المحتوى الرئيسى

هل ساهم المسلمون حقًا في تحرير العبيد؟ - ساسة بوست

08/16 11:02

منذ 2 دقيقتين، 16 اغسطس,2015

لم ولن يخبت الخلاف حول ان كان الاسلام قد اتي بتحرير العبيد حقًا ام لا. كل فريق له ادلته ونصوصه التي يستند عليها، في النفي او الاثبات. اما نحن فلن نخوض غمار تلك الرحله الخلافيه الان، لكننا في المُقابل سنذهب الي منطقه اُخري، وهي منطقه الاجابه علي سؤالنا في العنوان: هل ساهم “المسلمون” حقًا في تحرير العبيد؟

ببساطه، الاجابه هي: نعم. انّها من جُمله اسهامات المسلمين، مع غيرهم، في تطوّر التاريخ البشري. وهو ما يُبرزه مشهدان تاريخيان، منهما ما يُعد سبقًا، يتقدّم علي مواثيق تحرير العبيد لدي الغرب، وعلي راسها وثيقه تحرير العبيد للرئيس الامريكي ابراهام لينكولين.

ورقه من وثيقه تحرير العبيد لابراهام لينكولن، عام 1863 (المصدر: الاداره الامريكيه للوثائق والسجلات الوطنيه)

حاكم مصر الذي حارب لتحرير العبيد

كغيرها من بلدان العالم، كانت تجاره الرقيق مُنتشره في مصر، وبخاصه بين الاوساط الارستقراطيه والطبقه الحاكمه. لقد سجّلت المرويات والوثائق التاريخيه ما يُمكن وصفه بشره الحُكام باقتناء العبيد والجواري. وبالجمله فانّ هذه الممارسه كانت لها ابعادها الاقتصاديه التي لا يُمكن اغفالها، فحتي حين نذكر انّ الدوله العُثمانيه رفضت التوقيع علي مُعاهده برلين الدوليه لالغاء العبوديه وتجاره الرقيق عام 1855، بدعوي انّ الاسلام لا يُحرّم الرّق؛ لابد ان نُدرك الابعاد الاُخري الاكثر تاثيرًا، وان بالطبع لم تُذكر علانيهً كسبب في الرفض.

وقد كان الرّق في العالم الاسلامي انذاك، مُختلف عن غيره، اذ اعتمدت مصر مثلًا علي العبيد امّا كضباط في الجيش وهم العبيد البيض، او كجنود وهم العبيد الملونون، بينما كانت للجواري في السلطنه العُثمانيه دورٌ مهم في تداول السلطه؛ اذ انّ مُعظم اُمهات السلاطين العُثمانيين كُنّ من الجواري في الاساس.

في مصر العلويه، نزعت سُلاله مُحمد علي الي التوجّه الغربي، تحديدًا مُنذ عبّاس باشا الاوّل (حكم مصر ما بين عامي 1848 و1854)، ثُم ازدهر هذا التوّجه بشكل بيّن في عهد الخديوي اسماعيل (ما بين 1963 و1979).

وبحسب الباحث في التاريخ الحديث، وائل ابراهيم الدسوقي، فقد كان عبّاس باشا الاوّل “يكره الرّق وتجارته”. وفضلًا عن ذلك فقد عُيّن كثير من الرقيق في وظائف عُليا في الدوله، وعلي كل حال، هي عاده قديمه درجت الدوله الاسلاميه علي العمل بها، وتجلّي ذلك خصوصًا في الدوله العُثمانيه.

وعلي الرّغم من انّ التاريخ العُثماني يُحذّر من تجنيد العبيد والرقيق، كما حدث مع الانكشاريه التي تضخّمت سُلطاتهم داخل قصر الحُكم العُثماني؛ الّا ان الخديوي سعيد عمد الي تجنيد العبيد، وعُيّن منهم الكثير في مناصب كبيره داخل الجيش.

سوق الرقيق في القاهره عام 1830

هذا، وكان منفذ تجارة العبيد الي مصر، هي السودان التي كانت يحكمها الخديوي، لذا حين بدا الخديوي اسماعيل في اتخاذ تدابير الحد من تجاره العبيد، اصدر مرسومًا لحكمدار السودان بتعقّب تجار العبيد. كان ذلك عام 1863، وهو نفسه العام الذي شهد اوّل عمليه اطلاق سراح عبيدٍ رسميّه في مصر، اذ انّ القوات التي هياها حكمدار السودان لتنفيذ تعاليم مرسوم الخديوي، ضبطت نحو 70 سفينه مُحمله بالعبيد، فاعتقلت اصحاب السفينه والتُجّار، واُطلق سراح العبيد.

الكاتبه الصحافيه اقبال بركه، تري انّ واحده من اسباب قيام ثوره المهدي في السودان، هو وقوف مصر بالمرصاد لتجاره العبيد، لانّها – كما ذكرنا – لها ابعادها الاقتصاديه التي لا يُمكن التغافل عنها، والتي من بينها (فضلًا عن التجاره نفسها) الاعتماد علي العبيد في الزراعه وتربيه المواشي. وبالاضافه الي ذلك. وسواءً صحّت ذلك القول من “بركه” ام لم يصح، فانّه في المُقابل لذلك لا يُمكن ايضًا تجاهل حدث كسيطره الجيش المصري علي بلده فاشوده، جنوبي السودان، عام 1865 للحيلوله دون اتمام صفقات تجاره العبيد، اذ كانت فاشوده محطه هامّه في طريق الرقيق.

اخيرًا، في عام 1877، وقّع الخديوي اسماعيل مُعاهده مع الحكومه البريطانيه، تقتضي “التعاون المتبادل” بين البلدين لمنع تجاره العبيد. وهي المُعاهده التي يُؤرخ لها كلحظه انتهاء تجاره العبيد في مصر، والتي لحقها تنظيم عتق العبيد في مصر عبر ما عُرف بـ”قلم عنق الرقيق”، بحيث يُستصدر للعبد او الجاريه ما يُشبه شهاده عتق، او تذكره حُرّيه كما كانت تُسمّي.

عندما الهمت تونس لينكولن لتحرير عبيد امريكا!

العلاقات بين البُلدان الاسلاميه العربيه وبين الولايات المُتحده الامريكيه، ضاربه في القدم، بدايهً من الاعتراف المغربي بالولايات المتحده كدوله مُستقله، حتي قبل تنصيب جورج واشنطن رئيسًا اولًا لها، مرورًا باستلهام امريكا لنموذج تونس في تحرير العبيد، وهو مربط فرسنا، وبيت قصيدنا.

لقد خاض لينكولن حربه الاهليه الشهيره، لاخضاع ولايات الجنوب التي سعت للانفصال للاتحاد الفيدرالي، ولم يكن باديًا انّ تحرير العبيد كانت ضمن اهدافه التي خاض من اجلها الحرب، بقدر ما كانت وسيله لتعزيز موقفه في الحرب.

بدات الحرب الاهليه عام 1861، ثُمّ في سبتمبر 1862 اصدر لينكولن اعلانًا مبدئيًا لتحرير العبيد، لكنّه اقتصر علي الولايات الجنوبيه المُتمرّده. لقد نصّ الاعلان علي تحرير العبيد من المناطق المُتمرّده بدايهً من يناير 1863، ثُم اعقبه بعد 100 يومٍ باعلان ينص بوضوح علي انّ كل العبيد في المناطق المُتمرّده اصبحوا احرارًا.

نص الاعلانين، الاوّل والثاني، يُوضحان انّ الامر مُوجّه لاستثاره عبيد ولايات الجنوب المُتمرده ضد “اسيادهم” الذين يخوضون حربًا ضد لينكولن، ودليل ذلك انّ الاعلانين لم يتحدثا عن عبيد ولايات الشمال التي ظلّت العبوديه فيها قائمه.

صوره تخيليه لبعض معارك الحرب الاهليه الامريكية

وبالفعل، قامت هبّات لعبيد ولايات الجنوب، الذين – بضروره الحال – انضموا لمُعسكر لينكولن، بخاصه بعد اعلان اصدره بقبول الرجال المُلوّنين في صفوف الجيش الرسمي، حتي انّ اعداد المنضمين منهم للجيش وصلوا لنحو 200 الف جُندي!

في الجنوب الي الولايات المُتحده الامريكيه، كانت تونس قد نظّمت قوانينها الخاصه بتحرير العبيد، ومنذ نحو عشرين عامًا علي اوّل اعلان اصدره لينكولن. في تلك الفتره كان حاكم تونس احمد باشا باي قد سعي حثيثًا، بالتدريج وعلي مراحل مُتقاربه، الي منع الرقّ في تونس، بدايه من الامر الذي اصدره في سبتمبر 1841 بمنع تجاره العبيد داخل اسواق تونس، بالاضافه الي هدم كل المحال والدكاكين والاسواق الخاصه بتجاره العبيد. ثُمّ في عام 1842 اصدر مرسومًا ملكيًا يُعتبر بموجبه كل من يولد علي ارض المملكه التونسيه حُرًا لا يُباع ولا يُشتري.

بالجمله، يُمكن القول ان عهد احمد باشا باي هو عهد الاصلاح في اركان الدوله، وقد اعتمد في ذلك علي رجال وقفوا الي جوار مشاريعه الاصلاحيه، والتي من بينها الغاء تجاره الرقيق، من بين ابرزهم الوزير خير الدين التونسي، والذي كان في الاصل عبدًا لدي احمد باشا باي!

كذلك اعتمد احمد باي في حملته ضد الرّق علي كسب تاييد عُلماء الدين، الذين استحثّهم بالنصوص الدينيه علي الوقوف معه في حملته هذه. ويظهر الامر جليّا في الامر الذي اصدره عام 1846 بالغاء العبوديه تمامًا في تونس، والذي وجّه فيه بصوره مُباشره رساله الي عُلماء الدين يحثهم فيها علي نصره العبد المُستجير من سيّده، مُقدمّا لها بما يدعم موقف حملته من المنهج الشرعي، استنادًا علي قاعده “درء المفسده مُقدّمه علي جلب المصلحه”:

اقتضي نظرنا والحاله هذه، رفقًا باولئك المساكين (العبيد) في دُنياهم، وبمالكيهم في اخراهم؛ ان نمنع الناس من هذا المُباح المُختلف فيه، والحاله هذه خشيه وقوعهم في المُحرّم المُحقق المجمع عليه. *من اعلان تحرير العبيد في تونس (1846)

بهذا الاعلان، وهذه الرساله اُلغي الرّق في تونس تمامًا بصوره رسميّه، سابقه في ذلك مُعاهده برلين الدوليه التي وُقّعت عام 1855، وقبلها الاعلان العالمي الصادر من لندن عام 1848.

وبعد القانون التونسي باكثر من عشرين عامًا، اصدر لينكولن اعلانه الخاص بتحرير عبيد ولايات الجنوب. وقد كانت ثمّه اصوات في مؤسسه الحكم الامريكيه تُنادي بتعميم الغاء الرق علي انحاء الولايات المُتّحده، ولا يُنكر ان لينكولن نفسه كان من بين المُؤيدين لذلك، وان لم يتخذ موقفًا تجاه قضيته خلال سنوات الحرب، درءًا لاي انشقاق في ولايات الشمال.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل