المحتوى الرئيسى

الخليج في خضم تحولات المنطقة: كيف أثر وتأثر؟

08/21 07:42

مر الشرق الاوسط بالعديد من التحولات الجذريه علي مدار السنوات القليله الماضيه ربما ابرزها ظاهره الربيع العربي ثم ظهور داعش ومؤخراً الاتفاق النووي الايراني. كل هذه التحولات في بنيّه الشرق الاوسط لا يمكن تناولها بعيداً عن تاثيرات وتاثُّرات القوي الدوليه والاقليميه الكبري حتي نصل الي فهم ادق واعمق لما يجري في هذه المنطقه الملتهبه. وبالطبع فان وجود الخليج العربى في القلب من هذه المنطقه بكل هذه الامكانيات الاقتصاديه والجيوسياسيه جعله لاعب هام ومؤثر في هذه التحولات.

نتناول في المساحه التاليه محاوله لتحديد المواقف الخليجيه من هذه التحولات، والدور والتاثير الذي مارسه الخليجيون في هذه الاحداث، وفي المقابل نتناول ايضاً النتائج التي حملتها هذه التحولات علي الخليجيين انفسهم.

مع انطلاق ظاهره الربيع العربي في بدايه 2011، فان المواقف الخليجيه جاءت فاتره كما في الحاله التونسيه واليمنيه، او حتي معاديه كما في الحاله المصريه والبحرينيه. غير انه مع انتقال الظاهره الي بلدان اخري كان للخليجيين مصلحه بشكل او باخر في حدوث التغيير فيها، كما في سوريا وليبيا، جاءت المواقف الخليجيه داعمه للتغيير بشكل كبير، بل وقد شارك بعضهم بالفعل بجهود عسكريه في عمليه التغيير تلك.

بيد انه في حقيقه الامر لا يمكننا التحدث عن "موقف خليجي" تجاه ظاهره الربيع العربي؛ اذ ان الموقف القطري خصوصاً قد جاء مغايراً بشكل كبير لكافه المواقف الخليجيه الاخري وداعماً منذ البدايه لجهود التغيير. فبدا تعارض المواقف الخليجيه في تونس، لكنه اتضح بشده في الحاله المصريه علي مدار حلقاتها المختلفه الممتده منذ سقوط حسني مبارك وحتي صعود السيسي الي حكم البلاد بعد ازاحه الاخوان المسلمين في حكم مصر ممثلين في شخص الرئيس الاسبق محمد مرسي.

وحتي في بعض الحالات التي لم يكن الخلاف فيها حاضراً حول مساله دعم التغيير فيها، كما في سوريا او ليبيا، تنافس الخليجيون فيما بينهم علي دور كل منهم في التغيير والاطراف الرئيسيه في عمليه التغيير تلك.

غابت الاستراتيجيه الخليجيه الموحده عن الموقف فحاولت الاطراف الخليجيه المختلفه التعامل مع الظاهره من خلال دوافع واهداف مختلفه. وفي هذه الاثناء يمكن بشكل عام تقسيم الدول الخليجيه الفاعله في مسار الربيع العربي الي معسكرين يضم الاول قطر، والاخر يضم المملكه السعوديه والامارات وبدرجه اقل كلاً من الكويت والبحرين. وفي حين جاءت المواقف القطريه اكثر انفتاحاً بشكل عام علي ظاهره الربيع العربي، جاءت مواقف الفريق الثاني اكثر تحفظاً في التعامل مع الظاهره ونتائجها.

بالنسبه لقطر، فانه يمكن القول بان الدوافع التي كانت تحرك قطر في تعاطيها مع الربيع العربي تتمثل في رغبتها في لعب دور اقليمي اكثر بروزاً في المنطقه وتحويل رصيدها الكبير الذي حققته في المنطقه علي مدي سنوات طويله من القيام بدور الوساطه في النزاعات المختلفه وتنظيم المؤتمرات واستضافه المحافل الدوليه المختلفه، حتي غير السياسيه منها كما في استضافتها لكاس العالم 2022 او بطوله العالم لكره اليد 2015 وغيرها، الي نفوذ وحضور حقيقي في المنطقه. خصوصاً انها تملك الامكانيات الاقتصاديه الضخمه التي تمكنها من لعب هذا الدور.

ويبدو ايضاً ان قطر قد اختارت منذ البدايه الاعتماد علي تيار الاسلام السياسي، وفي القلب منه الاخوان المسلمين، من اجل تحقيق هذا الهدف، ليس فقط لان قطر قد ارتبطت بتيار الاخوان المسلمين منذ فترات بعيده واستضافت فيها رموز عده لهم، بل ايضاً لان هذا التيار كان يبدو انه الاكثر تنظيماً وقدره علي تولي زمام الامور بعد الثورات الشعبيه. وعلي هذا الاساس كان الدعم الكبير لهم في تونس ومصر واليمن وليبيا، بل وحتي في سوريا.

والسبب الابرز في هذا الانفتاح القطري الكبير علي تيار الاخوان هو عدم قلق حكام قطر من ان يشكّل الاخوان خطر علي عرشهم بسبب الوضع الاقتصادي الممتاز الذي تشهده قطر وكذلك قله عدد السكان المواطنين مقارنه ببلاد كالسعوديه والامارات، وهو ما يجعل حكام قطر اكثر حريه في خيارات السياسه الخارجيه. وقد دعّم من الموقف القطري علاقات قطر الجيده مع تركيا التي كانت هي الاخري داعمه لنفس التيار، وهو ما شجّعها علي المضي قدماً في دعم الاخوان بالرغم من الضغوطات الشديده التي واجهتها من دول الخليج الاخري.

اما بالنسبه للمعسكر الخليجي الثاني، فيجب في البدايه تفهُّم انه ليس حلفاً صلباً كما يبدو، فالدوافع في كلتا الحالتين قريبه ولكنها ليست متطابقه وهذا ما اتضح بشكل كبير بعد تولي الملك سلمان حكم السعوديه، وما جمع بين هذه البلدان في نفس المعسكر، وخصوصاً السعوديه والامارات، هو قلقها من تبعات التغيير في الجوار العربي والصعود الاخواني الكبير الذي اعقب الثورات العربية.

والسعوديه خصوصاً كانت قلقه من تهديد مركزها في العالم العربي والاسلامي خصوصاً بسبب صعود الاخوان المسلمين الي حكم مصر. صحيح ان المملكه قد ارتبطت لفترات طويله بعلاقات جيده مع الجماعه وكانت تقدم لها بعض الدعم، الا ان هذا الدعم كان يرتبط بظروف واهداف اخري.

اما مع وصول الاخوان الي رئاسه مصر واقتران افكارهم الاسلاميه الاكثر انفتاحاً، مقارنه بالمملكه، بثقلها الكبير في المنطقه وادوات تاثيرها الناعمه وسط منطقه ظلت لفتره طويله تعاني اما من المغالاه في التشدد الديني او المغالاه في الانفتاح، فان نموذج مصري "اخواني" ناجح سيمثل بلا شك تحول شديد ليس فقط في موازين المنطقه، بل وفي موازين القوي الخليجيه الداخليه ذاتها كذلك. هذا الي جانب محاولات التقارب مع ايران التي بدات بعد ثوره 25 يناير مباشره ثم تجددت في عهد مرسي مره اخري.

كما كان للخليجيين تاثير كبير علي مجريات الربيع العربي، فان الربيع العربي كذلك قد اثّر عليهم، لكن الاسلوب الذي اتبعه الخليجيون في مواجهه هذه الاثار والذي جمع بين الترغيب متمثلاً في الاغداق في العطايا والمنح الاقتصاديه. والترهيب متمثلاً في المواجهه الحازمه لازمه البحرين وارسال قوات درع الجزيره، التي تكونت في الاساس من قوات سعوديه واماراتيه، لمواجهه المتظاهرين ومنع حكام البحرين من تقديم تنازلات للمتظاهرين قد تكون وَبالاً علي الملكيات الخليجيه الاخري.

ولعل ذلك هو السبب الرئيسي في مشاركه قطر في درع الجزيره بالرغم من مواقفها الداعمه للربيع العربي بشكل كبير، فحتي ذلك الحين كان الربيع العربي قد خرج في البلدان الجمهوريه فقط، وكان نجاحه في دوله ملكيه سيمثل سابقه خطيره علي بلدان الخليج الملكيه، خصوصاً ان الاوضاع السياسيه في الخليج متشابهه الي حد بعيد.

السبب الاخر الذي حذا بالخليجيين الي رد الفعل الحازم هذا هو الصبغه الطائفيه التي اتشحت بها الازمه في البحرين، التي يحكم فيها نظام سني اغلبيه شيعيه، اذ كانت المطالب نابعه اساساً من البحرينيين الشيعه، وما اثار قلق الخليجيين اكثر طبيعه الموقف الايراني الذي كان يحرض علي مزيد من الاحتجاجات. هذا في ظل وجود اقليات شيعيه كبيره في بلدان الخليج.

التدخل الخليجي في البحرين منع بشكل كبير امتداد هذه الاحتجاجات من التمدد في ارجاء الخليج، فبالرغم من ان الوضع في البحرين لم يعد الي ما قبل فبراير 2011 حتي الان، الا ان الاوضاع قد هدات الي حد بعيد. وقد وجّه التدخل العسكري، الذي تم بعيداً عن واشنطن، رسالات واضحه الي الداخل والخارج علي حد سواء بان الانظمه الخليجيه لن تسمح بالمساس بعروشها باي شكل.

وعلي الرغم من ان الاحداث في بلاد الخليج الاخري، بعيداً عن البحرين، قد اخذت طابع المبادرات الاصلاحيه لتوسيع صلاحيات بعض المجالس وتوسيع المجال العام، كما حدث في الامارات والسعوديه، فان حتي مثل هذه المطالبات لم تكن مقبوله في الخليج وتمت مواجهتها في اطار سياسه الترهيب والترغيب.

بالرغم من ان المعسكرين السابقين قد توافقا في عده حالات، خصوصاً في البحرين، فان التنافس بينهما في الحالات الاخري، كمصر وليبيا، قد اثّر علي العلاقات بشكل سلبي كبير حتي وصلت الي سحب سفراء السعوديه والامارات والبحرين من قطر نتيجه الموقف القطري من مصر خصوصاً. ففي حين كانت قطر الداعم الاكبر للاخوان المسلمين في مصر، كانت السعوديه والامارات، وخصوصاً الامارات، تعتبرهم خطر عليها، ولم تكن الامارات تتورع عن التعبير عن ذلك بشكل واضح وعلي لسان مسئوليها الرسميين.

ومع اسقاط حكم الاخوان في مصر بواسطه المؤسسه العسكريه بدعم سعودي اماراتي واضح، بلغت العلاقات اسوء مراحلها والذي تبلور بسحب السفراء من الدوحه كما اسلفنا، وقد مثّل هذا التحول الحدث الابرز والهزيمه الاكبر للربيع العربي الذي تبنته قطر منذ البدايه.

لم ينتهِ الامر في القاهره، بل ربما بدا، اذ حاولت الامارات خصوصاً تكرار نفس الامر مره اخري في تونس وليبيا، في تونس كانت حركه النهضه، التي تدعمها قطر، اكثر وعياً بمسارات الامور فسايرت التيار ولم تقف في مواجهته كما فعل اخوان مصر، وهو ربما ما تم وفق نصيحه قطريه، وتمكنّوا من الوصول الي صيغه سياسيه ضمنت لهم البقاء في الحياه السياسيه مع فرصه كبيره للعوده اقوي في مرحله قريبه.

وفي ليبيا التي لا يعلو صوت فيها علي صوت السلاح، حاولت الامارات مره اخري، وهذه المره بمساعده نظام السيسي في مصر، كسر شوكه الاخوان المسلمين الذين تدعمهم قطر ومن خلال محاوله استنساخ التجربه المصريه مره اخري من خلال دعم محاوله الانقلاب التي اُطلِق عليها عمليه الكرامه التي قادها اللواء المتقاعد خليفه حفتر، وهي العمليه التي بدات قبل انتخابات مجلس النواب باشهر عده. وقد كشف تقرير اممي ان كلاً من الامارات وقطر قد دعمتا اطراف النزاع في ليبيا؛ اي بصيغه اخري، دخل الطرفان ما يمكن ان نسمّيه حرباً بالوكاله علي الاراضي الليبيه.

وبالانتقال الي سوريا يمكن القول انه بالرغم من ان المواقف الخليجيه في مجملها داعمه لاسقاط بشار الاسد، الا ان سوريا ايضاً اصبحت ساحه جديده من ساحات التنافس بين المعسكرين السابقين؛ فكلاً منهما عمل علي دعم فصائل معارضه معينه ميدانياً وسياسياً، قطر حافظت علي توجهها العام من خلال دعمها للاخوان الملسمين السوريين الي جانب عده فصائل اخري، وهو ما ادي في النهايه الي تشرذم المعارضه السوريه وتمكُّن الاسد من الصمود حتي الان.

وكذا الحال في اليمن؛ حيث قدم الخليجيون مبادره خليجيه موحده لحل الازمه افضت الي خروج صالح من الحكم، لكن قطر حافظت علي دعمها لممثل الاخوان في اليمن، التجمع اليمني للاصلاح، في حين حاولت الامارات بشكل خاص اضعاف هذا التيار من خلال ادخاله في مواجهه مع الحوثيين، لكنها افضت في النهايه الي سقوط معظم اليمن تقريباً في يد الحوثيين واضطرار الخليجيين للتدخل العسكري المباشر لمواجهتهم، وتشير العديد من الدراسات الي ان الدور الاماراتي السابق قد اثار حفيظه السعوديه كثيراً بعد تولي الملك سلمان بعد ذلك.

غير ان التغيّرات الكبيره التي شهدتها السعوديه منذ تولي الملك سلمان حكم السعوديه، ادّت الي ظهور تغييرات كبيره في التعاطي الخليجي مع ملفات المنطقه؛ اذ جاء الملك سلمان برؤيه اكثر انفتاحاً علي الاخوان وحلفائهم في المنطقه، وهو الامر الذي مكّن من احداث تحسن نوعي ملحوظ في العلاقات مع قطر.

وقد انعكس هذا التحسن في الزيارات المتكرره، والتنسيق الذي تشير اليه تقارير عديده في سوريا بين الطرفين والذي يدلل عليه دعم اخوان سوريا لعاصفه الحزم في اليمن، وكذلك تراجع وتيره الدعم السعودي لنظام السيسي. وفي المقابل هدّات الامارات هي الاخري بعض الشئ من اندفاعها في مواجهه تيار الاخوان بسبب تراجع الحماس السعودي تجاه هذا الامر، وبالرغم من انه لا يمكننا القول ان تحسناً ملحوظاً قد طرا علي علاقات قطر والامارات، الا انه بعد عده زيارات متبادله بين ولي عهد ابو ظبي وامير قطر يمكن القول ان ماءاً قد بدا يجري في النهر، ربما يمكن اعتبار احراز بعض التقدم في المسار السياسي في ليبيا مؤشراً عليه.

اضاع الخليجيون فرصه ذهبيه للاجهاز علي الارهاب في المنطقه بعد مقتل اسامه بن لادن في منتصف 2011، وبدلاً من ذلك، ساهم الخليجيون في اظهار تنظيم جديد اكثر تشدداً ووحشيه اذا ما قورِن بتنظيم القاعده.

ساهمت السياسات الخليجيه تجاه الربيع العربي بالاضافه الي التنافس الخليجي الخليجي الذي تناولناه سلفاً في تقويه الجماعات المتطرفه بشكل مباشر، ففي سوريا دعم الخليجيون بعض الجماعات المتطرفه من اجل اسقاط الاسد، فمثلاً تشير تقارير عديده الي علاقه قطر والسعوديه بتنظيمات علي شاكله جبهه النُصره التي تمثل القاعده في سوريا، وما يجعل هذه التقارير تكتسب مصداقيه لا باس بها هي قدره دوله مثل قطر علي التوسط لديها في بعض القضايا مثل توسطها للافراج عن الراهبات السوريات في معلولا وغيرها.

كما ان تاخر الحسم في سوريا قد ادّي الي انها تحولت الي بيئه خصبه وجاذبه لاصحاب الافكار المتشدده، وقد سمح هذا الامر للجماعات المتطرفه، وعلي راسها داعش، من التمدد والتوسع بشكل كبير حتي هددت بازاله دول قائمه من خريطه الشرق الاوسط.

كما اننا لا يجب ان ننسي المواقف الخليجيه التي اعتُبِرَت داعمه لانتفاضه العشائر السنيه في العراق و التي وفرت غطاءاً سياسياً لها بعد فض قوات الامن لاعتصامات الانبار، وقد اتضح فيما بعد ان داعش كانت تختبئ خلف واجهه العشائر السنيه.

وسبب اخر رئيسي ولا يمكن اغفاله بحال من الاحوال تجاوزه هو الدور الخليجي السلبي الذي مارسته معظم دول الخليج في الربيع العربي، وخصوصاً في مصر بعد دورها المحوري في دعم والدفع باسقاط حكم اول رئيس مدني مُنتَخب في البلاد بواسطه المؤسسه العسكريه، وهو الامر الذي عزز من مقولات الجماعات المتطرفه واقام لهم الحُجه علي جماعات الاسلام السياسي التي ارتضت العمل السياسي السلمي واللجوء الي الديمقراطيه. كما لم يكتفِ حكام الخليج بدعم القمع غير المسبوق الذي حدث في مصر والدفاع عنه في المحافل الدوليه، كل هذه السياسات صبّت في النهايه في بوتقه العنف والرغبه في الانتقام والذي يُترجَم حالياً في شكل عنف فردي او من خلال الانضمام الي داعش وغيرها.

وقد اكّدت قطر علي النقطه السابقه من خلال تاكيدها المتكرر علي ان الارهاب هو نتيجه طبيعيه لتصرفات بعض الانظمه المستبده في اشاره واضحه الي الاسد في سوريا والسيسي في مصر، ولعل المواقف القطريه التي تبلورت منذ بدايه الربيع العربي هي احدي الاسباب الرئيسيه، الي جانب عوامل اخري بالطبع، في ان احتمالات التهديد الارهابي لقطر اقل من دول خليجيه اخري كالسعوديه والامارات والكويت.

جاءت مشاركه الخليجيين في التحالف الدولي ضد داعش ليخفف من الهجوم والضغوط المستمره عليهم تحت دعوي دعم الارهاب والتطرف في المنطقه خصوصاً للسعوديه وقطر. وترغب السعوديه خصوصاً في انهاء صداع الخلافه الذي ينافس مكانتها الدينيه في نظر قطاع غير بسيط من المسلمين، وفي نظر الشباب السعودي والخليجي خصوصاً.

امّا قطر فانها ترغب في التاكيد علي تعاونها مع شقيقاتها الخليجيات في درء الاخطار بعيداً عن الخليج، بالاضافه الي تاكيد علاقاتها الاستراتيجيه بالولايات المتحده. وبالنسبه للامارات، فانها ترغب في استمرار التاكيد علي دورها في مواجهه التطرف والجماعات المتشدده في المنطقه، وربما كذلك التاكيد علي ان مواجهتها للاخوان المسلمين مجرد جزء اكبر من مواجهتها مع التطرف، كما ان المشاركه تعزز مكانتها في استراتيجيه واشنطن كشريك اساسي في الحرب علي الارهاب.

وعلي اي حال، فان التحالف الدولي كذلك كان في حاجه الي انضواء الخليجيين تحت لوائه من اجل الحصول علي الشرعيه في مواجهه الجماعات المتطرفه التي تتخذ من الاسلام مرجعيه وشعاراً لها في مماسه اعمالها، كذلك لتواجه ادعاءات الحرب علي الاسلام من قِبل الغرب.

رغب الخليجيون كثيراً في ان يكونوا جزءاً من المفاوضات مع ايران، الا انهم لم يستطيعوا تحقيق هذا الامر، ولذلك اقتصرت محاولات التاثير علي محتوي الاتفاق من خلال الضغط علي الولايات المتحده والاوروبيين لاقناعهم بوجهه النظر الخليجيه ووضع مصالحهم الحيويه في اعتبارهم اثناء المفاوضات. وبالرغم من ذلك اظهر الخليجيون قلقاً كبيراً من التوصل الي اتفاق لا يضمن لهم مصالحهم في المنطقه ويؤدي الي شرعنه النفوذ والهيمنه الايرانيه في المنطقه، خصوصاً انه تزامن مع مؤشرات عديده علي تراجع اهتمام الولايات المتحده بملفات المنطقه لحساب مناطق اخري في العالم.

دائماً ما كانت المملكه السعوديه، وربما البحرين ايضاً، متقدمه بعده خطوات علي باقي الدول الخليجيه في الشعور بالقلق من ايران؛ ذلك ان باقي الدول تتمتع بعلاقات جيده مع ايران خصوصاً علي المستوي الاقتصادي، بل ان الامارات، التي تتهم ايران باحتلال ثلاث من جزرها في الخليج العربي، لها علاقات اقتصاديه وطيده معها. ولذلك لم يكن من الغريب علي هذه الدول ان تعرب عن تفاؤلها بالاتفاق النووي، علي انه لا يجب البحث بعيداً في استخدام هذه التصريحات كمؤشرات تعبر بدقه عن مواقف الدول الخليجيه من الاتفاق النووي؛ فالبلدان الخليجيه لها مخاوف حقيقيه من هذا الاتفاق، خصوصاً انه ليس اتفاقاً دائماً.

وعلي اي حال فان السعوديه، وهي علي راس النظام الخليجي، وفي ظل حكم الملك سلمان الذي اعطي الاولويه مره اخري للملف الايراني، تبدو عازمه علي المضي قدماً في تشكيل تحالفها المضاد للتحركات الايرانيه في المنطقه، ويبدو ان الخليجيين عازمون علي مواجهه النتائج التي قد يسفر عنها هذا الاتفاق ويتضح ذلك من التحركات السريعه التي بدات في اليمن بمجرد التوصل الي الاتفاق النووي. كما تشير تقارير متعدده خرجت مؤخراً علي جهود كبيره من اجل التوصل الي حل سياسي للازمه في سوريا، وهو ما تؤكد عليه الدول الخليجيه، وفي حال فشل هذه الجهود فان سوريا مرشحه لان تكون ساحه المواجهه الكبري بين الحلف الخليجي والحلف الايراني في المنطقه.

لعب الخليجيون دوراً شديد الاهميه في تشكيل تحولات المنطقه في السنوات الماضيه بدءاً من الربيع العربي واختلاف الرؤي الخليجيه حول التعاطي معه والذي تحول الي تنافس شديد هدد الكيان الخليجي ذاته، مروراً بمساهمه السياسات الخليجيه في صعود نجم تنظيم داعش الارهابي ومحاولاتهم اللاحقه لتحسين صورتهم امام الغرب من خلال المشاركه في التحالف الدولي ضد التنظيم. وصولاً الي الاتفاق النووي الايراني والمخاوف الخليجيه من توسع ايراني في المنطقه وهو ما دفع الخليجيين الي تسريع الخطوات في اليمن بعد فتره من الجمود وكذلك لرغبتهم في التركيز علي الملف الاكبر في المنطقه، سوريا.

وبالرغم من غياب او ضعف التاثير التقليدي لبعض الفاعلين التقليديين في المنطقه مثل مصر وسوريا قد دعّم من الادوار لاتي قاموا بها، فاننا نلحظ غياباً واضحاً لرؤيه او استراتيجيه خليجيه للتعامل مع ملفات المنطقه، والدليل الابرز علي ذلك هي النتائج التي خلّفها الدور الخليجي والذي ادّي الي فوضي غير مسبوقه في هذه المنطقه شديده الحساسيه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل