المحتوى الرئيسى

«الخلدان الصمّاء» لعبد الحكيم القادري.. بانوراما ريفية

08/22 10:07

العماله، الحبّ الموؤود، الصداقات القاتله، الخيانات، التقاليد الريفيه، الكذب والاحتيال والنفاق، المجتمع المحافظ، الاب والسلطه الذكوريه، الرغبه في خلاص معلّق او غامض او مغيّب، الانجاب من دون زواج، العمل في الدعاره، الريف والمدينه، الجريمه التي تبقي من دون عقاب، الخ. امور عديده يتناولها عبد الحكيم القادري (1994) في روايته الاولي «الخلدان الصمّاء». امور عاديه ومتداوله في روايات ونصوص ادبيه لبنانيه متفرّقه ـ كما في وقائع العيش في مجتمعٍ ليس سوياً، لشدّه الاضطرابات في مفاهيم الاخلاق والثقافه التربويه الغارق فيها ـ وان تبقي العماله لاسرائيل، خصوصاً في ظلّ الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) وما بعد النهايه المزعومه لها، الاقلّ «اغراءً» لاشتغالات ادبيه واجتماعيه وسياسيه وفنيه لاسباب مختلفه، لعلّ اوّلها كامنٌ في كون الموضوع نفسه مثيراً لنقاشات وتمزّقات داخليه عنيفه، وثانيها متعلّقٌ باستمرار العماله داخل بلدٍ مفتوح علي الاحتمالات كلّها (علماً ان مخرجين لبنانيين قلائل يتطرّقون الي الموضوع في افلام وثائقيه لهم، تحديداً). امور يُدركها كثيرون في ظلّ «نظام ثقافيّ تربويّ سلوكيّ» يميل الي التزمّت، ويرتاح في الانغلاق، ويعاني ارتباكات عديده في شتّي احوال العيش اليومي.

غير انّ النسق المُعتَمد في سرد حكايات «الخلدان الصمّاء» مرتكزٌ علي سلاسه القول والوصف والسرد، وعلي توليف يُراد له ان يُكوِّن خيوط المصائر والسياقات في ترابط عضويّ متماسك في عالم واحد، هو العالم الريفيّ في منطقه كفرشوبا (بلده الكاتب الشاب، طالب الـ «بيوكيمياء» في «الجامعه اللبنانيه»)، المتاخمه لاسرائيل في اقصي الجنوب اللبناني. نسق سرديّ، وتوليف حكائيّ مرويّ علي السنه شخصيات وراوٍ، يقتربان قليلاً من تقنيه بناء مَشاهد سينمائيه، ويتكاملان معاً في تشييد عماره روائيه تؤكّد ان صانعها مقبلٌ علي حرفيه كتابيه، وساعٍ الي مزيدٍ من تمتين لغه الوصف المتنوّع، في النفسيّ والاجتماعيّ والسلوكيّ والثقافي ـ التربويّ.

الغالبيه الساحقه من شخصيات الروايه معطوبه. عطبها متنوّع. قسوه الحياه الريفيه منبعٌ لاعطاب كثيره. والعطب، اذ ينفلش علي النفس والروح والنسيج الانفعاليّ ـ الاجتماعيّ، يصيب الناس في انحاء مختلفه من يومياتهم وانفسهم. لن يكون هناك اي تبرير لاي فعل، بل مجرّد جمع توثيقيّ (مصوغ بلغه ادبيه سلسه ومتماسكه الي حدّ كبير) ليوميات كهذه. العماله لاسرائيل لن تكون مُبرَّره او منطلقه من حكم مسبق او نظره جاهزه. التوغّل قليلاً في ظروف شخصيه العميل وصديقه يفضي الي سرد مناخ عام، محصَّن بتفاصيل متفرّقه. الرغبه في جمع المال سببٌ للعماله. لعلّه السبب الوحيد في «الخلدان الصمّاء». غير انّ خاتمه مسار عمر (العميل الاسرائيلي)، التي تظهر قبل نهايه الروايه بقليل (ص 232 ـ 233)، تؤكّد واقعاً بدلاً من ان تُطلق احكاماً. مصيرٌ «طبيعيّ» في عمل اجهزه الاستخبارات، في بلدٍ غير طبيعيّ البتّه. مصيرٌ لا يختلف كثيراً عن المصائر الاخري، الـ «طبيعيه» هي ايضاً في البلد نفسه: انهيار عصبيّ، اسئله معلّقه واجوبه شبه مغيّبه، موتٌ وقتلٌ وتشرّد، زواج مدبَّر ومفروض، انكشاف جرائم اغتصاب اطفال وقتلهم، مزيدٌ من تمزّقات ناتجه من خلل اساسيّ في البنيه المجتمعيه المتكامله، الخ.

تُشكّل قراءه «الخلدان الصمّاء» نوعاً من اطّلاع معرفيّ علي احوال بيئه ريفيه متاخمه لدوله الاحتلال، بجوانب كثيره من حياتها اليوميه، الي جانب كونها روايه سلسه، ومتماسكه في نواتها الاساسيه وتفاصيل مسارات شخصياتها وتحوّلات ناسها ومناخها العام، وواقعيه حيواتهم ومشاعرهم واليات بوحهم واعترافاتهم.

روايه اولي هي نتاج معاينه دقيقه، ومراقبه ادقّ لتفاصيل وقصص وحالات.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل