المحتوى الرئيسى

فورين بوليسي: العالم قد يعترف بـ”دولة داعش” بعد سنوات

08/23 09:28

فورين بوليسي: امريكا تتفاوض الان مع طالبان .. فلماذا لا يتكرر الامر مع داعش؟

فورين بوليسي – روزا برووكس

ترجمه: محمد الصباغ – دعاء جمال

قتلت ما تسمي بالدولة الإسلامية الالاف في العراق وسوريا، واماكن اخري. فيما تواصل وسائل الاعلام العالميه حول العالم شجب الاساليب الوحشيه التي ينتهجها التنظيم مثل قطع الرؤوس امام العامه، و الذبح الجماعي للمساجين العزل والاستعباد الجنسي للفتيات والنساء.

لو نظرنا الي التاريخ الغربي كدليل يرشدنا عما سيحدث فيما بعد، فان الدوله الاسلاميه في طريقها الشرعيه الدوليه.

يؤكد التاريخ علي ان ارتكاب الفظائع الجماعيه لا يمنع من النجاح في المستقبل. فمع فتره الارهاب التي اعقبت الثوره الفرنسيه، ذبحت الحكومه الفرنسيه الثوريه حوالي 30 الف او 40 الف شخص امام العامه، وكل ذلك باسم الحريه والمساواه والاخوه. وفي بدايه عام 1790، اطلق الرصاص علي 150 مواطنا فرنسيا اخر علي الاقل واحرقوا حتي الموت، وقطعوا الي اجزاء او اغرقوا عمداً في منطقه فينديه الفرنسيه. ويقال ان الجنرال الفرنسي فرانسوا جوزيف ويسترمان بعد حمله وحشيه قادها قال: ”لقد سحقت الاطفال تحت اقدام الخيول“، واضاف: ”لقد ذبحت النساء، وعلي الاقل، لن يولد المزيد من قطاع الطرق… لقد ابدتهم جميعاً. وزرعت الطرق بالجثث“. حسناً هذا امر سييء لكن ويسترمان اكمل: ”الرحمه؟ هذا الشعور ليس ثورياً“.

هذا الحديث ليس ممتعا الان لكنه كان كذلك في الماضي. واليوم، اصبحت فرنسا قوه اوروبيه بارزه وحليفا رئيسيا للولايات المتحده.

وعندما ننظر الي تركيا، نجد انه بين اعوام 1915 و1918، قامت السلطات العثمانيه بقتل اكثر من مليون من الارمن فيما يعتبره تقريباً الجميع عدا الحكومه التركيه عمليه إباده جماعيه. لكن مرت مئات السنين والان تركيا حليف ضروري للناتو.

كل ذلك كان تاريخاً قديماً؟ لنتقدم الي فتره الاربعينيات. وصل عدد ضحايا الهلوكوست الي 11 مليون مدني، اغلبهم من اليهود. لكن الان، المانيا هي اهم صديق لنا في اوروبا. لا تقلقي ميركل فقد تسامحنا في كل ذلك.

كان تكوين الدول، وتوطيد السلطه بشكل عام، عمل دائماً يبني علي الدماء. ويعرف ذلك جيداً كل من المؤرخين والعلماء السياسيين وايضاً علماء الاجتماع والانثروبولوجيا.، لكن بقيتنا يميل الي تجاهل ذلك او فقط يقوم باخراج ذلك من كتب التاريخ.

اختر دوله ناجحه ومستنيره ومتقدمه، وابدا في رحله تنقيب في تاريخها: لن تستمر طويلاً حتي تصطدم بالجثث.

خلال حرب الثلاثين عاماً، التي شهدتها مساحات كبيره في اوروبا وقتل خلالها حوالي ثلث عدد السكان في العديد من المناطق، عاده ما نظر اليها المؤرخون علي انها ادت الي قيام الدوله الاوروبيه الحديثه. وخلال اربعه قرون بعد تلك الحرب، قتل في اوروبا ملايين اخرين. ويقول اوتو فون بيسمارك، مهندس الوحده الالمانيه في ملاحظه له عام 1862: ”لا يقرر مصير القضايا الكبري بالخطب او حلول الاغلببيه.. لكن بالحديد والدم“.

تعلمت الولايات المتحده من خطاب بسمارك، وقاتل مئات الالاف من الامريكيين بين عامي 1861 و 1865 من اجل ”الحق“ في استعباد 4 ملايين امريكي اخرين، ومات مئات الالاف قبل ان تحل القضيه، وصارت حكومه الولايات المتحده المركزيه اقوي من اي وقت مضي.

ذلك ما يتعلق فقط بالغرب ومجرد لقطات صغيره لبضع مئات من السنوات. وفي بقيه انحاء العالم، كان هناك الكثير من نفس التصرفات. الذبح؟ حدث والتعذيب قد وقع. ذبح المدنيين العزل؟ حدث وحدث وحدث.

لا يعد ما سبق تبريراً لاعمال الدوله الاسلاميه الوحشيه حالياً او يجعل ما تمارسه اقل رعباً، وتحديداً في هذا العصر من معرفه العالم بحقوق الانسان الاساسيه. لكن لو تجاهلنا الاستمراريه التاريخيه لسلوك تنظيم الدوله الاسلاميه حالياً وسلوك عشرات الدول الاخري في الماضي التي ننظر اليهم الان كامثله علي المثاليه، سنخاطر بعدم فهم عقليه العنف التي تنتهجها الجماعه، ونخاطر ايضاً باحتماليه فشل جهود الولايات المتحده الحاليه لانهاء خطر هذا الارهاب.

عند الفشل في رؤيه افعال الدوله الاسلاميه في سياقها التاريخي، سيسمح لنا ذلك بالحفاظ علي شعورنا بالراحه المستند الي وهم كاذب بان الدوله الاسلاميه مجرد ”جنون“، او كما قال الرئيس اوباما عام 2014، ان التنظيم ”ليس له اي رؤيه سوي.. الذبح“، وفي عام 2015 قال: ”لا يمكن لاحد التغلب عليهم بالافكار او الايدولوجيات لانهم لا يعبرون عن شيء“.

لا تخطئ بتصديق ذلك. فقائد تنظيم الدوله الاسلاميه ابو بكر البغدادي قد يكون مسؤولاً عن الالاف من جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانيه، لكنه ليس احمقا كما كتبت جيسيكا ستيرن وجيه ام برجر في كتابهما عن الدوله الاسلاميه، فتاثر تفكيره كثيراً باعمال ابو بكر الناجي الذي تحدث كتابه القصير (اداره الهمجيه – The Management of Savagery) بان استخدام الوحشيه وترويجها اعلاميا بشكل جيد يزرع الخوف والاحترام في قلوب كل من الاعداء والمؤيدين للاسلام الراديكالي. بالفعل الدوله الاسلاميه تنظيم وحشي، لكن بالتاكيد لديه رؤيه ابعد من الذبح. وهي رؤيه بغض النظر عن حديث اوباما، اظهرت بشكل واضح قوتها علي جذب الاف من المجندين الشباب من حول العالم.

من الحكمه ان نفترض ان قياده تنظيم الدوله الاسلاميه تتفهم دروس التاريخ التي لا ترحم. فالزمن يقلل من تاثير اكثر الجرائم وحشيه: مع مرور بعض العقود، يمكن للمجتمع الدولي ان يغفر كل تلك الاعمال الوحشيه، كما يحدث مع تركيا، التي لم تقدم حتي اي اعتلا يجب حتي ان تعتذر.

معروف عن الولايات المتحده ذاكرتها قصيره وعدم قدرتها علي الرؤيه طويله الامد: نحن امه تركز علي الحاضر وغير قادرين علي وضع استراتيجيه تستمر لاكثر من عده سنوات. لكنني لن اراهن بان الدوله الاسلاميه تفكر بنفس الطريقه. فقاده التنظيم يدركون جيداً ان درجه وحشيتهم اسفرت عن عداء من المجتمع الدولي، لكنهم ربما يقامرون بانهم لو احكموا سيطرتهم علي ما يكفي من حقول النفط والموانئ ومصادر الثروه الاخري، مع تقليل حجم الاعمال الوحشيه، فهنا سينتظرون العفو من المجتمع الدولي.

لو كان هذا ما يفكر فيه تنظيم الدوله الاسلاميه (واعترف انها افتراض مشكوك فيه جداً)، فقد يكون المجتمع الدولي حينها قادرا علي تحفيز التنظيم بوقف اشكال العنف بشكل اسرع عبر طريقه بسيطه وهي تركهم وشانهم.

الي الان، يبدو ان الحمله التي تقودها الولايات المتحده ضد تنظيم الدوله الاسلاميه قد حققت القليل من النتائج الايجابيه: ورغم ان المسؤولين الامريكيين يقولون ان الحمله اسفرت عن مقتل اكثر من 10 الاف مقاتل من التنظيم، الا ان مصادر استخباراتيه اكدت ان تنظيم الدوله الاسلاميه لم تضعف قوته. يبدو اننا علي اقصي تقدير نحاول مد امد الوضع الراهن، لان الضربات الجويه التي تقودها الولايات المتحده ضد الدوله الاسلاميه ليست كافيه لهزيمه او تدمير الجماعة الجهاديه، لكن بالتاكيد كافيه لزياده عداء التنظيم نحو الغرب. (في الواقع هناك بعض الاسباب لنصدق بان الحمله العسكريه زادت من نطاق التنظيم دولياً، وعززت من جهوده في التجنيد).

لكن يامل ايضا قاده تنظيم الدوله في تكوين دوله حقيقيه، معترف بها من القوي العالميه – ولو علي مضض- فهنا يجب ان نفعل الافضل من اجل التحول الي استراتيجيه الاحتواء بدلاً من الاستمرار في المحاولات غير الفعاله لتفتيت وتدمير التنظيم.

نعم هذا تفكير محبط، لكن لو توقفنا عن قصف الدوله الاسلاميه، ربما تقوم بترويض نفسها اسرع مما نحاول نحن ان نروضها. او ربما سيجد قاده تنظيم الدوله مثل الانظمه الوحشيه السابقه، ان ارتكاب الفظائع والاعمال الوحشيه ستولد عدم استقرار داخلي وتمرد.

بالطبع، ربما لا يمتلك البغدادي ودائرته الداخليه اي نيه لتقليل حجم العنف. ربما ينتوون الاستمرار في معدلاتهم من الوحشيه، وربما لا يمتلكون اي نيه في ممارسه سيطره دائمه علي اي مناطق.

لماذا قد يفعلون ذلك؟ في اغلب فترات التاريخ، كان الولاء للدين او الدم احد اكثر مباديء التنيظم السياسي اكثر من السيطره علي مناطق ثابته (مثل الامبراطوريه العثمانيه والرومانيه المقدسه).  قد لا يهتم قاده الدوله الاسلاميه اذا ما تم طردهم من العراق او سوريا، طالما يكسبون مناطق اخري ومصادر جديده للثروه والسلطه، حتي لو تغيرت تلك المناطق وكانت غير متجاوره.

مع الاحداث الحاليه يبدو ان الدوله الاسلاميه لن تحتاج الي وقف اعمالها الوحشيه من اجل الاستمرار وكسب الشرعيه.

اذا نظرنا الي طالبان التي سيطرت علي افغانستان من 1996 الي 2001، وتم عزلها دبلوماسياً واقتصادياً، ثم استهدفها الجيش الامريكي منذ 2001. دان المسؤولون الامريكيون طويلاً وحشيه طالبان بنفس المصطلحات التي يستخدمونها حالياً مع تنظيم الدوله الاسلاميه، لكن واشنطن الان تعرض علي الاقل دعماً ضمنياً في المفاوضات مع قاده طالبان. وتشير التكهنات المستمره الي ان المسؤولين الامريكيين يشاركون بشكل مباشر في تلك المفاوضات.

من هذا، يمكن لقاده الدوله الاسلاميه الوصول لهذا الاستنتاج الواضح: ما قاله الجميع من ماو الي كيسينجر عن المتمردين بانهم لا يحتاجون ان “يفوزوا” او حتي ينجحوا؛ يحتاجوا فقط الا يخسروا. وان يبقوا في الارجاء وقتاً كاف، مثل طالبان، ولا يهم كثيراً مدي وحشيتك؛ في النهايه سيتعب معارضوك من القتال، واما سيستسلموا ويرحلوا او يستسلموا ويتفاوضوا. واذا اختاروا المفاوضات، سيشبعون حاجتهم الخاصه ليحفظوا مظهرهم بادعاء نسيان كل تلك الاعمال الوحشيه، او بادعاء تركيزهم فقط علي المفاوضات مع “معتدلين” او “متصالحين”. (علي قدر علمي، فان مصطلح قائد “متصالح” لطالبان  هو “القائد الذي نشعر بالحاجه للتفاوض معه”).

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل