المحتوى الرئيسى

علاقة التغير في مصر بين الثورة و"الانتحار"!

08/20 16:15

قصه شاب مصري كان لحياته اثر وفي استشهاده اثر اكبر، فتكاد تندر او تختفي قصته من ذاكره المجتمع بعد مرور اعوام عده علي استشهاده او كما يطلق عليه اول شهيد للتطبيع، فقليل جدًّا من يعرفون قصته، حتي تناول الصحافه لقصته ياتي بشكل سطحي، ثم ظهرت علي السطح مره اخري اثناء زياره حمدين صباحي المرشح الرئاسي وقتها و التحدث عنه كمثال للشاب الناصري الذي وقف امام ديكتاتوريه السادات.

في يوم الثلاثاء ٢٦ فبراير/ شباط ١٩٨٠ وهو اليوم المحدد لاستقبال السادات للسفير الاسرائيلي إلياهو بن إليسار في قصرعابدين لتقديم اوراق اعتماده كاول سفير اسرائيلي في مصر بعد معاهدة كامب ديفيد، في ذلك الوقت كان الشاب المصري سعد حلاوة ابن مدينه أجهور الكبرى في محافظة القليوبية قد عقد العزم علي القيام بشيء ضد هذا الاتفاق، اخفي ما سيفعله عن اصدقائه عندما كان يجلس معهم، واكتفي فقط بان ما سيفعله سوف يكون مفاجاه بالنسبه للجميع.

توجه سعد في تمام الثانيه عشر ظهرًا الي المركز المحلي لمدينه اجهور، وصعد الي الدور الرابع ثم توجه الي مكتب سكرتير المركز، ظن في البدايه سكرتير المركز ان سعدًا اتي لالقاء التحيه او مساله يريدها منه، لكن علي العكس تمامًا فقد بدا سكرتير المركز بالصراخ بان سعدًا يريد ان يفجر نفسه فهرب كل من كان بالمركز خائفًا.

في تلك الاثناء كان سعد قد نصب الميكروفون وبدا الحديث عن ديكتاتوريه السادات وعدم شرعيه التطبيع مع الكيان الصهيوني، ثم طالب برحيل السفير الاسرائيلي عن مصر وعدم وجود تمثيل دبلوماسي بين مصر واسرائيل.

ذهب اهل القريه الي عم سعد "عمده القريه" واهله من اجل اقناعه بترك الرهينتين الذين احتجزهما داخل المركز ولكن كل محولاتهم باءت بالفشل، استمر سعد متمسكًا بمطالبه وبدا يذيع عبر الميكرفون خطبًا للرئيس جمال عبد الناصر وبعض الاغاني الوطنيه والقران الكريم وكل فتره يعود ويكرر مطالبه، تجمع اهالي القريه بجوار المركز لمتابعه ماذا يحدث، منهم من كان يؤيد مطالب سعد والاخر كان يؤيد ولكن كان معترضًا علي الطريقه ولكن الجميع كان يريد ان يقول ما لم يستطيع قوله سوي سعد.

لم تاخذ قوات الامن الاتيه من قسم شرطه المدينه وقتًا حتي تنتشر في جميع ارجاء المكان، بعد عده دقائق وصل اللواء احمد مختار بقوه من مديريه الامن في حدود 3 الاف مجند امن مركزي وعده قناصين انتشروا فوق اسطح المباني المجاوره، ظل سعد يرفض كل محاولات النصح من اسرته ومن اهل القريه، فما يفعله لن يغير شيئًا بالنسبه لهم، فما كان قد كان والسفير الاسرئيلي استلم اوراق اعتماده واصبح هناك تمثيل دبلوماسي بين مصر واسرائيل، ولكن استمر في المطالبه برحيله.

لم يكن يتوقع سعد النتائج التي ستؤول اليها مطالبه، حتي اتي وزير الداخليه (النبوي اسماعيل) بنفسه مكلفًا من الرئيس انور السادات شخصيًّا. حاول مره اخيره ان يقنع سعدًا بترك الاسري يرحلون والاستسلام -السادات كان يظن ان سعدًا عميل لدوله ما او يتبع تنظيمًا مناهضًا لحكمه واراد استجوابه- لكن لم يستجب لهم فتلقي وزير الداخليه امرًا من انور السادات بالتخلص من تلك المشكله وعدم تكرر تلك الحوادث اثناء تواجد السفير الاسرائيلي مره اخري.

وفي تمام الساعه السابعه في يوم 27 فبراير/ شباط بدات قوات الامن المركزي في القاء القنابل المسيله للدموع داخل المركز وحين اشتد الضرب ترك سعد الرهائن يرحلون حتي لا يختنقوا بالغاز وبقي وحده متحصنًا داخل المركز، ولكن بدات الامطار تهطل فتوقف الضرب حتي تمام الساعه الثالثه حين اعطي وزير الداخليه امرًا للقناصه بالتعامل مع سعد فاطلقوا عليه النار.

دخل اقارب سعد المركز وصعدوا الي الدور الثالث حيث كان متحصنًا فوجدوه ملقيً علي الارض ويده ممدوده وعليها اثار دمه الي الحائط ومكتوب "عاشت مصر حره"، لم يحضر احد جنازه سعد؛ لان الداخليه منعت اقامه جنازه له واكتفت بدفنه في مقابر عائلته فقط، وفي ذلك اليوم كتبت الصحف القوميه عن حادثه سعد بعض العناوين مثل: "فلاح يعتلي الجمعيه الزراعيه ويطالب بادوات زراعيه"، وكتبت اخري: "مجنون يحتجز رهائن ويتمتم بكلمات غير مفهومه"، هكذا مات سعد وهكذا قالوا عنه وبقي السفير الاسرئيلي في مصر وبقيت قصه سعد الذي اراد ان يسبح عكس التيار.

هكذا مثل الامواج انهكت الثوره من الضربات المتتاليه التي لاحقت كل من شارك بها منذ تنحي مبارك واداره المجلس العسكري للبلاد، وظلت هكذا مع انكفاء القوي المشاركه في الثوره وشيوعًا لظواهر الفرقه بينهم، بينما كان العسكر وبقايا النظام السابق ينظمون انفسهم ويبدؤون في عمل ثوره مضاده سياسيًّا و اقتصاديًّا من بعد ثوره مفاجئه اطاحت براس النظام، فكان واضحًا للجميع ان القوي الثوريه بجانب جماعه الاخوان كان تفاعلها مع حقائق هزيمه الثوره لصالح الثوره المضاده قائمًا علي المواجهه فحسب.

حتي اتي يوم فض رابعه العدويه والقتل الوحشي الذي تعرض له الاخوان المسلمين -يمكن ان تكون تلك العمليه شبيهه بعمليه قتل سعد فالوحشيه التي استخدمت هنا وهناك لم تكن من اجل التخلص منهم فقط، لكن لضمان عدم تكرارهم في المستقبل-، فمشروع التغير المنشود قد غرق في بحر الجنون الذي غرق فيه كل من كان يطالب به، فاصبح بعيد المنال او اقرب الي المستحيل في الوقت الحالي، فالمجتمع كله منهك وليس القوي الثوريه فقط، والحديث عن ثوره في الوقت الحالي والوقوف امام تحالف العسكر والدوله العميقه اشبه بموقف سعد حين طالب برحيل السفير الاسرائيلي سباحه عكس التيار ستؤدي في النهايه الي الغرق.

السباحه عكس التيار لا تفيد، لن تستطيع ان تواجه الامواج لمده طويله فستنهكك وستموت غرقًا في النهايه، لكن اذا علقت في تيار شديد فاسبح معه حتي تصل الي منطقه امنه او شاطئ، فهي اسلم حل للخروج بامان من المياه، كانت تلك اول نصيحه لي عندما تعلمت السباحه، لكن يبدو ان تلك النصيحه لا تناسب فقط السباحه في المياه!

كان يمكن تجنيب البلاد الالاف من القتلي والمعتقلين وحاله الياس التي اصابت الجميع، كان يمكن لو علمت جماعه الاخوان والقوي الثوريه ان الثوره هزمت قبل مشهد 30 يونيو الذي كان فقط حفل التنصيب، كان يمكن لجماعه الاخوان حل اعتصام رابعه وتجنب مواجهه العسكر في الحرس الجمهوري وعدم الذهاب الي التهلكه بارجلنا، كان يمكن الاعتراف بالهزيمه الثوره والانسحاب باقل الخسائر وتجنب الوضع الحالي، ثم محاوله التنظيم مره اخري كما فعلت الثوره المضاده، كان يمكن في تلك الفتره وضع استراتيجيه للمواجهه والبناء وخلق بديل يمكن ان يقدم للمجتمع بديلًا عن العسكر.

سانهي بالاسئله لانها تحمل في اعطافها وحناياها حيره الكاتب وبعضًا من تردده وربما اختلاط الامور.

علي مدي ما يقارب الثلاثه اعوام ما هي فاعليه كل الدعوات التي اطلقتها جماعه الاخوان وغيرها من القوي الثوريه؟

هل اضعفت التظاهرات النظام او اصبح اكثر دمويه وعنفًا واستمد شرعيه لاصدار قوانين تلقي باكثر من 50 الف شخص في السجن ومئات الاحكام بالاعدام؟

هل كان يمكن تجنب المذابح التي قام بها العسكر؟

ما البديل الذي يمكن تقديمه للمجتمع عن العسكر؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل