المحتوى الرئيسى

الإسلام السياسي في كردستان بين الديني والقومي

08/19 21:48

لا يمكن النظر الي تاريخ الحركه الكرديه في اجزاء كردستان دون الدور التاريخي الذي قام به رجال الدين سواء في كردستان العراق، او في كردستان تركيا.

ومن هؤلاء الشيخ محمود الحفيد من كردستان العراق الذي نفته بريطانيا (كانت تحتل العراق وقتها) الي الهند بعد اعلانه مملكة كردستان، والشيخ سعيد في كردستان تركيا الذي قاد ثوره اسلاميه ببعد قومي ضد الغاء مصطفى كمال (اتاتورك) الخلافة الإسلامية عقب اعلانه الجمهوريه التركيه عام 1923.

ومع ذلك فان الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي في كردستان يُعد حديث النشاه، وتجربته تحمل اسئله جدليه عن كيفيه التوفيق بين البعدين الديني والقومي في المعركه السياسيه الجاريه في اقليم كردستان.

مع ان جذور الحركات الإسلامية في كردستان العراق تعود الي مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، وظهرت كامتداد طبيعي لحركة الاخوان المسلمين في مصر، متاثره بافكار حسن البنا، فان هذه الحركه لم تتجسد في تنظيم سياسي الا في نهايه السبعينيات مع الشيخ عثمان عبد العزيز الذي اسس الحركه الاسلاميه في كردستان عام 1978.

بيد ان انتشار حركات الاسلام السياسي في اقليم كردستان برز بشكل اساسي في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، متاثرا بحدثين اساسيين:

الاول: قيام الثورة الإسلامية في ايران عام 1979 التي كانت لها الدور الاكبر في بروز حركات إسلامية جديده او ولاده حركات جديده انشقت عن الحركه الاسلاميه، قبل ان تتحول الاخيره الي الإتحاد الإسلامي الكردستاني. والثاني: الانفصال العملي لإقليم كردستان العراق عن المركز عام 1991 وولاده تجربه الاقليم في ظل مناخ سياسي برز فيه دور حركة طالبان وغيرها من الحركات التي كانت لها تاثير في ولاده حركات اسلاميه في مناطق مختلفه من العالم الاسلامي بينها كردستان.

وقد اتسمت الحركات الاخيره بالجهاديه والقتال وممارسه العنف وسيطره الهاجس الامني، فكان تنظيم عصبه الانصار بزعامه الملا كريكار وانصار الله وحزب الله بزعامه ادهم البارزاني، وغيرها من الحركات الاسلاميه المتشدده التي اتخذت من المناطق الحدوديه مع ايران، ولاسيما حلبجه ورانيه وقلعه دزه معاقل لها، ودخلت في صدام دموي مع الاحزاب الاساسيه في كردستان ولاسيما الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامه جلال الطالباني عام 1993، ثم الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامه مسعود البارزاني.

وقد لجات هذه الاحزاب الي تصوير الحركات الاسلاميه التي انتهجت العنف واقامه امارات اسلاميه في المناطق الحدوديه والجبليه النائيه كحركات ارهابيه علي صله بتنظيم القاعده وحركه طالبان، حتي ان الولايات المتحده قصفت مواقعها وقتلت العشرات من انصارها، بل ان زعيم تنظيم عصبه الانصار الملا كريكار يحاكم منذ سنوات في النرويج بوصفه ارهابيا علي صله بتنظيم القاعده حيث يعيش تحت الاقامه الجبريه.

وقد ظهرت هذه التجربه الصداميه من قبل الحركات الاسلاميه التي نادت باقامه دولة إسلامية كتجربه بلا افق سياسي في كردستان، ولعل هذا ما دفع بهذه الحركات الي مراجعه تجربتها، ومحاوله المواءمه بين بعدها العقيدي والايديولوجي والسعي الي اقامه دوله اسلاميه، وبين الممارسه السياسيه التي تقوم علي خوض الانتخابات والمشاركه في الحياه السياسيه والعامه من منظور حزبي يعتمد الواقع الاجتماعي والسياسي لتجربه اقليم كردستان في الاداره والحكم، وهي تجربه وضعته علي مقربه من الاستقلال واقامه الدوله.

في الاجمال يمكن القول ان خريطه الحركه الاسلاميه في كردستان تتشكل من مجموعه من الاحزاب والقوي التي تبحث عن موقع ثابت لها في الخريطه السياسيه الحزبيه التي تتنافس بقوه علي المشهد السياسي، ولعل من اهم هذه الاحزاب والتيارات:

1- تيار الجماعه الإسلاميه في كردستان العراق بزعامه الملا علي بابير، وهو انشق عن الحركه الاسلاميه بعد تفاقم الخلافات بينه وبين مرشد الحركه الاسلاميه الملا علي عبد العزيز الذي تسلم الحركه بعد وفاه شقيقه عثمان عبد العزيز، وقد انتشرت الجماعه بشكل اساسي في الريف الجبلي، وتتميز بوجود العديد من التيارات السياسيه بداخلها، وعلي الرغم من اعتمادها مفهوم الجهاد والشوري الا انها انخرطت بقوه في العمليه السياسيه والانتخابيه في السنوات الاخيره.

2- الاتحاد الاسلامي الذي يشغل امينه العام حاليا محمد فرج خلفا لصلاح الدين بهاء الدين، وهو يعتبر الفرع الكردي للاخوان المسلمين في العراق، وقد تاسس عام 1994، ويُعد عمليا التنظيم الرابع في كردستان بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحركه التغيير، ويعتبر الاكثر شعبيه بين الحركات الاسلاميه في كردستان العراق.

3- جماعه أنصار الاسلام بزعامه الملا كريكار واسمه الحقيقي نجم الدين فرج، ويكني (ابو سيد القطب). وتاسست عام 2001 وانتهجت في البدايات العنف واصطدمت مع الاحزاب الكرديه ولاسيما الاتحاد الوطني الكردستاني.

4- الي جانب هذه التنظيمات الاساسيه ثمه مجموعه من التنظيمات الصغيره التي تعتمد العنف والسريه في عملها، ولعل ابرزها تنظيم جند الاسلام والوحيد وحماس الاسلامي في كردستان، وغالبا ما تكفر هذه التنظيمات الاحزاب الكرديه الكبري وتتهمها بالالحاد والعماله لاميركا، وسجل لبعض عناصرها المشاركه في القتال في سوريا.

كان لافتا قبل فتره اعلان زعيم الاتحاد الاسلامي الكردستاني محمد فرج انه يعمل من اجل اقامه الدوله الكرديه المستقله، مطالبا بحل المشكلات بين بغداد واربيل، وقد جاء هذا الاعلان في سياق سياسي له علاقه بالانتخابات البرلمانيه التي جرت والسعي الي تشكيل حكومه جديده في كردستان، حيث حققت الحركه الاسلاميه نتائج جيده في هذه الانتخابات (الاتحاد الاسلامي عشره مقاعد والجماعه الاسلاميه سته مقاعد) وهي نتائج حفزت لمشاركه الحركه الاسلاميه في الحياه السياسيه العامه في البلاد من خلال اوسع مشاركه في الحكومه.

وقد شكل هذا المسار تطورا نوعيا في مسيره الحركه الاسلاميه، دفع بعدد من المتابعين الي طرح سؤال مستقبلي عن امكانيه تكرار تجربه حركه حماس في قطاع غزه مع الحركه الاسلاميه في كردستان عبر الانتخابات رغم فارق التجربه بين غزه وكردستان لجهه اختلاف الظروف وطبيعه القوي السياسيه واختلاف تجربه الحكم.

ومهما يكن، فانه يمكن النظر الي اشكاليه الجدل القومي والديني لدي الحركه الاسلاميه في كردستان من زاويتين. الاولي: التطور الكبير في خطاب الحركه الاسلاميه لجهه الانتصار للانتماء القومي والوطني الكرديين بالتوافق مع البعد الديني، ويظهر هذا الامر اكثر كلما صعد الخلاف بين اربيل وبغداد الي السطح، وكذلك انسجاما مع صعود التطلع الكردي نحو الاستقلال.

الثانيه: له علاقه بتحديد طبيعه الحكم في كردستان، وهنا يبرز تمسك الحركه بالشريعة الاسلامية كاساس للدستور وامكانيه تطبيقها في كردستان، وقد تفجر هذا الامر جليا خلال مناقشه البرلمان الكردي لدستور اقليم كردستان، حيث اصرت الاحزاب الاسلاميه علي التمسك بمطلبها السابق في ظل تمسك الاحزاب الاساسيه الكبري بدستور علماني، يحمي الحقوق المدنيه فضلا عن حقوق القوي والطوائف الدينيه والمذهبيه في البلاد.

وعلي الرغم من ان الاسلاميين كانوا يدركون مسبقا انهم سيخسرون هذه المعركه نظرا لمحدوديه وجودهم في البرلمان الا انهم خاضوها انطلاقا من البعد العقيدي والايديولوجي، وهو عمليا ما ادي الي زياده الانتباه الي الحركه الاسلاميه ومراقبه نشاطاتها لاحقا، تجلت بشكل اساسي في كيفيه جمع الموارد الماليه وطرق صرفها ولمن تصرف وكيف؟

في الواقع، بغض النظر عن مدي التداخل بين البعدين الديني والقومي في خطاب الحركه الاسلاميه الكردستانيه، فان ثمه محاوله للتوفيق بين البعدين وفقا لمعادله سياسيه كرستها تجربه اقليم كردستان في الحكم، وهي تجربه تقوم علي استيعاب الحركه الاسلاميه وفقا لخطاب معتدل يتيح للاقليم تطوره وتحقيق تطلعاته الكبري.

في الواقع، لا يمكن النظر الي تجربه الحركه الاسلاميه في كردستان وخصوصيتها بعيدا عن تجربه الاقليم في الحكم والاداره والاهداف، فكل طرف (الحركه الاسلاميه والسلطه) يبدو وكانه بحاجه للاخر، او يكمله في اطار التجربه الفتيه للاقليم التي حققت نجاحات لافته في الكثير من المجالات، ولعل سر مثل هذا النجاح النسبي يعود الي مجموعه من العوامل والاسباب والتطلعات يمكن وضعها ضمن الاطار التالي:

1- الحرص المشترك علي المشاركه في بناء تجربه سياسيه لاداره الاقليم وحكمه، حيث يبدي كل طرف التزامه بقواعد اللعبه الديمقراطيه وعدم الصدام انطلاقا من الخلاف الايديولوجي.

2- الاحساس المشترك لكل الاطراف بالبعد القومي وما يهدد هذا البعد، انطلاقا من ما تعرض له الاكراد تاريخيا ولاسيما في عهد نظام صدام حسين، وفي المرحله الحاليه التوتر الدائم في العلاقه بين اربيل وحكومه نوري المالكي.

3- عدم وجود تجربه صدام او عداء تاريخي بين القوي الاسلاميه والقوي العلمانيه في اقليم كردستان.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل