المحتوى الرئيسى

زكريا محمد علي يكتب: رمضان قديروف .. الطاغية الناسك | ساسة بوست

08/23 16:16

منذ 5 دقائق، 23 اغسطس,2015

انطلقت مسيره شعبيه عارمه من الجامع الكبير بغروزني احتجاجا علي الرسوم الكاريكاتورية المسيئه للرسول عليه الصلاه والسلام التي نشرتها صحيفه شارلي ايبدو في يناير الماضي، الاف من الغاضبين يتقدمهم الرئيس الشيشاني رمضان قديروف – بسحنته الخاشعه حاملا مسبحته – والذي لم يتردد في وصف الملياردير الروسي السابق ميخائيل خودوركوفسكي بـ”عدوه الشخصي” لتحريضه علي اعاده نشر تلك الرسوم المسيئه في جرائد اوروبا.

هذا الرئيس الذي بكي متاثرا امام كاميرات التلفاز وهو يقبل شعره ينسبها للرسول صلي الله عليه وسلم وجاب شوارع غروزني بفرح وهو يمسك بيده كوبا يزعم ان الرسول الكريم كان يستعمله للشرب، هو نفس الرجل الذي تتهمه مؤسسات حقوق الانسان الدوليه بقائمه من الاتهامات الخطره: القمع السياسي، ممارسه التعذيب، القتل خارج اطار القضاء، الخطف والاخفاء القسري، الاعتقالات التعسفيه…. الخ، حيث تحولت الشيشان في عهده – بعد حربين مدمرتين – الي جمهوريه بائسه يشيع فيها الخوف والكراهيه والفساد.

ولد رمضان قديروف في تسينتوري في اكتوبر عام 1976 وكان والده الشيخ احمد قديروف معروفا بنضاله ضد الروس، ويزعم رمضان انه قاتل مع والده ضد القوات الروسيه خلال حرب الشيشان الاولي (1994م – 1996م) واسس ميليشيا مسلحه يطلق عليها قاديروفتسي Kadyrovtsy ، ولكنه انضم الي الجانب الروسي مع ميليشياته في حرب الشيشان الثانيه عام 1999، وبعد اغتيال والده في مايو عام 2004م تم تعيينه نائبا لرئيس الوزراء في جمهوريه الشيشان.

خلال حفل افتتاح الجامع الكبير في قلب مدينه غروزني في اغسطس 2005م، صرح رمضان في خطابه بانه سيجعل الشيشان في بضع سنوات “اكثر مكان جميل وغني وامن في العالم”، وان الحرب قد انتهت وبفضل والده تقلص عدد الانفصاليين حتي اصبحوا مجرد “قطاع طرق” لا يتجاوز تعدادهم 150 شخصا (الاحصاءات الرسميه تقدر عددهم بنحو الفي متمرد)، وعندما ساله احد الصحفيين ان كان سيطارد قتله والده اجاب بقوله:

“لقد قتلتهم جميعا، وسوف اطارد كل من كان يقف وراءهم حتي اقتلهم، وبوتين رجل عظيم زار قبر والدي بنفسه، بوتين يهتم بالشيشان اكثر من اهتمامه باي جمهوريه اخري من جمهوريات روسيا الاتحاديه، بوتين يستحق ان يبقي رئيسا مدي الحياه، نحن بحاجه لقياده قويه، والديمقراطيه هي مجرد تلفيق امريكي وروسيا لن تخضع لقوانينهم”

تم تعيين رمضان قديروف رئيسا للوزراء خلفا لسيرجي ابراموف في مارس 2006م، وعقب تعيينه مباشره اصدر رمضان قديروف مرسوما وزاريا يقضي باجبار النساء علي ارتداء غطاء الراس، وطالب بسحب القوات الفيدراليه باستثناء حرس الحدود من الشيشان كما رفض السياسات الفيدراليه المتعلقه بالميزانيه وطلب من موسكو مزيدا من الاموال.

يؤكد نشطاء حقوق الانسان في الشيشان ان انتهاك حقوق المواطنين علي صعيد العداله والحريات في تعاظم منذ مجيء رمضان قديروف الي السلطه، ويستخدم الرئيس عناصر ميليشيا قاديروفتسي – التي تم دمجها كقوه خاصه تابعه لوزاره الداخليه – لارهاب معارضيه وتعزيز دعائم حكمه، حيث تشارك تلك العناصر في عمليات الخطف والاخفاء القسري والتعذيب الممنهج، حتي اصبح اسم “قاديروفتسي” اكثر شيء يخشاه المواطنون الشيشانيون.

يتهم الناشطون الحقوقيون عناصر قديروف (ينفي رمضان قديروف وجود هذه العناصر في اجهزته الامنيه) بانهم يعملون كـ”فرقه موت” ضد كل من يُـكنَ العداء للرئيس، ويشاع ان الرئيس يملك سجنا سريا في مسقط راسه في تسينتوري – جنوب شرق العاصمه غروزني –  وحسب المصادر تعتبر الحقول المحيطه بتلك المنطقه ملغومه وتنتشر نقاط تفتيش امنيه في جميع الطرق المؤديه اليها.

وعموما يوجد في الشيشان عدد كبير من المعتقلات غير القانونيه ومراكز الاعتقال التعسفي التي تدار من قبل عناصر قديروف ، وتم تسريب مجموعه من الفيديوهات من تلك الاماكن – بشكل متعمد لارهاب المواطنين – تظهر شيشانيين عاديين يتم ضربهم وتعذيبهم واهانتهم بشكل مؤسف.

يذكر احد محققي مجموعه ميموريال (احدي منظمات حقوق الانسان في روسيا) انه في ضوء الادله التي تم جمعها والحالات التي تم توثيقها “فلا مجال للشك ان جرائم التعذيب والاغتصاب والخطف وغيرها من الممارسات غير القانونيه تمارس من قبل عناصر قديروف تحت اشراف مباشر من الرئيس رمضان قديروف ” والاسوا من ذلك هو مطارده اشخاص ابرياء من قبل هذه العناصر لان اسماءهم نطق بها معتقلون ماتوا تحت وطاه التعذيب، مما دفع الهيئه الالمانيه لمجموعات حقوق الانسان العامله تحت ما يسمي Society for Threatened Peoples  الي اعتبار الرئيس الشيشاني رمضان قديروف “مجرم حرب”.

في حديث لاذاعه بي بي سي لندن بتاريخ 5 مارس 2015م ذكر كروين مور؛ الخبير في شئون شمال القوقاز بجامعه بـرمنغهام بالمملكه المتحده؛ ان علاقه الرئيس قديروف باجهزه الامن الفيدراليه الروسيه تعود الي عام 2000م عندما تسلم فلاديمير بوتين مقاليد الحكم في روسيا الاتحاديه، هذه العلاقه المميزه مكنت الرئيس الشيشاني من فعل ما يريد دون خوف من ملاحقه المؤسسات القانونيه في روسيا.

وهذا ما جعل سجل الرجل طافحا بعدد كبير من عمليات “التصفيه الجسديه” التي استهدفت معارضي سياساته القمعيه سواء كانوا صحفيين او حقوقيين او تكنوقراط او مناضلين سلميين، ويذكر موقع Caucasian Knot (مشروع اعلامي مرتبط بمجموعه ميموريال) ان هناك لائحه “قتل مستهدف” تضم اسماء اكثر من ثلاثمائه مواطن شيشاني يلاحقهم الرئيس رمضان قديروف داخل الشيشان وخارجها، نذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر:

صحفيه استقصائيه اشتهرت بمعارضتها لحرب الشيشان الثانيه ومقالاتها عن الاوضاع في الشيشان وانتقاداتها لسياسات الرئيس الشيشاني؛ حصلت انا علي جوائز عالميه نظرا لجهودها الهائله في الكتابه والدفاع عن حقوق الانسان وتحقيقاتها المتميزه التي كانت تنشرها صحيفه “نوفايا غازيتا” ذائعه الصيت في روسيا، وجدت انا مقتوله في المصعد المؤدي الي شقتها في موسكو عام 2006م بعد ان اطلق مجهولون النار عليها، وحتي يوليو 2014م تم القبض علي اربعه اشخاص وايداعهم السجن لاشتباههم في مقتلها، ولكن لم تنجح التحقيقات في الكشف عمن اصدر اوامر القتل.

ناشطه حقوقيه وعضو مجلس اداره مجموعه ميموريال الروسيه لحقوق الانسان؛ كانت بصدد تقديم تقارير في غايه الحساسيه عن الانتهاكات التي تمارسها حكومه الرئيس رمضان قديروفتسي عندما تم اختطافها فجاه بتاريخ 15 يوليو 2009م من امام منزلها في غروزني في الصباح الباكر، وراي شهود عيان ناتاليا وهي تصرخ مستغيثه واشخاص مجهولون يدفعونها قسرا الي سيارتهم، وعثر علي جثتها بعد ساعات ملقاه علي جانب طريق كافكاز الرئيس خارج العاصمه علي مقربه من قريه غازي- يورت وقد اخترقت الرصاصات صدرها وراسها، ولم تنجح التحقيقات – بشكل قاطع – في معرفه الجاني الذي دبر عمليه اغتيالها.

الحارس الشخصي السابق لرمضان قديروف ؛ كان عضوا في ميليشيا ” قديروف ” وهاله ما راي من عنف وقتل وتعذيب تمارسه تجاه الابرياء، فقام بتوثيق شهادته في ملف يشتمل علي دعوي قضائيه ضد كل من الحكومتين الشيشانيه والروسيه وقدمه الي المحكمه الاوروبيه لحقوق الانسان سنه 2006م، لكن المحكمه قضت برد الدعوي لنقص المعلومات، وطلبت من اسرايلوف تزويدها بتلك المعلومات لكنه تواري عن الانظار، في 13 يناير 2009م تم اختطاف وقتل اسرايلوف من قبل عصابه اجراميه منظمه في فيينا، وتعتقد الشرطه النمساويه ان مقتل اسرايلوف تم بناء علي طلب الرئيس الشيشاني رمضان قديروف .

سليم ياماداييف ورسلان ياماداييف ودزبريل ياماداييف؛ ثلاثه اشقاء قاتلوا الي جانب القوات الروسيه في حرب الشيشان الثانيه، عمل الاشقاء الثلاثه كضباط في وحده “الفوستوك” التابعه للاستخبارات العسكريه الروسيه واصبحوا من اشد المناصرين للقائد الشيشاني السابق احمد قديروف ، لم يدم شهر العسل طويلا بين ال قديروف وال ياماداييف اذ سرعان ما تم استهدافهم!

اغتيل دزبريل عام 2003م في انفجار قنبله تم زرعها تحت اريكته في منزله بمقاطعه فيدينو الشيشانيه، وقتل رسلان في شارع وسط موسكو اثناء عودته من اجتماع حضره في مبني الكرملين عام 2008م حيث اخترقت عشر رصاصات جسده، بينما تعرض سليم لتسع عشره محاوله اغتيال انتهت اخرها بمقتله برصاصه اصابته في رقبته في مراب للسيارات تحت الارض اثناء اقامته في دبي عام 2009م اطلقها عليه مواطن روسي تبين فيما بعد انه تلقي اوامره من ادم دليمخانوف، المستشار الخاص والنائب الاول لرئيس الوزراء الشيشاني رمضان قديروف .

لقد تحولت الشيشان الي مستنقع كبير للفساد داخل اتحاد الجمهوريات الروسيه، فاموال الاستثمارات التي يتم ضخها في الاقليم تقدر بملايين الدولارات، لكنها تنتهي في جيوب غير معلومه لغياب الشفافيه وتفشي المحسوبيه والقمع الحكومي، لا يستطيع المواطن العادي الحصول علي اي مستند رسمي (جواز سفر، بطاقه وطنيه، شهاده صحيه… الخ) في جمهوريه الشيشان دون تقديم رشاوي، جميع الدرجات الاكاديميه في مختلف التخصصات متاحه للبيع، فنظام قديروف المشبع بمختلف انواع الفساد، ساهم في تقويض اسس المجتمع، وخلق بيئه انسانيه مازومه لا تتوفر فيها ابسط متطلبات العيش الكريم سوي لطغمه من اصحاب النفوذ والمرتبطين بشبكاتهم ومشاريعهم.

انتجت مؤسسه روسيا المفتوحه Open Russia Foundation عام 2015م فيلما وثائقيا بعنوان The Family يتهم فيه الرئيس الشيشاني رمضان قديروف انه فرض ضريبه غير رسميه علي المواطنين الشيشانيين لتمويل الصندوق الاقليمي العام. فحسب الفيلم الوثائقي؛ يتم اقتطاع نسبه “متغيره” من دخل المواطنين حسب وظائفهم او مهنهم، فرجل الاعمال يجب عليه التبرع بما يقارب نصف دخله السنوي بينما لا يتوقع من موظف القطاع الحكومي سوي 10% من دخله الشهري، ويقدر دخل الصندوق – الذي لا تخضع ايراداته لانظمه الضرائب ولا لاحكام القانون – بما يقرب من اربعه مليارات روبل (71 مليون دولار) شهريا.

يذكر الموقع الرسمي للصندوق ان الغرض من انشائه هو تمويل المبادرات الاجتماعيه مثل بناء المستشفيات وتعبيد الطرق وانشاء الجسور وتشييد المنازل وان مشاريعه ساعدت الالاف من المواطنين الشيشانيين، لكن مؤسسه روسيا المفتوحه تؤكد ان الصندوق يستخدم لتمويل انشطه قديروف الشخصيه، منها علي سبيل المثال:

دفع 2 مليون يورو للملاكم الشهير مايك تايسون فالرئيس نفسه من عشاق رياضه الملاكمه (حيث يمارسها ضد من لا يعجبه اداؤه من وزرائه)، ودفع مبلغ مليون يورو للفنانه الامريكيه هيلاري سوانك لاصرارها علي حضور حفله عيد ميلاد الرئيس مستقله طائره خاصه، وشراء 16 دراجه ناريه لاعضاء “نادي الدراجات الناريه القوميه” The Night Wolves، بالاضافه الي دفع مبلغ 350 الف يورو لمصمم الموضه سيرجي زيفريف لاقامه حفل لعرض ازياء، ودفع مليون يورو للاعب الشهير دييغو مارادونا لموافقته علي لعب كره القدم مع الرئيس … الخ والقائمه تطول.

اضغط علي هذا الرابط لمشاهده الفيلم الوثائقي الروسي مترجما الي الانجليزيه:

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل