه رجل شغلته رغبه النجاح في عمله عن اسرته حتي ضاقت زوجته فهجرت البيت وتركته مع ابنهما الصغير.

ومع ان الاب لم يكن يعرف شيئا عن تربيه الاطفال الا انه سرعان ما تحول الي اب وام في وقت واحد.

وعندما ارادت الام الهاربه ان تضم الي حضانتها طفلها رفض "الاب" مسعاها، ليس عنادا ولكن حبا في طفله الذي تعلق به وصار بالنسبه اليه كل شيء في الحياه، وخاض الاب معركه قضائيه عنيفه ضد زوجته ليثبت احقيته في حضانه الطفل ورعايته، وانه لا يقل عن الام حبا له وتعلقا به.

في الأدب العربي المعاصر، خصص الشاعر السوري عمر بهاء الدين الاميري ديوانا وضع فيه قصائده التي صور فيه عاطفته تجاه اولاده وحبه لهم، وفي هذا الديوان النادر كانت قصيده "اب" واسطه العقد الجميل، وهي قصيده في غايه العظمه الانسانيه.

وفي امسيه شعريه في صنعاء، سمعنا الاميري ينقل راي عباس العقاد فيها "لو كان للادب العالمي ديوان من جزء واحد لكانت هذه القصيده في طليعته".

زمن القصيده يعود الي 1957 حينما كان الاميري يعمل في لبنان، وفي الصيف حل اولاده عنده قادمين من حلب، ولما اقترب موعد الدراسه عادوا وتركوا اباهم الوله بهم وحيدا غارقا في ذكرياتهم العذبه، فكانت قصيده "اب" النادره في تصوير مشاعر الرجل/الاب الفياضه تجاه ابنائه.

وبعد رحيلهم فاضت مشاعر الشوق العاجل فعاش مع الذكريات:

بالامس كانوا ملء منزلنا    واليوم، ويح اليوم قد ذهبوا

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل