المحتوى الرئيسى

رحيل الملا عمر.. النتائج والدلالات

08/19 12:06

تم الاعلان عن وفاه زعيم حركه طالبان افغانستان الملا محمد عمر مجاهد في وقت تستعد فيه حركه طالبان لجوله ثانيه من المحادثات مع الحكومه الافغانيه في احدي المناطق السياحيه قرب العاصمه الباكستانيه. وقد كشفت مصادر ان وفاه الرجل كانت في العام 2013، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا اذيع خبر وفاته الان وبعد هذه الفتره الطويله؟ وماذا ستكون نتائجه علي مستقبل طالبان؟

يبدو ان اختيار هذا التوقيت بالذات لتسريب خبر وفاه زعيم طالبان مرتبط بالضغوط الباكستانيه علي الحركه للتفاوض مع الحكومه الافغانيه، فالقياده الباكستانيه السياسيه والعسكريه وعدت الحكومه الافغانيه بالضغط علي طالبان لاجبارها اما علي بدء المحادثات مع الحكومه الافغانيه، او مغادره الاراضي الباكستانيه، او القاء القبض علي قادتها.

وقد هدد رئيس الوزراء الباكستاني حركه طالبان من كابل لاول مره، وقال: لا يمكن ان يكون عدو افغانستان صديقا لباكستان، لكن لما تباطات باكستان في الوفاء بوعودها ارسل الرئيس الافغاني رساله سريه لرئيس الوزراء الباكستاني يوم 1/6/2015، تم تسريب بعض اجزائها الي وسائل الاعلام في حينها، مطالبا اياه بالوفاء بالعهود التي قطعتها القياده الباكستانيه علي نفسها.

ونتيجه للضغوط التي مارستها الحكومه الباكستانيه علي حركه طالبان، شارك وفد منها في المحادثات التي اجريت مؤخرا في "مري" المنطقه السياحيه قرب العاصمه الباكستانيه اسلام اباد، بينما عارض المكتب السياسي التابع للحركه في قطر هذه المحادثات واصدر بيانا بانه الجهه الوحيده المخوله القيام بمثل هذه المحادثات، ومن ثم توجهت بعض قيادات طالبان نحو ايران للبحث عن بديل لباكستان، وقد رحبت بهم طهران ووعدتهم بملء الفراغ الذي سينتج عن تخلي باكستان عن مساعدتهم.

ولما كانت هذه الجهه التي عارضت محادثات الصلح مع الحكومه الافغانيه في باكستان وخاصه المكتب السياسي في دوله قطر تكسب شرعيتها من زعيم الحركه الملا محمد عمر، حاولت باكستان ان تجردها من هذه الشرعيه لئلا تتمكن من افشال المحادثات التي بداتها، ومن هنا اوعزت باكستان الي فصيل انشق عن طالبان سابقا يسمي نفسه "فدائي محاذ" (الجبهه الفدائيه) بتسريب خبر وفاه الملا عمر الي وسائل الاعلام، ثم ابلغت الحكومه الباكستانيه رسميا الحكومه الافغانيه بخبر وفاته ايضا، وبذلك عرّضت شرعيه تلك الجهه للسؤال.

يظهر من تسريب هذا الخبر في هذا التوقيت بالذات ان العلاقات بين طالبان والحكومه الباكستانيه قد تدهورت جدا ووصلت مرحله الفصام، وخاصه مع الفريق الذي يعارض وصايه الجهات الباكستانيه علي الحركه، او يرفض -حتي الان- الوساطه الباكستانيه في المحادثات بين طالبان والحكومه الافغانيه، لان اذاعه هذا الخبر في هذا التوقيت الذي تواجه فيه الحركه تهديد داعش (تنظيم الدوله الاسلاميه) داخل الاراضي الافغانيه، وتعاني من اختلاف وجهات النظر حول المحادثات مع الحكومه الافغانيه، له تاثيرات سلبيه كبيره علي الحركه.

يبدو بادئ الامر ان حركه طالبان تجاوزت عقبه اختيار خليفه اميرها الملا عمر، باختيار الملا اختر محمد منصور الذي تولي منصب نائب زعيم الحركه في الفتره الاخيره بعد القاء القبض علي النائب السابق الملا برادر من قبل السلطات الباكستانيه.

فقد اجتمع "شوراي رهبري" (المجلس القيادي للحركه) خارج مدينه كويتا الباكستانيه الاربعاء الماضي واختار الملا اختر محمد منصور زعيما جديدا، ثم اجتمعت القيادات المختلفه العسكريه والمدنيه في الحركه وطلاب المدارس الدينيه والعلماء والمشايخ -حسب البيان الرسمي لطالبان- خارج مدينه كويتا، وبايعوا الملا منصور اميرا للاماره الاسلاميه، حسب تعبيرهم.

لكن يبدو ان هناك خلافات شديده داخل طالبان، يدل عليها البيان الذي اصدرته اسره الملا عمر ونشر علي صفحه "الاماره" الرسميه، وجاء فيه:

"كما ان امير المؤمنين رحمه كان يتمني وحده الصف دائما، ونجح في هذا المامول الي حد كبير، ولتحقيق امنيته هذه يتلخص موقفنا من قضيه تعيين خليفته، ان يستفاد في تعيين زعامه وقياده الاماره الاسلاميه من مكانه العلماء والمجاهدين والشخصيات المهمه الذين كان لهم دور كبير في تاسيس اماره افغانستان الاسلاميه واستقرارها وترسيخ دعائمها، وان تحترم اراؤهم في هذا الصدد، وان حدث ذلك يكون فيه تحقيق امنيه امير المؤمنين بخصوص وحده الصف. فان تحققت هذه الامنيه تكون اسرتنا مستعده للخدمه، واذا لم تتحقق هذه الامنيه فلن نقف مع او ضد اي فريق، سواء كان ذلك الفريق الملا اختر محمد منصور او غيره".

هذا البيان الذي نشر بعد اختيار الملا اختر محمد منصور زعيما لطالبان ينبئ ان الحركه مقبله علي انشقاقات في الايام المقبله.

لقد ظهر الخلاف الي العلن بين ثلاث مجموعات داخل حركه طالبان، وقد يؤدي هذا الخلاف في المستقبل الي انشطارها. وهذه المجموعات التي اعلنت عن وجودها هي:

- مجموعه الملا اختر محمد منصور، وهي تعتبر حتي الان المجموعه الرئيسيه داخل طالبان، وقد يساعده وضعه التنظيمي خلال الفتره الماضيه (نحو عامين ونصف) علي التغلب علي الوضع الداخلي للحركه، حيث بقي نائبا للملا عمر، وكان يدير الحركه باسمه، فاحدث تغييرات جذريه في بنيتها، وابعد الشخصيات التي لم تكن تعجبه من المناصب السياديه، وتعرّف علي جميع القيادات العسكريه الميدانيه.

لكنه مع كل هذه الاجراءات لا يملك ميزات سلفه، فهو ليس من مؤسسي طالبان ولا من اقدم اعضائها، كما انه لا يتمتع بتلك الشرعيه التي اكتسبها من تاريخه وتعيينه من قبل مجموعه من العلماء الذين جمعتهم الحركه تحت مسمي "شوري اهل الحل والعقد" انذاك. الي جانب ذلك فان الملا منصور لا يتمتع بتلك الرابطه العاطفيه التي كانت تربط الملا عمر باعضاء حركته، وفي نفس الوقت سيكون في مواجهته شخصيات مهمه ومؤثره في الحركه، وهذا ما يعقّد مهمته في الحفاظ علي وحده الحركه.

- مجموعه الملا محمد حسن رحماني والملا عبد الرزاق، وهي مجموعه كبيره عارضت تعيين الملا منصور زعيما للحركه. ويتراس المجموعه الملا حسن رحماني والي قندهار في ظل نظام طالبان، وكان وقتها شخصيه محوريه داخل الحركه، والملا عبد الرزاق وزير داخليه نظام طالبان.

هذه المجموعه اعتبرت اختيار الملا منصور زعيما لطالبان انقلابا علي الشرعيه، وحاولت ان تجمع الناس حول الملا يعقوب بن الملا محمد عمر (26 عاما) الذي تخرج قبل سنوات من احدي المدارس الدينيه في مدينه كراتشي الباكستانيه، لكنها لم تنجح في حمل قاده الحركه علي ذلك، علما بان هذه المجموعه تقف وراءها جهات باكستانيه وتعتبر من المجموعات المهمه داخل طالبان، وقد يكون لها شان في المستقبل.

- مجموعه "فدائي محاذ" (الجبهه الفدائيه)، وقد انشقت عن جبهه جلال الدين حقاني، ويراسها الملا نجيب وردك، وهي مجموعه صغيره، لكنّ لها حضورا لافتا، ويبدو ان الجهات الباكستانيه تساعدها.

يري المحللون ان حركه طالبان تواجه بعد وفاه زعيمها المؤسس اصعب فترات وجودها. فمع التهديدات المتعلقه بوحده صفها جراء الخلاف علي تعيين خليفه لزعيمها الراحل، فان الضغوط الباكستانيه عليها للجلوس الي مائده الحوار مع الحكومه الافغانيه تضيق الخناق عليها من جهه اخري.

ومن جهه ثالثه يمثل ظهور وانتشار مجموعات تابعه لتنظيم "داعش" تهديدا اخر للحركه، حيث تخوض هذه المجموعات ضدها معارك ضاريه وخاصه في الولايات الشرقيه. وفي الوقت ذاته يفتقر الزعيم الجديد لطالبان الي الكاريزما التي يحتاج اليها في مثل هذه الظروف، ومن هنا يتوقع المحللون ان يكون مصير الحركه علي النحو التالي:

1- ستقبل مجموعه كبيره منها المحادثات مع الحكومه الافغانيه، وستنضم الي النظام في كابل، وخاصه اذا هُيئت الظروف لذلك من الجهات المسيطره علي الحكومه، ووقفت الحكومه الباكستانيه مع عسكرها الي جانب المحادثات، وتم التوافق علي حل القضيه الافغانيه عبر المحادثات والحوار.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل