المحتوى الرئيسى

محمد صلاح الدين يكتب: الأهرام ليست قبورا | ساسة بوست

08/19 20:28

منذ 1 دقيقه، 19 اغسطس,2015

الاهرام ليست قبوراً ، ولكن افه حارتنا النسيان!

“في هذه الاوراق مجمل كتابي عن الهرم، فاذا قُدِر لي ان اختفي فعليك ان تسعي في اخراجه للناس؛ لانني قد توصلت فيه الي نتائج هامه، اخشي ان يمر وقت طويل قبل ان يتوصل اليها غيري، او لا يتوصل اليها احد علي الاطلاق” .

اسمه زهير علي شاكر، وتلك هي اخر كلماته التي قالها قبل ان يجري عملية جراحية خطيره، وهو يسلم لشقيقه مجموعه من الاوراق التي مثلت مشروع كتاب وضع فيه خلاصه فكره وبحثه في نقد التاريخ المصري القديم، وخاصه نقد نظريه بناء الاهرامات كقبور، وكان من الطبيعي ان يستجيب شقيقه الي هذا الرجاء، وان يحاول ان يُخرِج هذا الكتاب الذي لم يكتمل للاسف ليخرج مشروعاً ناقصاً، وفكراً مبتوراً، ولكنه في ذات الوقت فكراً جديداً يستحق التامل والنظر لانه يتحدث عن تاريخنا الذي نتصور اننا نعرفه.

نُشِر الكتاب بالفعل في عام 1993م، ولا اعلم ان كان قد اُعيد طبعه ام لا، ولكن اغلب الظن ان ذلك لم يحدث! فحمل الكتاب اسم: “اهرام مصر قلاع لا قبور .. نقد التاريخ المصري القديم” .. الغريب هنا، انه وعلي الرغم من النظره الجديده التي يقدمها الكتاب لتاريخنا الفرعوني الا ان احداً لم يهتم، فلم يرد عليه متخصص او ناقد، مادحاً كان او ذاماً، ولا اعرف ان كان هذا الاهمال مُتعَمَداً ام نابعاً عن تقصير وسهو من المتخصصين او جمهره المهتمين بتاريخنا القديم؛ فهو وان افترضنا انه تقصير فهو تقصير تعدي عمره اثنين وعشرين عاماً لم يُلتفَت فيها اليه او يُذكَر باي بقول،

ولكن ما الذي يقوله هذا الكتاب ليستحق منا الاهتمام؟

تعال معي نستدع تصورنا الحالي عن قدماء المصريين .. ان الغالبيه العظمي منهم من الفلاحين البسطاء الذين امنوا بالبعث والخلود وجعلوا منه الدافع الاول والاخير لاي شيء يقومون به .. صغيرا كان ام كبيرا، ولما اراد الفرعون الجبار الذي يؤلهونه ان يُقام له مقبره تليق بقدرِه فاذا به يُسخِر الاف العبيد ليذوقوا الهوان في بناء هرمه وليموتوا في سبيل راحته في نومته الابديه، ولكن اتلك هي الحقيقه؟ ..هل تلك الفرضيات التي يقوم عليها علم التاريخ المصري القديم صحيحه ؟ .. ان ذلك هو السؤال الذي كان يشغل بال المهندس زهير مؤلف كتابنا الذي انكب علي كتب المصريات ليثبت شيئاً واحداً الا وهو ان المصري القديم ليس بالسذاجه التي يتصورها البعض بحيث يكرس كل حياته لخدمه ملكه والهته الوثنيه .. كل شيء بلا استثناء منصباً في خدمتهم ورهن طاعتهم، وكل حدث تاريخي مرهونُ بذلك الدافع المقدس.

لقد بدا الكاتب يتطلع الي شيء ابعد من ذلك؛ فان التصور الذي تداعي لذهنه بعد دراسته لهذا الموضوع كان شيئاً ابعد مما تصور .. كان مشروع مصر الحضاري .. فالاهرام ـ من وجهه نظره ـ لم تكن قط مجرد قبور، بل لم تكن قبوراً من الاساس، ولكنها بالاضافه الي كونها مناره تهدي المسافر في الصحراء مثلما كان يراها الكاتب عندما يبرز له الهرم الاكبر فجاه كانه مناره له وهو في طريق السفر، وهي بوصله حدد بها الكاتب من قبل اتجاه القبله، وهو مرصد فلكي كما اشار الاثري المصري احمد كمال باشا الي ذلك .. ان  الكاتب اضافه الي ذلك يقول بالنص بعد اتباع منهج يقوم علي دراسه الخرائط المتعلقه بالاهرام ـ كل الاهرام وليس أهرام الجيزة فقط ـ اضافه الي جمع المعلومات عن مقاساتها وزواياها .. الخ .. ومتبعاً منهج التحقيق حيث يرجع للمصدر الاول للكلام بلغته الاصليه ان امكن .. انه يقول: “تبين لي ان هذه الاهرام بكل محتوياتها هي قلاع وحصون ومنشات عسكريه حدد القدماء جميع مواصفاتها من اختيار مواقعها الي تحديد ارتفاعاتها الي تصميم ادق تفاصيلها من اجل القيام بهذا الغرض العسكري الدفاعي، واستخدموها مستفيدين جزئياً من خدماتها الحضاريه الاخري”.

ثم انه يتبع قاعده يُفسِر بها التاريخ المصري القديم، فهو يؤكد ان دراسه التاريخ لا تنفصل عن دراسه جغرافيا المكان، واليك المثال الاتي: وهو مدينه عين شمس .. ان كل ما هو مذكور عنها انها كانت مركزاً لعباده الاله (رع)، ولكن الكاتب يعطينا صوره اخري تماماً مستعينا بكتاب لاحمد كمال باشا “ترويح النفس في مدينه الشمس” .. ان هذه المدينه دُمِرَت في اغلب الغزوات علي مصر، وانها تقع علي بعد 15 كم من اقرب فرع للنيل و120 كم عن اي مصدر اخر للمياه العذبه، اي: انها كانت اخر نقطه يتزود بها المسافر بالماء، واول نقطه يصيبها القادم من الشرق ، وبهذا صارت هذه المدينه ضروريه ومهمه جداً للمسافرين من والي مصر، وهنا يعطينا الكاتب تصوره .. ان هذه المدينه كانت جمركاً ومحطه اجباريه لابد ان يمر عليها المسافر بل وتجبر السلطات المصريه القديمه المسافر علي ان يمر عليها عن طريق بناء سور عظيم حولها ، ومع مرور الوقت اُنشِيء بها المعبد الذي يعتقد انه جامعه، وهو يضيف مستدلاً باقوال المؤرخين ان افلاطون وفيثاغورس زارا هذه المدينه، ومكثا فيها اعواماً طوال ينهلون العلم من الكهنه المصريين الحريصين علي ذلك العلم ولا يعطونه لاحد الا بعد اختبارات شاقه، وكان كل ذلك يدور تحت واجهه دينيه ؛ فبالنسبه للاغراب كان للكهنه مهمتهم القاصره علي تقديم القرابين، وتعليم الناس اداء الطقوس الدينيه، وارشاد السياح عند مشاهدتهم الاثار.

و بطريقه مماثله اخذ الكاتب يدرس مدينتي منف وطيبه ليوضح لنا من حقيقتهما الجغرافيه اكثر مما يقوله علم المصريات عنهما، وليوضح لنا ان السبب في انشاء وازدهار ثم افول هذه المدن ليست اسباب دينيه وثنيه، ولكنها اسباب حضاريه وجغرافيه، وان الدافع الاول للمصريين كان الدفاع عن مصر واقامه الحضاره .. ثم انتقل الكاتب الي نقد التفسير القديم للديانه المصريه، واستشهد بمقولات تدل علي التوحيد مكتوبه بالهيروغليفيه نقلها احمد كمال باشا مثل: ” الواحد الذي لا شريك له” .. “الخالق لكل مخلوق، والذي لم يُخلَق، وهو فاطر السماء والارض”  وغيرها الكثير، وهو ينقل عن احد المؤرخين الاجانب  pierret  نصاً ان “تعدد المعبودات التي قالت بها الاثار، فليست الا امراً ظاهرياً قصد به بيان مظاهر الذات العليا ليس الا“.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل