المحتوى الرئيسى

مروة الإتربي تكتب: من عالم الرواية: ( لا قديسون لا ملائكة ) | ساسة بوست

08/22 10:05

منذ 1 دقيقة، 22 أغسطس,2015

الرواية لإيفان كليما صدرت في عام 2013م ، الرواية واقعية بشكل مؤلم ، ورغم كبر حجمها نوعًا ما إلا أنني لم أشعر بالملل أبدًا ، إنها أحدى تلك الروايات التي تسبب نوعًا من الارتباكات النفسية الداخلية ، رواية الحقائق كما هي عارية تمامًا .

الحقائق المؤلمة ليست دومًا فقرًا أو قمعًا او حتى حربًا ، للحياة المؤلمة صور كثيرة منها ما لا يدور إلا داخلنا . الماضي لا ينفصل عن الواقع وإن توقَّفت أحداثه عن الاستمرار فلا تتوقف نتائجه عن اللحاق بنا إلى الحاضر ، المستقبل – أحياناً . ماضينا يؤثر على تصرفاتنا ، أحتياجاتنا ، ردود أفعالنا تجاه الأشياء بل والاشخاص أيضًا .

لا أحد يستطيع أن يقرأ المعارك التي تحدث داخلك والتي تربطها لا إراديًا بما مضى ، آلامك الخاصة ، تأثير الأشياء والمواقف عليك ، أن تحيا في الحاضر لكن كجسد ، وجزء كبير منك لازال عالقًا هُناك ، متصلِّبٌ عند نقطة ما في الماضي ، لا يستطيع أن يتخطاها ولا يقدر أن يمضي قدمًا ، يهرب دائمًا منها لكن يعود إليها .

كريستيانا ذات الأربعين عامًا وقليلًا ، والتي عاشت مع والدها ذd التفكير الصارم ، وكيف تتذكر ، بل كيف لم تستطع أن تنس أنه لم يفرح بقدومها ولا احتفل بها لأن يوم عيد ميلادها صادف موت الطاغية الذي يحب ، لتمر الأيام باردة بينهما وتزداد الفجوة أكثر .

يترك أبوها أمها لأجل إمرأة أخرى ، بالطبع يؤثر هذا عليها مرة آخرى ، الأشياء تتراكم مع الوقت لا شيء يزيل شيء ، لا إصلاح بينهما . وعندما تتزوج كريستيانا يتركها زوجها هي الأخرى ، الأحداث تُعيد نفسها أحياناً بشكل مُقيت .

الماضي لا ينقطع عن الحاضر ، تُفلت كريستيانا زمام أبنتها تماماً اعتقاداً منها أنها بذلك انها تُعطيها بعض الحرية التي سُلبت منها وهي صغيرة . لقد ظلت كريستيانا تلوم والدتها على أنها لازالت تفكر في أباها رغم كل ما فعله هي التي ظلت كذلك في انتظار زوجها أن يعود يومًا ما وإن لم تفصح عن الأمر علانيةً .

لقد كان ماضيها دائمًا محاصرًا لها ، كانت تدخل في نوبات أكتئاب مطولة ، أهملت ابنتها الوحيدة ولم تستطع أن تقدم لها شيء ، لم تحم نفسها أو ابنتها .. فقط عاشت في الماضي .

الرواية تطرح الواقع بكل حيرته في الاختيارات ، هل أخطأت كريستيانا في الانفصال عن زوجها ؟ وهل كانت والدتها على صواب ؟ حيرتها الكثيرة وترددها مع ابنتها ، كانت تعيش في حقبة زمنية مختلفة لذلك لم تستطع أن ترى الواقع كما يجب .

الأحداث تتسارع ، الماضي يُخبىء الأحداث ، وإما أن تنكشف أو تموت مع صاحبها للأبد ، وحتى إن انكشفت بعد ذلك يكون قد انتهى كل شيء .. نحن لا نأسى على الموتى ولا نستطيع أن نقتص منهم .

أحداث الماضي تصنع المستقبل ، لا مع كريستيانا فقط ، بل مع أخيها غير الشقيق الذي ألقى بنفسه في النهر فارتطم بحجر فصار عاجزًا لبقية حياته ، أفكر ما الذي قد يدفع شخص ما لفعل لذلك ، إنهم لا يهتمون لأمره ، أو تحديدًا والده لا يتهم به ، بل لم يزره بعد الحادث ، ربما أراد أن يصنع شيئًا ما ، حدثًا ما ، جلبة ما ، لكنه للأسف لم يدفع ثمنها سواه .

في حوار بسيط يدور :

-” كنتُ آمل أن يزول الألم وحده ”

– ” الألم لا يزول وحده أبدًا ”

لأن الآلام لا تبرح أماكنها بسهولة ، لا تأتِ وتمضي هكذا ، يجب أن تجلس كما تحُب ، تأكل في الروح وفي الجسد ، تُحدث ثقوبًا في مختلف الأماكن ، تلتصق بك ، كلما حاولت الفِرار منها باغتتك من مكان آخر .

يقول الكاتب على لسان أحد شخصياته : ” كم تبدو حكاياتنا مثيرة للشقفة حين نعاود النظر إليها “.

ككلِ أو أغلب الأشياء \ الاحداث \ الحكايات ، لماذا ؟ هل لأننا حينها نكون في موقفٍ ضعيف مثلًأ ؟ أو لأننا عندما نكون داخل الدائرة لا نبصر جيدًا ؟ هل لأننا مع الوقت نزداد صلابة وخبرة فتصبح آلام الأمس أسباب لضحك اليوم ؟ هل لأننا بعد ذلك نمر بأشياء أكثر صعوبةً فيكون حينها ما مضى يبدو أقل ألمًا ؟

يقول أيضًا : ” ظننتُ  أنها ستنفجر بالبكاء وهي تتحدث عن الأمر ، استطعت أن ألحظ أنها تبكي من داخلها على جرائم مرتكبة منذ أزمنة وجرائم وحشية أرتكبت في حق أقاربها ، هل يمكن العيش في عالمٍ كهذا ؟  إنها لا تتوقع شيئًا من الحياة ؟ لا تنتظر شيئًا حقًا “.

الذين يعيشون في الماضي يصعب عليهم أن يشعروا بالأمانِ للحاضر ، الذين خُذِلوا مِراراً في الماضي يصعب عليهم أن يؤملوا كثيرًا في الحاضر ، إخفاقاتهم مرسومة على جبينهم ، لا تفارقهم ، كيف يمكن التخلص من كل ما حدث هكذا وكأنه لم يحدث ؟

كيف يكون في مقدور الواحد منا أن يطوي الصفحات المشوهة أو يقطها ؟ دون أن تؤثر عليه ؟ ودون أن يتذكرها ؟ ودون أن يحاول محوها فلا تُمحى؟

الذكريات التي تؤلم تبقى وكل شيء فيما عداها يتبخر .

يقول : ” الناس في الغالب يجرحون الأقرب إليهم ” وأتساءل لم ؟ هل لكثرة التعامل معاهم دون غيرهم والتعرض لمواقف كثيرة تجمعنا بهم  ؟ هل لأنهم لا يتوقعون رحيلنا فجأة ؟ هل هو اعتقاد ما أن محبتهم سوف تغفر لهم عندنا ؟ لا أدري .

يقول : ” إنني أعيش في خوفٍ وأرفض رؤية ما أبصرته هي من أول نظرة ”

الماكثون في الماضي ، في دائرة ما حدث ، يخافون الإبصار لربما لكثرة ما أبصروه وآلمهم . الماضي مخيف ، يجعل من الناس يربطون ما بين كل أحداث الحاضر وما حدث من ذي قبل . الخوف من أن تتكرر القصص بآلامِها ، بتفاصيلها  .

يقول : ” نحن جميعًا ينقصنا شيء ” نحن جميعاً ينقصنا شيء ، أحياناً ندركه أحياناً لا ، الجزء الناقص منَّا هو أكثر ما يؤرقنا ، هو ما قد يجعلنا لا نبصر كل ما لدينا ، الجزء الناقص من الصورة ، ذو المكان الفارغ ، حوافه تؤلم لأنها فارغة وجوفاء.

يقول : ” يجب أن تعرفي أنه شيء كالمرض أحياناً لا يسعني فعل شيء حين يصيبني ” الحزن يعتبر مرضُا ، أو كالنوبات التي تصحب بعض الأمراض ، لا حيلة لنا فيها ، إلا أن الحزن لا دواء له نهرع إليه كي نتخفف من آلامه سريعًا ، لا علاج له ، الروح الحزينة يصعب أن تشفى ، لا ليس مستحيلًا لكنه صعبًا ، الحزن سرطان يأكل في الروح يتكاثر فيها ويؤثر علي كل شيء بها .

يقول : ” لا أقول لها إننا ندمر حياتنا بأنفسنا ” ” ربما كنتُ أنا مرضي الخاص ”  بثينة العيسى تقول  : ” نحن ضحايا أنفسنا الآخرون مجرد حجة ” ربما هي على حق ، نحن من نسبب لأنفسنا الآلام ، من نختار وندفع أثمان أختياراتنا ، من نرفض أو نوافق وندفع الثمن ، من نحب وندفع الثمن ،  من نثق وندفع الثمن ، من نزج بأنفسنا إلى التهكلة احياناً – وندفع الثمن أيَضًا .

لكن ماذا إن كنا لم نفعل شيء ؟ وساقت الدنيا الأشياء إلينا فقط ؟ ماذا ؟

ربما حينها سنكون ضحايا أنفسنا لأننا لم نحاول الخروج ، أو تخاذلنا في حق انفسنا ، تلذننا بالأمر ، دور الضحية أكثر سهولة في الاداء عنه عن غيره .

ربما نكون نحن أمراض أنفسنا ، الأشخاص الذين تكون حروبهم الداخلية أكثر من حروبهم الخارجية مع الآخرين ، الذين هم مشكلة نفسهم ، هم المحور دائمًا . أتساءل كيف نُشفى من أنفسنا ؟

Comments

عاجل