المحتوى الرئيسى

فتوى آية الله السيسي - ساسة بوست

08/18 16:20

منذ 11 دقيقه، 18 اغسطس,2015

كتب ديفيد هيرست: كان يوم الاحد يوما صائفا بحق، اغري دفؤه البلسمي سكان لندن من امثالي بالاحساس بان كل شيء في العالم علي خير ما يرام. دخلت علي الانترنيت لاتصفح ما وردني من رسائل الكترونيه.

كانت اولاها رساله من احد قراء موقع ميدل ايست اي يشكو فيها تغطيه الموقع لحدث افتتاح توسعه قناة السويس التي كلفت 8.5 مليار دولار، ويقول ان ميدل ايست اي لم يهتم بما يكفي بتناول الشكوك التي اثيرت حول هذا المخطط المهيب. فقد نقلت صحف مثل الواشنطن بوست وبلومبيرغ ونيويورك تايمز والغارديان والاندبندنت عن عدد من الاقتصاديين تاكيدهم ان المشروع لا يستحق ما انفق عليه، فلماذا لم نفعل ذلك نحن ايضا في ميدل ايست اي؟وكانت الرساله الثانيه عباره عن بيان يتعلق بموقع ميدل ايست اي، صادر عن كيان مثير للفضول يسمي نفسه مرصد الفتاوي الشاذه والتكفيريه. حككت راسي، واستغربت.. ماذا يمكن ان يكون موقع ميدل ايست اي قد نشره مما يعتبر فتاوي شاذه؟ وخطرت ببالي مباشره تلك الفتوي التي كان قد اصدرها ايه الله الخميني ضد سلمان رشدي. ثم تبين لي ان المرصد لم يكن يشتكي من تصريحات دينيه صدرت عنا وانما من تقرير اخباري كنا قد نشرناه.

جاء في البيان ما ياتي:

“وحول الاوضاع الامنيه في مصر وفي اعقاب ما تردد عن مقتل الرهينه الكرواتي، رصد مرصد الافتاء تقريرا عن موقع ميدل ايست اي، ان “اختطاف الاجانب داخل مصر يؤثر علي الاستثمارات الاجنبيه، كما ان تنفيذ اعدام كرواتي علي ايدي تنظيم “داعش” سيكون له اثار علي الاقتصاد المصري الضعيف بالفعل”، ووصف التقرير الاقتصاد المصري بالاقتصاد الضعيف، الذي من شانه البلبله واضعاف اقبال المستثمرين الاجانب للاستثمار داخل مصر”.

حيرني هذا الذي صدر عن المرصد المذكور، فما الذي يجعل كيانا مجال عمله القضايا الدينيه يعلق علي موقع في الانترنيت مجال عمله الاخبار؟

يتبع المرصد دار الافتاء، والتي تختص بارشاد وتوجيه المؤمنين المسلمين في مصر في ما يتعلق بالحلال والحرام، ويتراس دار الافتاء اعلي سلطه دينيه في مصر المفتي الاكبر شوقي علام.

اشتهر عن شوقي علام انه انتحل (سرق) صفحتين من تاليف المنظر الاسلامي والقيادي في جماعه الاخوان المسلمين سيد قطب، وصاغها في مقاله له عن فضائل الصيام ادعي انه هو الذي الفها. وقد حصل ذلك بعد ايام قلائل من صدور امر عن السلطات المصريه للمساجد والمدارس بان تخلي رفوف مكتباتها من اي كتاب ينسب لاحد من شخصيات الاخوان المسلمين وخاصه تلك التي الفها سيد قطب تحديدا. تبين من بعد ان شوقي علام اعتاد سرقه النصوص وانتحال مؤلفات الاخرين. وكانت صحيفه (المصريون) قد اكدت ان المقالات السابقه التي كتبها المفتي الاكبر حول فضائل الصيام انتزعت مادتها من كتاب احياء علوم الدين للامام الغزالي. وله مقاله اخري حول فضائل التسامح في الاسلام نقل جلها من كتاب من تاليف الدكتور عبد الله بن ابراهيم الطويل.

لو ان واحدا من طلبه المفتي الاكبر قام بذلك لفصل مباشره من الجامعه. الا ان علام يجوز له فيما يبدو ما لا يجوز لغيره، بل بلغ به الامر ان يذيع سره بنفسه، ومع ذلك فقد استمر في ممارسه دوره حكما علي ما هو صواب وخطا او صالح وطالح من الاعمال، بل وعلي من يعيش ويموت من الناس، فالمفتي الاكبر هو الذي تناط به مهمه التصديق علي احكام الاعدام.

لم يكن سلفه علي جمعه افضل حالاً منه، وهو الذي كان قد اجتمع بقاده العسكر، بما في ذلك وزير الدفاع في ذلك الوقت عبد الفتاح السيسي، وقدم لهم نصيحه في غايه الوضوح حول طريقه التعامل مع المتظاهرين في رابعه. وما لبث تسجيل اللقاء مع العسكر ان سرب بما في ذلك الكلام الذي صدر عن علي جمعه، الامر الذي تسبب له بالحرج.

قال علي جمعه في الشريط المسرب:

“اضرب في المليان، اياك ان تضحي بافرادك وجنودك من اجل هؤلاء الخوارج. طوبي لمن قتلهم وقتلوه. من قتلهم كان اولي بالله منهم. بل اننا يجب ان نطهر مدينتنا ومصرنا من هذه الاوباش. انهم لا يستحقون مصريتنا. اننا نصاب بالعار منهم. يجب ان نتبرا منهم براءه الذئب من دم ابن يعقوب. ناس نتنه. ريحتهم وحشه في الظاهر والباطن. ولقد تواترت الرؤي بتاييدكم من قبل رسول الله… نحن علي الحق، سيهزم الجمع.. اللهم دمرهم اللهم دمرهم..”.

بكل مقياس من المقاييس يعتبر هذا الخطاب تحريضا علي العنف، وليس كلمات في التسامح تصدر عن شخصيه دينيه مهمه.

نعود الان الي المرصد، الذي يقول انه اكتشف مؤامره ما.

يقول مرصد الافتاء انه اكتشف خطه وضعتها المنظمات الارهابيه لاقامه واستغلال منابر اعلاميه موهومه وزائفه في الغرب، بهدف توظيفها لترويج الاكاذيب والشائعات التي تستهدف سمعه ومكانه مصر عالميا.

هل يمكن لهذا ان يكون صحيحا؟ احجزوا الصفحه الاولي للخبر اذن! فبحسب المرصد “اصيب موقع ميدل ايست اي وغيره من المنابر الاعلاميه التابعه للتنظيمات الارهابيه بصفه عامه بحاله من التخبط والسعار نتيجه لضياع مصداقيتها في ظل اكتشاف عوار البنيه الايديولوجيه لهذه التيارات امام العالم كونها لا تريد استقرارا للمجتمعات، بل تمثل خطرا كبيرا علي الامن والسلم العالميين”.

اذن، فقد اضحي موقع ميدل ايست اي حراما!

ولكن، لحظه من فضلك. هل كان موقع ميدل ايست اي منفردا، حينما قال ان جريمه قتل توميسلاف سالوبيك يمكن ان تجعل مستثمرين اجانب (مثل سيمنز وبريتش بيتروليوم) يعيدون التفكير؟ من الواضح ان الحال لم يكن كذلك.

نشرت اخبار ايه بي سي مقالاً اعتمد علي تقارير اخباريه من وكاله الانباء الفرنسيه ووكاله رويترز جاء فيه: “لقد استماتت مصر بقياده الرئيس عبد الفتاح السيسي في اقناع المستثمرين الاجانب والشركات العالميه بان البلاد امنه بعد عامين من العنف والهجمات التي تشنها جماعات مسلحه متشدده”.

مجله تايم هي الاخري واحده من المنابر الاعلاميه المصابه بحاله من التخبط والسعار، بل لعل وضعها اسوا من غيرها اذ انها نشرت تقريرا عنونت له بعباره “الشكوك تحوم حول الوضع الامني في مصر بعد قطع راس الرهينه الكرواتي”. ونقلت المجله عن انغاس بلير، رئيس معهد ساينيت، وهو مركز بحث وتفكير متخصص في الاقتصاد يتخذ من القاهره مقرا له، قوله: “تسعي مصر الي زياده الاستثمار الاجنبي المباشر، الا انها ستعسر الامر علي الاجانب الذين يرغبون في العمل كجزء من الاستثمار وسيصبح صعبا عليهم القدوم بسبب المخاطر الامنيه المحدقه”.

لا بد ان مرصد الفتاوي الشاذه والتكفيريه غابت عنه هذه التقارير ولم ينتبه اليها، والا لكانت اخبار ايه بي سي ومجله تايم من المحرمات ايضا. الا ينبغي ان يخبرهم احد بذلك؟

يبدو ان قائمه وسائل الاعلام الغربيه والمنابر الاخري المحرمه اخذه في النمو يوما بعد اخر. يوم الاحد جاء الاعلان عن ان موقع ميدل ايست اي حرام، ويوم السبت وصف الناطق باسم وزاره الخارجيه احمد ابو زيد منظمه هيومان رايتس واتش بانها “مشبوهه ومسيسه” لاصدارها بيانا في الذكري السنويه الثانيه لمذبحه رابعه مذكره الجميع بانه لم يتم حتي الان وبعد مرور عامين محاكمه احد.

وقبل ذلك كان الدور علي النيويورك تايمز، ففي اكتوبر من العام الماضي، نشرت الصحيفه المصريه الاولي الاهرام تقريرا مترجما بشكل محرف لمراسل النيويورك التايمز المميز في القاهره دافيد كيركباتريك. فبينما كتب كيركباتريك يقول ان خطاب السيسي امام الجمعيه العامه للامم المتحده قوبل “بالصمت”، ادعت الاهرام نقلاً عن النيويورك تايمز قولها ان وجود السيسي في الامم المتحده اقنع الجميع بان الاطاحه بمرسي لم يكن انقلابا عسكريا وانما ثوره. وعندما طالبت النيويورك تايمز باعتذار عن هذا التحريف، وصلها اعتذار باللغه الانجليزيه. الا ان صياغه الاعتذار باللغه العربيه جاءت علي النحو الاتي:

“من المعروف ان مراسل النيويورك تايمز يرفض المسار السياسي في مصر منذ الثلاثين من يونيو”. وذلك في اشاره الي انقلاب الثلاثين من يونيو الذي اطاح باول رئيس منتخب بحريه في مصر. ومضي بيان الصحيفه ليقول: “يدافع كيركباتريك بحماسه عن المنظمه الارهابيه ويعمل دائما علي الترويج لفكره ان ثمه قمع للحريات في البلاد، ويثير الشكوك حول الاراده الشعبيه التي خلعت الاخوان المسلمين من السلطه”.

وقبل ذلك وُصمت صحيفه الغارديان بانها “بوق للثوره المضاده”. وحتي الرئيس باراك اوباما والسفيره الامريكيه  في مصر اتهما بانهما جزء من مؤامره حاكها الاخوان المسلمون.

اذن، موقع ميدل ايست اي ليس وحيدا، بل هو في صحبه جيده. ولكن لماذا يجري التنديد به من قبل سلطه دينيه بدلاً من سلطه مدنيه مثل وزاره الخارجيه؟ يبدو ان تلك بدايه توجه جديد. فانه اثر الفشل في وقف تسرب الاخبار السيئه الي خارج مصر، قرر السيسي الان فيما يبدو اللجوء الي السلطات الدينيه لمنع المصريين من قراءه ما ينشر من حقائق دامغه حول بلدهم مستخدما في ذلك الفتاوي الدينيه. لقد بات استخدام – او اساءه استخدام – الاسلام من قبل السيسي علامه مميزه لحكمه الاستبدادي.

يدعي السيسي انه مؤمن. ويعتقد بان الله البسه لباس السلطان. ففي محادثه جري تسريبها مع صحفي من صحيفه المصري اليوم، كشف السيسي النقاب عن انه راي في المنام نفسه يشهر سيفا كتب عليه بالدم “لا اله الا الله محمد رسول الله” وراي فيه الرئيس انور السادات، الذي وقع اغتياله، وهو يعده بانه سيكون رئيسا.

واستخدم الشخصيات الدينيه مصدرا لاضفاء الشرعيه السياسيه علي نفسه. لدي اعلانه عن خارطه الطريق التي ستنهجها مصر نحو الديمقراطيه، احضر السيسي معه الي المنصه كلاً من رئيس الكنيسه القبطيه بابا الاقباط وشيخ الازهر، المؤسسه الاسلاميه الاهم في مصر، وجلال المره، احد الشخصيات السلفيه البارزه.

في مقال اخير له نشر في مجله فورين بوليسي، يقول روبرت سبرينغبورد: “مصر السيسي، باختصار، ستكون بلدا يستخدم فيه الدين لتعزيز سلطويه العسكر ويستغل لتبرير قمع المعارضين، وبشكل رئيسي المعارضين الذين يستلهمون فكرهم السياسي من الاسلام نفسه. ليست هذه هي الصوره التي سعي السيسي للترويج لها اثناء حملته الانتخابيه، ولكنها باتت واقعاً لعل من الحكمه ان يعد الغربيون والمصريون علي حد سواء انفسهم له”.

لقد غدت المؤسسات الاسلاميه في مصر في عهد السيسي اكثر من مجرد ادوات دعم للنظام، بل اضحت جزءا من الطغيان نفسه. من المفارقات في حمله السيسي ضد التطرف الاسلامي، كما لاحظ احد معلقي موقع ميدل ايست اي محمد المصري، هو ان هذه الحمله نفسها هي نوع من التطرف الديني.كتب المصري:

“فهاهم العلماء الداعمون لنظام السيسي يقومون بالضبط بالاعمال التي اتهموا الاسلاميين الوسطيين زوراً  بالقيام بها – مثل تكفير الاخرين والدعوه الي اللجوء الي اعمال عنف غير مشروعه”.

صدرت تعليمات لجميع الائمه والخطباء بالقاء خطبه الجمعه عن فضائل مشروع قناه السويس وما يعود به علي الاقتصاد المصري من فوائد جمه. وطلب منهم ان يستذكروا النصر الذي تحقق للنبي محمد  في غزوه الخندق تشبيهاً للخندق الذي حفره النبي واتباعه بتوسعه القناه. لا يكتفي السيسي باستخدام المؤسسه الدينيه لشرعنه الانقلاب، وانما لتقديم نفسه للعالم كرجل يعمل علي تحديث وعصرنه الدين الاسلامي. وهذا ما جعل متصدري تيار اليمين في الولايات المتحده يشيدون به ويثنون عليه بعد ان دعا في خطابه الي الازهر الي ثوره دينيه في الاسلام. بل ذهب بعضهم الي اعتباره مؤهلاً لنوال جائزه نوبل للسلام واعتبره كمارتين لوثر كينغ.

في العالم المثالي، تلعب السلطات الدينيه دورا مهما في مساءله السياسيين ومحاسبتهم، فهي تعبر عن قيم المجتمع، وتعتبر جزءا من عمليات الرقابه والموازنه التي تمارس علي السلطات السياسيه التنفيذيه، وخاصه في اللحظات الحاسمه كتلك التي سبقت قيام بريطانيا طوني بلير بغزو العراق.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل