المحتوى الرئيسى

فورين بوليسي: فلننس أمر سايكس بيكو، معاهدة سيفر تفسر وضع الشرق الأوسط الحديث

08/22 17:16

في مثل هذا اليوم (10 اغسطس) منذ 95 عاما، قسمت اوروبا الإمبراطورية العثمانية. وبالكاد استمرت تلك المعاهده لمده عام، ولكننا نشعر بهزاتها الارتداديه اليوم.

في مثل هذا اليوم منذ 95 عاما، اجتمع دبلوماسيون اوروبيون في مصنع للخزف في ضاحيه سيفر الباريسيه ووقعوا معاهده لصياغه شكل جديد للشرق الاوسط علي انقاض الامبراطوريه العثمانيه. انهارت الخطه سريعا جدا لدرجه اننا بالكاد نتذكرها، ولكن معاهدة سيفر قصيره العمر كانت لها عواقب لا تزال يمكن رؤيتها اليوم، بشكل لا يقل عن إتفاقية سايكس بيكو التي نوقشت بشكل لا نهائي. قد نبلي حسنا عند دراسه القليل من تلك العواقب مع مرور الذكري السنويه لتلك الاتفاقيه المنسيه بهدوء.

في عام 1915، مع استعداد القوات البريطانيه للتقدم نحو اسطنبول عن طريق شبه جزيره جاليبولي، طبعت الحكومه في لندن مناديل حريريه تبشيرا بنهايه الامبراطوريه العثمانيه. كان ذلك سابقا قليلا لاوانه (حيث تبين ان معركه جاليبولي كانت واحده من المعارك القليله التي انتصر فيها العثمانيون في الحرب العالميه الاولي) ولكن بحلول عام 1920، بدت الثقه البريطانيه مبرره، فمع احتلال القوات المتحالفه للعاصمه العثمانيه، وقع ممثلون عن القوي المنتصره في الحرب معاهده مع الحكومة العثمانيه المنهزمه، نتج عنها تقسيم اراضي الامبراطوريه الي مناطق نفوذ اوروبيه.

ادت معاهده سيفر الي تدويل اسطنبول والبوسفور، مع اعطاء اجزاء من اراضي الاناضول الي اليونانيون، والاكراد، والارمن، والفرنسيين، والبريطانيين، والايطاليين. وعبر الاطلاع علي كيفيه وسبب فشل اول خطه اوروبيه لتقسيم الشرق الأوسط، يمكننا فهم الحدود الحاليه للمنطقه بشكل افضل، وكذلك المتناقضات في النزعه القوميه الكرديه المعاصره والتحديات السياسيه التي تواجه تركيا الحديثه.

خلال عام من توقيع اتفاقيه سيفر، بدات القوي الاوروبيه التشكك في انها قد قضمت اكثر مما تستطيع مضغه. عازمين علي مقاومه الاحتلال الاجنبي، اعاد الضباط العثمانيون مثل مصطفي كمال اتاتورك بقايا الجيش التركي، وبعد عده سنوات من القتال البائس، طردوا الجيوش الاجنبيه التي تسعي الي تطبيق شروط المعاهده. وكانت النتيجه تركيا كما نعرفها اليوم، والتي تاسست حدودها الجديده بشكل رسمي عام 1923 وفق معاهدة لوزان.

تعرضت معاهده سيفر للنسيان الي حد كبير في الغرب، ولكن لها ارث قوي في تركيا، حيث ساهمت في تغذيه نوع من الذعر القومي الذي اطلق عليها بعض الباحثين "متلازمه سيفر". تلعب معاهده سيفر بالتاكيد دورا في حساسيه تركيا تجاه النزعه الانفصاليه الكرديه، بالاضافه الي الاعتقاد بان المذبحه الارمنيه – المستخدمه علي نطاق واسع من قبل دبلوماسيين اوروبيين لتبرير خططهم للاناضول عام 1920 – كانت دائما مؤامره ضد تركيا بدلا من كونها حقيقه تاريخيه. علاوه علي ذلك، ترك الصراع التاسيسي التركي ضد الاحتلال الاستعماري علامته في صوره مستمره من القوميه المعاديه للامبرياليه، والموجهه اولا ضد بريطانيا، خلال الحرب البارده مع روسيا، وحاليا، في الكثير من الاحيان، ضد الولايات المتحده.

ولكن ارث معاهده سيفر يتجاوز مداه تركيا كثيرا، ولذلك تحديدا يجب ان نضم تلك المعاهده الي جانب سايكس بيكو في تاريخنا عن الشرق الاوسط. سوف تساعدنا في تحدي الفكره المنتشره القائله بان مشكلات المنطقه بدات جميعها مع رسم الاوروبيين للحدود علي خريطه بيضاء.

لا شك ان الاوروبيين كانوا سعداء كلما سنحت لهم الفرصه لرسم حدود تتوافق مع مصالحهم، كلما استطاعوا ذلك. ولكن فشل معاهده سيفر يثبت انهم احيانا لا يستطيعون. عندما حاول الساسه الاوروبيون اعاده رسم خريطه الاناضول، انهزمت جهودهم بالقوه. وعلي النقيض، في الشرق الاوسط، نجح الاوروبيون في فرض حدود، لانهم امتلكوا القوه العسكريه اللازمه للتغلب علي من يقاومونهم. ففي حال تكرار القومي السوري يوسف العظمه، وهو ضابط اخر بالجيش العثماني اطلق شاربه علي الطريقه العثمانيه، نجاحات اتاتورك العسكريه وهزم الفرنسيين في معركه خان ميسلون، لحذت الخطط الاوروبيه لمنطقه الشام حذو معاهده سيفر.

هل كانت الحدود المختلفه لتصنع شرقا اوسط اكثر استقرارا، او ربما اقل عرضه للعنف الطائفي؟ ليس بالضروره. ولكن النظر الي التاريخ من خلال منظور معاهده سيفر يشير الي نقطه اعمق حول علاقه السبب والتاثير بين الحدود التي رسمها الاوروبيون وعدم الاستقرار في الشرق الاوسط: فالمناطق التي انتهي بها الحال خاضعه لحدود رسمتها اوروبا تميل الي ان تكون ضعيفه جدا او غير منظمه لمقاومه الاحتلال الاستعماري بنجاح. لم تصبح تركيا اكثر ثراء او اكثر ديموقراطيه من سوريا او العراق بسبب انها تمتعت بحظ سعيد جلب لها الحدود الصحيحه. بل ان العوامل التي سمحت لتركيا بتحدي الخطط الاوروبيه ورسم حدودها الخاصه – ومنها الجيش والبنيه التحتيه الاقتصاديه الموروثه عن الامبراطوريه العثمانيه – مثلت بعض نفس العوامل التي سمحت لتركيا ببناء دوله قوميه قويه ومركزيه علي الطراز الاوروبي.

بالتاكيد، قد يزعم الكثير من القوميين الاكراد ان الحدود التركيه غير صحيحه. وبالفعل يذكر البعض مشكله انعدام الجنسيه الكرديه كعيب خطير في حدود المنطقه خلال فتره ما بعد العثمانيين. ولكن عندما حاول الامبرياليون الاوروبيون انشاء دوله كرديه في معاهده سيفر، حارب الكثير من الاكراد الي جانب اتاتورك من اجل الانقلاب علي الاتفاقيه. يمثل ذلك تذكيرا بان الولاءات السياسيه يمكنها بالفعل تجاوز الهويات القوميه بطرق سنبلي حسنا في ادراكها اليوم.

الدوله الكرديه المتصوره في معاهده سيفر كانت لتكون، بشكل حاسم، تحت السيطره البريطانيه. وبينما حظي ذلك بقبول بعض القوميين الاكراد، وجد اخرون ان تلك الصوره من "الاستقلال" تحت الهيمنه البريطانيه تمثل اشكاليه. لذلك انضموا للقتال الي جانب الحركه القوميه التركيه. كما بدا الحكم التركي والعثماني مفضلا عن الاستعمار المسيحي، خصوصا بين الاكراد المتدينين. بينما قلق اكراد اخرون، لاسباب اكثر عمليه، من انه بمجرد تولي البريطانيين للمسؤوليه، سيدعمون حتما الارمن المهجرين منذ فتره ليست ببعيده، والساعين الي العوده للمنطقه. ندم البعض لاحقا علي قرارتهم عندما اصبح واضحا ان الدوله التي حاربوا لانشاءها ستكون اكثر تركيه بكثير – واقل دينيه – من المتصور. بينما اختار اخرون، تحت درجات متعدده من الضغط، بدلا من ذلك القبول بالهويه التي قدمتها اليهم الدوله الجديده.

يظل الكثير من القوميون الاكراد خائفين من الطريقه التي دمرت بها دولتهم بفعل معاهده سيفر، بينما لا يزال العديد من القوميون الاكراد يتخيلون الدوله التي كانوا ليوجدونها. وفي ذات الوقت، تمجد الحكومه التركيه الحاليه مناقب التسامح والتعدديه الثقافيه العثمانيه، بينما يزعم الزعيم الانفصالي الكردي عبد الله اوجلان، حسبما يبدو بعد قراءته لعالم الاجتماع بندكيت اندرسون في السجن، انه اكتشف ان جميع الدول بالكاد تمثل بنيات اجتماعيه.

قضي حزب العداله والتنميه، الحاكم، وحزب الشعب الديموقراطي، المناصر للاكراد، الكثير من العقد الماضي في التنافس علي اقناع المصوتين الاكراد بان التصويت لكل منهما يمثل تصويتا للسلام – متنافسين علي اي حزب سيكون قادرا علي حل الصراع المستمر منذ زمن بعيد في تركيا عبر انشاء دوله اكثر استقرارا وشمولا. باختصار، مثلما لا يزال العديد من الامريكيين يتناقشون حول الطبيعه "المصطنعه" للدول التي صنعتها اوروبا في الشرق الاوسط، تتجاوز تركيا بشكل متعثر هوسا يمتد قدمه الي قرن حول اثبات مدي "واقعيه" ذلك.

لا داعي للقول بان العنف المتجدد الذي شهدته تركيا في الاسابيع العديده الاخيره يهدد تلك العناصر الهشه لاجماع ما بعد القوميه. مع دعوه حزب العداله والتنميه الي اعتقال القاده السياسيين الاكراد، واطلاق النار من قبل المقاتلين الاكراد علي ضباط الشرطه، يتراجع القوميون علي الجانبين نحو مواقع مالوفه ولا تقبل المساومه. لمده 95 عاما، حصدت تركيا الثمار السياسيه والاقتصاديه لانتصارها علي معاهده سيفر. ولكن البناء علي ذلك النجاح الان يتطلب اقامه نموذج سياسي اكثر مرونه، يساعد علي اعتبار المعارك علي الحدود والهويه القوميه امورا غير ملائمه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل