المحتوى الرئيسى

"بار فاروق" يستعيد أجواء بيروت النصف الأول من القرن العشرين

08/21 16:23

اعاد عرض "بار فاروق" المسرحي الغنائي للمخرج اللبناني هشام جابر جمهور مهرجانات بيت الدين الي اجواء مدينه بيروت في النصف الاول من القرن العشرين، بمزاجها الغنائي الخاص وملامحها الاجتماعيه وحكاياتها وحياه الليل فيها، قبل ان تاتي عليها متغيرات سياسيه وثقافيه متعاقبه، كان اخرها الحرب المدمره التي اندلعت في السبعينات.

وبعد سبعه اشهر من التصميم والتدريب، اطلت الفرقه المسرحيه الغنائيه في امسيتها الاولي الخميس امام جمهور غصت به الباحه الداخليه من القصر المبني في مطالع القرن التاسع عشر في بلده بيت الدين التاريخيه شرق بيروت، في اخراج مسرحي لم يقتصر علي خشبه المسرح، بل تعداها الي صفوف الجمهور الذي وضعت مقاعده الاولي حول طاولات، في جو يحاكي اجواء الكاباريهات.

واستوحي هذا العرض اسمه من مكانين مطبوعين في الذاكره البيروتيه، مسرح فاروق الذي انشئ في السنوات الاخيره من القرن التاسع عشر في وسط بيروت باسم "زهره سوريا" ثم تغيرت اسماؤه مراراً بما يؤشر علي عمق التاثير المصري علي المزاج البيروتي انذاك. فقد اصبح بعد ذلك "مسرح فاروق" تيمناً بالملك فاروق الذي حكم مصر بين 1936 و1952 وبهذا الاسم ظل معروفاً رغم تغيير اسمه الي "مسرح الثوره" بعد الاطاحه بالملكيه في مصر.

اما المكان الثاني فهو "بار فاروق" احد اشهر بيوت الدعاره في بيروت التي كانت منتشره في ذلك الزمن، وحولها يدور كثير من القصص والشائعات.

ويقول هشام جابر "اردنا من هذا العمل بشكل اساسي تصوير بيروت في تلك الحقبه، من خلال نقل اجواء المسرح وما كان يقدم فيه من ثقافه موسيقيه غنائيه واستعراضيه ذات نكهه مدينيه خاصه متاثره الي حد ما بالاغنيه المصريه وبالجو المصري، وذات هويه مختلفه عن الاغنيه الريفيه اللبنانيه التي طغت علي المشهد الثقافي بعد ذلك".

ويضيف "لقد اصبحنا بعيدين عن هذا الجو اليوم فلم نعد نعرف سوي الانتاج الموسيقي الريفي من الاخوين الرحباني الي زكي ناصيف وغيرهم، وطويت في ذاكرتنا صفحه الانتاج الموسيقي المديني من عمر الزعني وسامي الصيداوي وغيرهما".

يستعرض العرض علي مدي ساعتين، اغاني من التي استضافتها دور العروض البيروتيه منذ مطالع القرن العشرين، مثل موشح "ملا الكاسات وسقاني" للمصري محمد عثمان  احد رواد النهضه الموسيقيه المشرقيه المتوفي في العام 1900، مروراً بالتراث الغنائي النقدي الكبير للبناني عمر الزعني (1898-1961) "شاعر الشعب" الذي قارع باغانيه الساخره الحكم العثماني والانتداب الفرنسي ثم السلطات اللبنانيه بعد الاستقلال، وصولاً الي الاغاني الخفيفه التي ذاع صيتها في النصف الثاني من القرن نفسه مثل "يا ستي يا ختياره" للمغنيه طروب، و"برهوم حاكيني" للمطربه نجاح سلام، و"اه يا ام حماده" لمحمد جمال.

وتقدم هذه الاغاني في اخراج مسرحي يحاكي جو الكاباريه وينتقل بالديكور والعروض البصريه واداء المغنين والممثلين وملابسهم في اجواء مختلفه بحسب موضوع الاغنيه المؤداه وزمنها.

وتشارك في العرض مجموعه من الموسيقيين علي الات مختلفه، من عود وكمان واكورديون وكونترباص، بقياده المؤلف وعازف العود والمغني زياد الاحمديه، ويؤدي الموسيقيون ادواراً مسرحيه وغنائيه الي جانب المواكبه الموسيقيه للعرض.

اما فريق الغناء الاستعراضي فيتالف من الممثله والمغنيه الاستعراضيه ياسمينا فايد التي حققت نجاحاً كبيراً في عروض كاباريه سابقه، ولينا سحاب، وبشاره عطا الله ورنده مخول ووسام دالاتي وشانتال بيطار، اضافه الي الممثل زياد عيتاني الذي يقدم منذ عامين دون انقطاع مسرحيه "بيروت طريق الجديده" يروي فيها حكايات واقعيه باسلوب فكاهي تستعرض تاريخ احد اشهر احياء العاصمه اللبنانيه.

ومعظم فريق "بار فاروق" شارك هشام جابر في عرض الكاباريه المصري "هشك بشك" الذي يقدم منذ اكثر من عامين ونصف العام في مسرح مترو المدينه في بيروت في ظل اقبال غير منقطع.

ويقول جابر "كان لدينا هاجس ان نتمكن من اعداد عرض كاباريه لبناني ببرنامج يوازي اغاني الكاباريه المصريه المعروفه للجميع وايقاعاتها الراقصه الجذابه، لكن يبدو ان الجو البيروتي وخفه الاغاني قاما بالمهمه علي اكمل وجه".

وايقظ عدد من الاغاني المقدمه ذاكره اجيال، فكانت الصيحات تعلو من الجمهور مع كل اغنيه يخرجها العرض من زوايا النسيان، من "والله لهشه للعصفور" و"دقي يا ربابه" و"لما بمشي عالرصيف"، ولاسيما مع الاداء الاستعراضي المتقن للمغنيه والممثله ياسمينا فايد.

ويضيف هشام جابر "مع تعلقنا جميعاً في فريق العمل بالاغاني التي قدمناها في عرض هشك بشك، الا ان عرض بار فاروق له علاقه بمدينه عشنا فيها بكل مراحلها، وعشنا فيها ذكرياتنا وسمعنا ذكريات اهلنا، لذا نشعر ان هذا العرض اقرب الينا، وهو وليد انطباعات تكونت من جو هذه المدينه، بصرف النظر عما اذا كانت انطباعاتنا هذه صحيحه ام لا".

واتخذ العرض وتيره تصاعديه جعلت معظم الحاضرين يتمايلون ويصفقون علي ايقاع الاغنيات التي تؤدي بخفه ظل ورشاقه علي خشبه المسرح. ثم تصاعدت الايقاعات مع اقتراب العرض من نهايته وتحولت الي ما يشبه اصوات الطلقات الناريه والتفجيرات، قبل ان تطفا الاضواء مع صوت التفجير الاخير الاكبر، ويعم الظلام خشبه المسرح، في اشاره الي طي الحرب اللبنانية نهائياً صفحه مسرح فاروق في الوسط التجاري لبيروت الذي تحول ساحه حرب طاحنه، وطي حقبه غنيه من الغناء والموسيقي والاستعراض وحياه الليل في بيروت، وسط تصفيق حار من الجمهور تواصل علي مدي دقائق.

وهشام جابر مخرج مسرحي ولد في بيروت العام 1980، تخرج من معهد الفنون في الجامعيه اللبنانيه، له عدد كبير من المسرحيات معظمها ذات طابع ساخر مثل "كولا بربير متحف دوره"، و"غير مخصص للجمهور العريض"، و"العميل الملتهب والراقصه المزدوجه"، واعمال متفرقه يؤديها باسم "روبرتو قبرصلي" يسخر من خلالها من الواقع السياسي والاجتماعي في لبنان.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل