المحتوى الرئيسى

الإسم الفلسطيني

08/14 10:12

لم يتردد في ما دُعي الربيع العربي اسمُ فلسطين. لم تتضمّن هتافات ولا اناشيد ولا برامج هذا الربيع ذكراً لها، لقد اختفت تماماً عن الحدث وزالت من تضاعيفه. غياب مُطبَق لم يكن مع ذلك صادماً. شعر به العرب لكنهم لم يستهجنوه ولم يتفاجاوا به ولم يُثِر ذعرهم ولا عجبهم، وكانه كان هكذا دائماً، او كان عدداً من التراكمات تكدّس، وبدون وعي منا ولا انتباه، علي هذه المساله بحيث انه اغرقها وغيّبها من دون ان نشعر، فقد كان كل شيء يحدث ببطء وبالتدريج بحيث انه عندما اكتمل لم يلح لاحد غريباً، ولم يُذهل احداً ولا استنكره احد.

ما هي هذا التراكمات التي تكدّست علي القضيه الام وغيبتها بل واخفتها عن العيون، فكان ان اختفت بما يشبه السحر، وكان ان غابت فجاه عن الكلام والخطاب والنظر والسمع. اكان ممكناً ان يحدث ذلك للمساله التي منذ 1948 وليس للعرب سوي ذكرها، وليس هناك من محرك للسياسه سواها، وليس هناك من عمود للخطاب السياسي غيرها، وليس هناك من باعث علي التغيرات والارتدادات والانقلابات والصعود الي الحكم والزوال عن السلطه، وليس هناك من عذر وحجه للسياسه والسياسيين الا هي، وليس من عماد للبرامج والخطط المستقبليه والمشاريع العسكريه والتنمويه الا هي، ولا قاعده للدوله ورؤيه للمجتمع من دونها. لقد ملات فلسطين طوال ثلثي قرن بل اكثر حياتنا السياسيه والثقافيه والاجتماعيه ولم تكن مجرد مساله، كان لها اطيافها وممثلوها وروادها وشخصياتها بحيث انها بعد 1967 التي كانت تجديداً لنكبتها احدثت شقاً في التاريخ العربي المعاصر، وسببت عدداً من الحروب الداخليه. كما انها كانت ردحاً من الزمن كلمه العرب الواحده وخطابهم الجامع، فكيف امكن ان تغيب بدون شعور بالذنب ولا لوم للذات ولا تانيب، هل هي خيانه مطلقه ام جريمه كامله لم تترك اثراً واحداً او دليلاً، ام هي سحر من السحر واعجوبه من الاعاجيب، فقد تم اختفاء المساله التي شغلت التاريخ العربي المعاصر كله، ولم تترك وراءها حسره ام لائمه.

لا اقول، بالطبع، انها خيانه ولا مؤامره ولا تجديف وكفر فهذه جميعها لا تعمل الا كهوامات. لا بدّ ان تاريخاً سلبياً، تاريخاً مضاداً، بدا منذ سقوط فلسطين 1948 وقبل ذلك الموعد تردّدت نكسات وخيبات ومرارات مبعثها كلها المساله الفلسطينيه، اذ لا بد ان هذه المساله جاءت، مبكراً ومبكراً جداً، لتكشف انحلال المجتمعات العربيه وهلاميتها وتقليديتها وركودها وتاخرها وانعزالها عن العصر واستنقاعها وترديها بل وجمودها. كانت التراجيديا الفلسطينيه كاشفه بالتاكيد لحياه كهفيه ونباتيه ولا تاريخيه بالكامل، لكن المساله التي كشفت كل هذا التردي لم تكن بحد ذاتها حلاً ولا جواباً. لقد ايقظت من دون شك وعياً بالكارثه ووعياً بالظلم ووعياً بالكرامه لكن كان وعياً احادياً اذ وهو يطرح المهانه القوميه والدينيه في جانب منها، فان الرضّه والجرح والشعور بالاذلال امور طغت علي هذا الوعي النامي. كان لا بدّ من القوه حيال الضعف الذي بدا عياناً، كان لا بدّ من الحرب ازاء الهزيمه التي حلّت صارخه وصارمه، كان الجرح ضارياً بحيث ان التعويض هو الذي تصدّر، والاسترداد استرداد الشخصيه واسترداد الذات واسترداد الانا هو الذي فرض نفسه. كان العود الي الماضي والي التاريخ او المخيله التاريخيه هو الجواب الاولي، انكفاء الي الوراء ولجوء الي القفص التاريخي والي هوامات الماضي مع تمجيد للقوه واحلام بالحرب ولغه بطوليه انتصاريه. كل ذلك تجاور مع احلام معاصره قوامها التصنيع والوحده والاشتراكيه لكن ذلك اقترن بحلم قوه مَرَضي جرّ الي الحكم طُغَماً عسكرياً لم يكن لها اي وعي بالعصر وادراك له. طغم عسكريه لم تستطع ان تبني دولاً بكل المعاني. لم تبن دولاً ذات هيمنه ولا دولاً ذات بيروقراطيه فاعله، ولا دولاً قادره علي التوحيد الاجتماعي او قادره علي الاحتواء الاجتماعي. كانت كلمه فلسطين وشعار فلسطين مفتاحاً لقيام هذه الطغم التي، في افضل الاحوال، انتجت فاشيات علي النمط السوفياتي. والحال ان هذا الوعي الاحادي قطع الطريق علي تنميه فعليه، كما قطع الطريق علي تحديث فعلي، وجعل البلاد في ايدي شلل عسكريه مافياويه قبليه لعبت علي الانقسامات واستغلّتها بقدر وافر، والارجح ان المجتمعات التي بقيت في حاله هلاميه لم تجد اي رابطه او لحمه او ثقافه جامعه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل