المحتوى الرئيسى

رأي.. "العلاقة بين قناة السويس والهوية المصرية"

08/16 17:57

هذا المقال بقلم اكرام لمعي، استاذ مقارنه الاديان وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما انه لا يعبر بالضروره عن راي شبكه CNN .

ولقد فكر الفراعنه اكثر من مره في حفر قناه تربط البحرين معاً وذلك لتسهيل التجاره العالميه بين الشرق والغرب الا ان المشروع لم يدخل حيز التنفيذ، وفي العصر الحديث كان اول من اقترح هذا الامر هو نابليون بونابرت الذي دخل مصر غازياً عام 1798 م والذي كان منبهراً بامرين لا ثالث لهما: الاثار المصريه وخاصه الاهرامات وابو الهول، والموقع الجغرافي المميز لمصر، وقد اقترح ان تحفر قناه تصل بين البحرين الابيض والاحمر، وبالطبع لا يفكر احد بهذه الطريقه الاستراتيجيه الا سياسي عبقري متحضر علي شاكله نابوليون.

 فقد توالت علي مصر عبر العصور جحافل الغزاه من يونان وفرس ورومان وبيزنطيين ثم دخلتها المسيحيه في القرن الاول وتلاها الاسلام في القرن السابع ولم يفكر حكامها المرسلين لحكم مصر سواء من بيزنطه او الخلفاء الامويين او العباسيين او العثمانيين فضلاً عن المماليك في مثل هذا الامر لسببين الاول لانهم غرباء والاخر لانهم لا يملكون مثل هذه الرؤيا الاستراتيجيه لهويه المكان.

فجغرافيه المكان تتحدث عن ذاتها فالمكان له عبقريته كما تعلمنا من جمال حمدان وعبقريه المكان وهويته لا يكشفها الا قائد ذكي يتمتع بتفكير مستقبلي ولا شك ان نابليون كان من هذه النوعيه لكنه رحل عن مصر ومن بعده حملته عام 1801م  وقد اقتنع بالفكره محمد علي الذي حكم مصر عام 1805 م  بعد رحيل الحمله الفرنسيه الا ان تفكيره الاستراتيجي جعله يري ان مصر في حاله ضعف وحفر قناه مثل هذه سوف يجعلها مطمعاً للغزاه خاصه ان الاقتراح جاء من احد هؤلاء.

لقد افتقدنا كثيراً تلك النوعيه من القيادات التي تربط بين التاريخ والجغرافيا والبشر فتكتشف هويه المكان والزمان والانسان، لقد كان قرار حفر القناه من نابوليون استراتيجياً وكان رفض الحفر من محمد علي استراتيجياً بالمقابل وكل له مبرراته. ولعلنا نلاحظ ان الاثنين لم يكونا مصريين فالاول فرنسي والثاني الباني ولذلك استمر الفرنسيون في اصرارهم علي تنفيذ المشروع حتي نجح ديلسبس في اقناع محمد سعيد بن محمد علي بتنفيذه. وقد تم حفر القناه بعد موت محمد سعيد في عهد الخديوي اسماعيل وهكذا اكتملت علاقه قناه السويس بالهويه المصريه عندما قام الانسان المصري بحفر القناه ودفع حياته ثمناً لذلك.

لقد قضي مليون مصري من اصل خمسه ملايين مجمل سكان مصر انذاك وقد تحدث مؤرخون وصيغت روايات تحولت الي افلام سينمائيه ومسلسلات تليفزيونيه ومسرحيات عن التسخير والجوع والامراض التي المت بالمصريين اثناء حفرهم لقناتهم بالعرق والدمع والدم.

لقد اختلط قاع القناه وضفتيها ومياهها بدماء نقيه طاهره ونفوس طيبه مسالمه مستسلمه لحكام مستبدين وارواح ارتفعت لبارئها تشكو الظلم والضيم وقله الحيله، فصارت القناه بعد حفرها بهم رمزاً لمصر ولم يعد لمصر تعريفاً بدونها والاهرام.

بالطبع تحققت كل تخوفات محمد علي فقد سيطر الانجليز المحتلين لمصر عام 1882علي مقدرات القناه وادارتها. ومع الوقت اصبحت القناه رمزاً للاحتلال الانجليزي وضعف المصريين المحتلين. حتي قامت ثوره  23يوليو1952 واراد عبد الناصر بفكره الاستراتيجي ان يبني سداً عالياً في اقصي الجنوب لكي يضاعف الرقعه الزراعيه من خلال الري الدائم علي طول العام بديلاً لري الحياض بالفيضان مره واحده سنوياً هذا فضلاً عن امداد الوادي بالكهرباء التي تولدها توربينات السد العالي، وهنا للمره الثانيه نقف امام عبقريه الزمان (التاريخ) والمكان(جنوب الوادي) والانسان عبد الناصر المعبر بحق عن كل المصريين حينئذ لكن البنك الدولي اراد ان يوقف المشروع برفضه تمويله حتي تستمر مصر ضعيفه.

 لقد ذكرهم ناصر بمحمد علي وكان لابد من القضاء عليه ولكن عبد الناصر لم يستسلم وقام بتأميم قناه السويس وادارتها مصريا ونجح في ذلك وكان التحدي رهيباً فاذ بعدوان ثلاثي بريطاني فرنسي اسرائيلي هدفه سقوط عبد الناصر، لكن تدخل القوتين العظميين حينئذ امريكا وروسيا مع صمود ناصر وقدرته السياسيه علي المناوره بفكر استراتيجي ومن خلفه الشعب المصري اوقف العدوان وهكذا استمرت القناه تعبر عن هويه مصر.

في عام 1967تم اصطياد عبد الناصر وقد كان مهيئاً لذلك تماماً لاسباب عده منها الهزيمه في مستنقع اليمن وعوده الجيش منكسراً فضلاً عن الاداره السيئه للجيش المصري وتحدي التوجه العالمي لتحجيم مصر. لكن لم يكن ساكن القصر يعلم ان هناك مياهاً كثيره  مرت في نهر السياسه العالميه منذ انتصاره السياسي في 1956 فسقط  واغلقت قناه السويس وضاعت سيناء ووقعت في يد من لا يرحم. وخرج الشعب لاعاده ناصر الرمز الذي اعاد الامور الي نصابها لكن القدر لم يمهله لاستكمال الطريق وجاء السادات واعاد الكرامه لمصر بانتصاره في 1973 واعاد فتح قناه السويس للملاحه رمز الانتصار وعوده الهويه، فالمكان(الجغرافيا قناه السويس وسيناء)،التاريخ(حرب 1973)، الانسان المصري الذي صنع ملحمه انتصار غير مسبوقه. ولن نتحدث عن الفشل الذريع للسادات في ادارته الداخليه لمصر وتشجيعه للتيارات المتطرفه فاخذت مكاناً غير مسبوق بمساومات انتهت باغتياله.

وجاء مبارك ليستكمل الفشل الداخلي بمسيره تفكك المجتمع وتشريع الفساد والمساومات مع الاخوان وباقي الاحزاب مع قبضه امنيه بلا ضمير واستكمال مسيره السداح مداح.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل