المحتوى الرئيسى

بوكو حرام: أزمة إدارة التعددية الدينية فى نيجيريا

08/20 16:00

شهدت القاره الافريقيه منذ منتصف الثمانينيات عدداً من الخطوات الايجابيه والتي تاتي في مقدمتها عمليه التحول نحو الديمقراطيه التعدديه، ولعل ابرز هذه التجارب هي التجربه النيجيريه، حيث انها اكتسبت اهميه خاصه في سياق التحول الديمقراطي في افريقيا؛ نظراً لمكانه نيجيريا الاقليميه والدوليه وكونها تطرح نموذجاً واضحاً لاشكاليات وتحديات مرحله الانتقال الديمقراطي في افريقيا، حيث انتقلت السلطه عام 1999 من العسكريين الي المدنيين وتشكّلت الحكومه برئاسه اوباسانجو.

الا ان هذا التحول تخلله بعض العقبات والصعوبات علي الرغم من ان التعددية الدينية هي اهم ما يميز نيجيريا وتعد مؤشراً هاماً من مؤشرات التحول الديمقراطي، حيث ان النظام الديمقراطي في استراتيجيته يتبع سياسات تكفل حقوق الجماعات المختلفه، اذ توجد حوالي 250 جماعه عرقيه ولغويه ودينيه مما يؤدي الي زياده حده الصراعات القبليه والنزعات الانفصاليه.

ويتخذ الصراع بين الاثنيات المختلفه صوراً عديده منها ما هو اقتصادي وما هو ديني او اقليمي، كما تشكّلت العديد من الجماعات والحركات الدينيه، ولعل ابرز هذه الجماعات تشدداً وتخريباً في نيجيريا هي جماعه بوكوحرام والتي ظهرت عام 2002، وعلي الرغم من اعمال العنف والقتل التي قامت بها هذه الجماعه فان الحكومه النيجيريه لم تتخذ ايه تشريعات او قرارات لردعها.

ومن هنا نتوصل الي ان هناك اشكاليه في اداره الدوله للتعدديه الدينيه في نيجيريا تواجه عمليه التحول الديمقراطي منذ عام 2000 والتي ادت بدورها الي ظهور جماعات متطرفه متعدده منها جماعه بوكوحرام.

نالت نيجيريا استقلالها اول اكتوبر 1960، عاصمتها ابوجا Abuja العاصمه الاداريه وهي العاصمه الاتحاديه الجديده للبلاد منذ 12 ديسمبر 1991، تعد نيجيريا فيدراليه علمانيه فنظام الحكم بها جمهوري رئاسي فيدرالي[1]، تتسم نيجيريا بانها واقع اجتماعي يتسم بالتعدديه والانقسام، ليس فقط علي اسس دينيه ولكن ايضاً علي اسس اقليميه واثنيه ولغويه، وهناك ثمه انماط مختلفه من التعدديه في المجتمع النيجيري، ومن اهم هذه الانماط:

هناك تمييز بين الشمال (شمالي نهر النيجر) والجنوب (جنوبي نهر النيجر)، وفي الشمال هناك تمييز بين الشمال الاعلي (المسلم) والشمال الادني (وهو ما يعرف ايضاً بالحزام الاوسط حيث تعيش اقليات تغلب عليها المسيحيه والوثنيه)، وفي الجنوب ايضاً هناك تمييز بين مناطق اليوروبا (في الغرب) ومناطق الايبو (في الشرق) ومناطق الاقليات (في الوسط، وقد انقسم النيجيريون في مناسبات عديده علي اساس انتمائهم الاقليمي.

وهي من ابرز انماط التعدديه وضوحاً في المجتمع النيجيري، حيث يعيش في نيجيريا ما لا يقل عن 250 جماعه اثنيه، وهذه الجماعات تتفاوت تفوتاً كبيراً في حجمها ولغاتها وثقافتها، فهناك 3 جماعات كبري تشكل نحو 66% من سكان نيجيريا، وهذه الجماعات هي:

ينقسم سكان نيجيريا بشكل اساسي – من الناحيه الدينيه – الي مسلمين ومسيحيين، ومع نهايه القرن الميلادي العشرين شكّل المسلمون نحو 53% من سكان نيجيريا، والمسيحيون 39%، واتباع الديانات التقليديه 8%، لذا يمكن القول بان التعدديه الدينيه في نيجيريا تعتبر في حقيقه الامر ثنائيه دينيه (اسلاميه-مسيحيه) وخاصه من منظور العلاقه بين الدين والسياسه وذلك بسبب:

لم تكن تلك التعدديه الدينيه تُحدِث اشكاليه واضحه حيث ان دستور 1999 في نيجيريا كان يقوم علي فكره التعدديه وحريه الاديان، كما ارتبط التنظيم السياسي للاحزاب في نيجيريا الي حد كبير بالانتماءات القبليه، كما شهد هذا العام تحولاً كبيراً في تاريخ نيجيريا السياسي، حيث تم نقل السلطه من العسكريين الي المدنيين وفاز بالرئاسه اوباسانجو وهو مسيحي الديانه واكتسبت هذه الانتخابات اهميه خاصه نظراً لانها كانت مرحله فارقه ما بين التحول الي الحكم المدني والديمقراطي او الانتكاسه والعوده مره اخري الي حكم العسكريين الذي ظل يهيمن علي البلاد طيله اكثر من ثلاثين عاماً منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1960[3].

صاحب اوباسانجو مظاهر للتحول الديمقراطي في نيجيريا، حيث اتخذ اوباسانجو عدداً من الخطوات للانتقال بنيجيريا الي ثبات الديمقراطيه وتحرير الاقتصاد، كما تمت استعاده حريات كثيره كانت منكره في زمن الدكتاتوريه، ووضع سياسه خارجيه تدعم الديمقراطيه وتحفظ السلام للبلاد، كما رفض تطبيق الشريعه الاسلاميه في شمال نيجيريا حيث انه ينادي بمبدا العلمانيه وفصل الدين عن الدوله وهذا هو ما دعا الي صراع ديني في نيجيريا.

لقد استبشر كثيرون بانتقال السلطه من العسكريين الي المدنيين عام 1999، لكن هذا الاستبشار لم يدم طويلاً، بعدما ازداد الوضع تازماً وتسارعت وتيره الاضطرابات، حيث لم يمض سوي ايام قلائل علي تولي الرئيس اولوسيغون اوباسانجو الحكم حتي بدات البلاد ترتج من الاعماق بالعديد من الاشتباكات الطائفيه والقبليه والسياسيه، وكان نتيجه حتميه للتعدد الديني والصراعات التي تعقبتها ان تظهر وتتشكّل الجماعات الدينيه والتي اهمها جماعه بوكوحرام.

ظهرت جماعه بوكوحرام عام 2002 والتي تعني بلهجه قبائل الهاوسا "التعليم الغربي حرام"، اما الاسم الذي يرددونه ولا يرضون اسماً سواه هو "جماعه اهل السنه للدعوه والجهاد"، اسس هذه الجماعه هو "محمد يوسف" وتهدف الي منع التعليم الغربي والثقافه الغربيه عموماً التي تري انها افساد للمعتقدات الاسلاميه والي تطبيق الشريعه الاسلاميه، وتستهدف في عملياتها خصوصاً عناصر الشرطه ومراكز الامن وكل من يتعاون مع السلطات المحليه[4].

من اهم اسباب تنامي جماعه بوكوحرام وزياده نشاطها:

بصفه عامه يمكن التمييز بين مجموعتين من الاليات في اداره الدوله للتعدديه الدينيه، تتضمن الاولي منها الاليات السلميه اما المجموعه الثانيه فتشمل الاليات غير السلميه المتبعه من قِبل النظام واجهزته المختلفه بغيه مواجهه الصراعات للحيلوله دون تفاقمها.

منذ عوده الحكم المدني في نيجيريا 1999 اعلن اوباسانجو حرصه علي احترام حقوق الانسان حتي في ظل الصراعات الداخليه التي تشهدها نيجيريا اياً كان الهدف منها او الاساس الذي تقوم عليه، وبالفعل فقد لجات الحكومه الي الحوار مع بعض الجماعات المتورطه في اعمال العنف لمحاوله التعرف علي مطالب هذه الجماعات وتلك الحركات وتهدئه القائمين عليها من خلال منحهم بعض المكاسب السياسيه والاقتصاديه التي تستهدف استماله هؤلاء المعاديين للنظام، وجذبهم تدريجياً له او علي الاقل تحييدهم تجاهه، والتخفيف من وطاه العنف الذي يواجهه المواطنون في نيجيريا، ومن جهه اخري فقد تبنت القياده السياسيه في نيجيريا وبخاصه في عهد اوباسانجو استراتيجيه تقوم علي تشكيل لجان قضائيه تتولي اداره الصراعات لاسيما ذات الطابع الديني او الاثني.

ولقد كانت الاليات غير السلميه هي الاكثر شيوعاً واستخداماً من قِبل الحكومه المتعاقبه علي السلطه في نيجيريا خلال تلك الفتره وذلك عاده ما كان يتم من خلال ارسال قوات امن للسيطره علي الصراعات في مناطق اندلاعها، ولقد اثبتت العديد من التقارير الدوليه تورط اجهزه الامن في نيجيريا في اعمال عنف ضد اي صراع يقوم في اي ولايه من ولايات الاتحاد، بدءاً بالاعتقالات والتعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الانسان وصولاً للاغتيالات التي كانت تحدث بشكل يومي دون ايه محاكمات للضباط القائمين بها.

اما عن تعامل الحكومه مع جماعه بوكوحرام فقد ظلت الحكومه النيجيريه تهاجم جماعه بوكو حرام بعناد علي مدي السنوات الخمس الماضيه، والي الان لا يوجد سبب واضح حول تباطؤ الحكومه في التعامل مع هذه الجماعه علي الرغم من ما تقوم به هذه الجماعه المسلحه في نيجيريا، اللهم ان كان هناك بعض المحاولات التي تعد الي حد ما جيده ولكن معظمها باءت بالفشل[5].

وختاماً .. بالرغم من تطويع كافه الاليات السلميه وغير السلميه للتعامل مع الصراعات في نيجيريا الا ان اياً من هذه الاليات لم تمكن النظام من مواجهه الصراعات واستعاده الهدوء والاستقرار الي مختلف اقاليم الدوله، ولذا يمكن القول ان الحكومات المدنيه التي عرفتها نيجيريا منذ قيام الجمهوريه الرابعه لم تستطع الحيلوله دون تفاقم الصراعات وامتدادها بين ولايات الاتحاد سواء بالاكراه او بالاغراء، ولعل ذلك مرده الي عدم قدره هذه الحكومات وتلك النظم علي مواجهه المشكلات المسببه للصراع والتي تتسم بغلبه البعد الاقتصادي علي ما عداه من عوامل اخري وكانها الباعث الرئيسي المحرك للصراع سواء كانت اثنيه او دينيه او غير ذلك.

وفي هذا الاطار فقد اصبحت نيجيريا تعيش حاله من عدم الاستقرار السياسي، الامر الذي يجعل من امكانيه استعاده الاستقرار في ظل هذه الظروف امراً من الصعوبه وخاصه اذا ما توافرت اراده سياسيه حقيقيه لمواجهه المشكلات السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه التي يعيشها المواطنون في نيجيريا علي نحو ما يؤدي لاستعاده الثقه بين الحاكم والمحكوم في الدوله[6].

نخلص من ذلك ان نجاح او فشل التعدديه الدينيه في دوله ما لا يتوقف علي عدد الطوائف الدينيه او الاثنيه بها وانما يتوقف بالاساس علي تعامل الدوله وادارتها لهذه التعدديه، فاذا نجحت الدوله في اداره التعدديه الدينيه بشكل يمثل جميع الطوائف الدينيه عن طريق الاندماج والاستيعاب ونشر قيم المواطنه اصبحت التعدديه هذه اكثر ما تتميز به هذه الدوله، اما اذا فشلت الدوله في اداره هذه التعدديه سنجد انها سرعان ما تتحول الي صراع وعنف وارتكاب احداث قتل وخطف مثلما حدث في نيجيريا.

[1] "معلومات اساسيه عن جمهوريه نيجيريا الاتحاديه"، افاق افريقيه ، الجزء الاول ، العدد الثاني ، صيف 2000.

[2] د. صبحي قنصوه ، الدين والسياسه في نيجيريا ، دراسات افريقيه ، 2004.

[3] بدر حسن شافعي ، "الانتخابات النيجيريه: خطوه نحو الديمقراطيه" ، الاهرام الرقمي ، يوليو 2003.

[4] "حركه بوكوحرام النيجيريه"، قراءات افريقيه ، يوليو 2014.

[5] نهي محمد مجاهد ، "بوكوحرام .. ماذا بعد نيجيريا ؟"، الاهرام ، اغسطس 2014.

[6] شيماء محي الدين محمود ، "الانتخابات والاستقرار السياسي في نيجيريا"، مجله الشئون الافريقيه ، (جامعه القاهره: معهد البحوث والدراسات الافريقيه) ، المجلد الثاني، العدد السابع، يوليو 2014، ص 75-81.

فورن افيرز: تنظيم "الشباب" يدعو مسلمي كينيا بالحسني

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل