المحتوى الرئيسى

«الكنز» لكورينلو بورومبويو.. استنساخ رومانيّ لـ «روبن هود»

08/20 10:13

بوخارست في الالفيه الثالثه. رجلان في حفره علي مدي يوم وليله. حلمهما: «اصطياد» كنز عائلي غامض. غرضهما: رجم سلالات ضيّعت فرصاً تاريخيه في الثراء، وما يجلبه من انعتاق وبركات. الاول، لمجاهرته بتحرّر جازم من طبقيه متحزّبه ومهترئه. الثاني، لاختراقه مراتب اجتماعيه متناقضه، ارتبط قديمها (المراتب) بعهد سياسي بائد، وحديثها ولّدته ظروف استعمار عصريّ لراسماليه غربيّه وحشيه، اعلنت انتصارها مع سقوط جدار حديديّ، وانزياح فكرهِ ازليهِ حجارتِهِ وايديولوجيته. ربط الروماني كورينلو بورومبويو في روائيّه الطويل الرابع «الكنز» بين «الاشتراكي» الانكليزي الاسطوري الاول «روبن هود» وبطليه ادريان وكوستي، الساعيين الي استكمال تاريخ مقطوع. علامته ثروه مطموره، ورهانه تعميم غنائمها علي الجميع. انها مزحه بورومبويو المتكرّره حول مساعي ابطاله في التحايل علي اقدار وتواريخ يخلقها لهم ازلام دوله توتاليتاريه، انتهت منذ العام 2007 الي حضن جشعٍ اوروبيّ كاسح.

اكترث كورينلو بورومبويو (مواليد فاسلوي، 1975) بشخصيات مهزوزه، ومليئه بالشكوك، وانتكاسيه، وسريعه العطب، ومُرَاوِغه كاستعاره الي حقب عصيّه، ارغمت المواطن الروماني العادي علي مسايره اوليغارشيه استمرات مَنْ يُذعن لخيبه اجتماعيه ومسلكيه ريفيه، ولعثرات مدينيه تراوحت بين نفوذ مافيوي مستحدَث، وفساد ادارات، واكراه علي تغيير انماط معيشيه، وغيرها، مَثَلت فيها مغامره بطليّ «الكنز» نموذجاً حرفياً للايمان بـ «بخت» لا يُرتَهن الي سؤال حول سداده، بل الي جني ثماره حتي وان تطلّب وقوعهما في فِخاخِ وضاعاتٍ شخصيهٍ، مثّلتها حفره كبيره وجدا نفسيهما فيها وسط حديقه اجداد ادريان (ادريان بوركارسكو).

انهما تجسيد كاريكاتوري لـ «روبن هود» بجسدين وعزمين. يريد هذا الشاب المال الموعود لانقاذ قصر الاسلاف ـ الذي شهد حقباً مجيده قبل ان يتحوّل الي نادٍ للتعرّي ـ من استحواذ الاغنياء الجدد عليه، فيما لا يكشف جاره كوستي (كوزين توما) عن حلمه الاّ في المشهد الختامي. اذاً، ما مقاصد الـ 89 دقيقه ومشاهدها، التي تبدا مع ابٍ يقرا لابنه الصغير حكايه سلاّب انكليزي، وتنتهي به موزِّعاً «غنائمه» تحت انوار فردوسيه باهره؟ الجواب: التفكيك. في هذه الكوميديا الماكره، استعار بورومبويو عنواناً ذا مغزي عرفانيٍّ اسماه «حفره التاريخ»، متابعاً ـ ضمن فصوله التي صوّرها بشاشه عريضه ولقطات طويله ثابته ومُنجزه بتقنيه «ديجيتال»، مع هندسه اضاءه لافته للانتباه ـ سيروره عائله ادريان الغنيه، ومراوغاتها لضربات السياسه والحروب منذ ثوره 1848 الاصلاحيه، مروراً بالاحتلال النازي، حتّي تاميمات الشيوعيين. فجذر الروماني هو قلب اوروبا القديمه، الذي لم تُحدِّث الانقلابات التقنيه الكبري دماءه الاّ في وقت متاخر، نجد اشاراتها في الفيلم باجهزهِ رصدِ معادن، اصبحت بطلاً نوعياً ثالثاً، رسمت حدود دوافعهما وامانيهما لحياه رغيده. وكلما ارتفع ازيزها، نشهد تهاوي كيانهما. فما يفعلانه، في واقع الامر، هو تفكيك انتسابهما الي بقعه اصرّت بعناد نادر علي ستر سرِّها.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل