المحتوى الرئيسى

الخيار المتاح أمام الحركة الكردية

08/13 14:06

هل تنحاز الي روح العصر وبناء مستقبل تركيا، ام تنضم الي القوات التي تكافح من اجل اعاده عقارب الساعة الي الوراء؟

هناك بعض المعالم الهامه في تاريخ الحركه الكرديه:

اولا: القرار الذي اتخذته في التسعينيات بالسعي للتوصل الي حل داخل تركيا، بدلا من انشاء كردستان موحده ومستقله في الاجزاء الاربعه من كردستان الكبرى، وهي: تركيا وايران والعراق وسوريا.

ثانيًا: قرار التوصل الي حل للقضيه الكرديه بحلول عام 2009؛ عبر المشاركه مع الحكومه المدنيه بدلا من النظام التركي غير الديمقراطي الذي يمارس دور الوصايه بقياده الجيش. وبحلول هذا التاريخ ايضا كان قد اصبح واضحا ان ميزان القوي في تركيا تحول بحسم لصالح الحكومه المدنيه بدلا من المؤسسه البيروقراطيه العسكريه غير المسؤوله.

ثالثًا: قرار مواصله النهوض بالحقوق الكرديه من خلال الوسائل السياسيه بدلا من الكفاح المسلح، وهو ما انعكس في اوضح صوره عبر خطاب زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان اثناء الاحتفال بعيد النيروز يوم 21 مارس-اذار 2013.

رابعًا: استهداف انشاء حركه سياسيه يمكن ان تصل الي ابعد من الاكراد، وتخلق ارضيه مشتركه مع شريحه اليسار الليبرالي غير الكردي من المجتمع..

كل هذا يعتبر نقاط تحول ايجابيه.

ولان كافه القرارات المذكوره انفًا كانت متماشيه مع روح العصر ومتصالحه مع تيار التاريخ؛ لم تؤدي الا الي تعزيز الحركه الكرديه. وانطلاقًا من هذه القرارات، نجحت الحركه في احداث اختراق لدوائر انتخابيه جديده، وتحسين علاقاتها مع الغرب، وبدا يُتعامل معها كقوه شرعيه ومسؤوله.

هذا يعني ان الحركه الكرديه كلما تصرفت بمسئوليه، وتحسنت علاقتها بتركيا، واتبعت مسارا سلميا لحل القضيه التركيه، كلما اكتسبت قبولا تركيًا وشرعيه دوليه، واصبحت قوه لا يُستهان بها.

لكن هذه ليست نهايه الحكايه، بل هناك فصل سياسيّ اخر من تاريخ الحركه الكرديه:

- في عام 2004، ابان المفواضات الجاده بين تركيا والاتحاد الاوروبي، وحزمه الاصلاحات التي شقت طريقها تباعا الي البرلمان، انهي حزب العمال الكردستاني وقف اطلاق النار- الذي تمَّ التوصل اليه بعدما قُبِضَ علي عبدالله اوجلان في عام 1999- واستانف حربه ضد تركيا.

لم يستفِد من هذه الخطوه اكثر من بقايا النظام الكمالي، بمكوناته العسكريه والمدنيه. وقدمت هذه الحرب، التي وصفها الخطاب الرسمي بانها منخفضه الحده، بين حزب العمال الكردستاني وتركيا، شريان حياه وارضًا مِطواعه لهذه العناصر القذره غير الخاضعه للمساءله، من اجل البقاء، ومنحتها الامل في العوده مره اخري الي الصداره.

- وفي عام 2007، مع انتهاء مده ولايه الرئيس احمد نجدت سيزر، اندلع صراع من طراز ليّ الذراع بين حكومه حزب العداله والتنميه والجيش حول اختيار رئيس تركيا القادم؛ حيث كان الجيش يرغب في تحاشي وصول عبد الله جول للرئاسه- مستشهدًا بحجاب زوجته كاساس مشروع لاعتراضه- ما دفع حزب العداله والتنميه الي الدعوه لانتخابات مبكره لتسويه النزاع.

احرز الحزب فوزا ساحقا علي هذه القوي الرجعيه، التي تفضل- الي جانب امور اخري- استمرار السياسه الاستيعابيه القديمه واعتماد نهج قمعي تجاه الاكراد. ومع ذلك، لجا حزب العمال الكردستاني الي مستوي اعلي من العنف بعد الانتخابات.

- وفي عام 2009، تشاركت تركيا مع حزب العمال الكردستاني في محادثات سريه لتسويه القضيه. جرت المحادثات في العاصمه النرويجيه اوسلو، وبالتالي سميت "عمليه اوسلو". وكانت هذه هي المره الاولي التي تنخرط فيها الدوله مع حزب العمال الكردستاني مباشره لايجاد صيغه للحل. لكن للاسف، شن حزب العمال الكردستاني هجوما في بلده سيلفان يوم 14 يوليو/تموز 2011، اسفر عن مقتل 13 جنديا، ما ادي الي اخراج العمليه عن مسارها.

مره اخري، اصبح العنف امرًا يوميًا.

- وكان 2012 في الواقع اكثر الاعوام دمويه في القتال بين حزب العمال الكردستاني وتركيا منذ القبض علي عبدالله اوجلان عام 1999. وبتشجيع من ثورات العالم العربي، اعتقد حزب العمال الكردستاني ان بامكانه خلق زخم مماثل، فدعا الناس الي بدء "الحرب الثوريه الشعبيه"، لكن دون جدوي.

وبناء علي هذه الاخفاقات السابقه، انطلقت عمليه السلام الجاريه- التي سبق وان شهدت انتكاسات خطيره- واكتسبت هيكلًا جديدًا.

من حركه متمرده الي قوه سياسيه

في اوقات الصراعات، واتخاذ القرارات باعاده شن الحرب، لم يجد حزب العمال الكردستاني، او الحركه الكرديه بشكل عام، حلفاء حقيقيين. كان احتمال توسعه السياسي محدودا للغايه، وتم التعامل معه باعتباره تحديا امنيا وليس قوه سياسيه تقدميه لا يستهان بها.

في المقابل، اثناء عمليه (عمليات) السلام، تواصلت الحركه مع دوائر انتخابيه جديده، وصاغت علاقات مع الغرب، واصبح يُنظَر اليها باعتبارها قوه سياسيه كبيره في طريقها الي اعاده تشكيل مستقبل تركيا.

هاتان الصورتان المختلفتان توضحان ان الثروه السياسيه للحركه الكرديه في تركيا تتوقف علي امكانيه تحويل نفسها من حركة تمرد مسلحه الي قوه سياسيه مدنيه، ومواءمه مطالبها مع روح العصر.

بدورها، تُقَدِّم الحركه الكرديه نفسها كجبهه موحده، علي الرغم من مكوناتها المختلفه. كان هذا هو الموقف منذ فتره طويله، فيما يتعلق بالتلاقي حول موقف مشترك في التعامل مع تركيا. وقد اثبتت الحركه مهاره شديده في تبني استراتيجيه متكامله.

ومع ذلك، عندما يسال احد: مصالح مَن تلك التي خدمها انتهاج هذا الموقف اكثر، تبدا الصوره في التغيُّر. هكذا هو الحال بصفه خاصه عندما يتعلق الامر بسؤال: من الذي اتخذ قرار عوده الصراع؟

يعيد كل نزاع التسلسل الهرمي الداخلي بين مختلف مكونات اي حركه؛ خاصه بين الجناحين العسكري والسياسي. وفي حين يستفيد الجناح المسلح من هذه الصراعات، فانها تكلف الجناح السياسي غاليا. والحركه الكرديه ليست استثناء.

ولان الحركه بدات باعتبارها تمردًا مسلحًا؛ يصبح للشخص القادر علي ضغط الزناد عاده اسبقيه علي نظيره المفترض ان يقوم بالمهمه السياسيه التي تحظي بمستوي اقل من الحماس. لكن انخفاض النزاع المسلح نسبيًا علي مدي العقد الماضي وفَّر ارضيه مواتيه للجناح المدني والسياسي لفرض نفسه بقوه اكبر.

ومع اتخاذ قرار بوجوب سعي الحركه الكرديه جاهده للوصول الي ما هو ابعد من الدائره الانتخابيه الكرديه، وتقديم نفسها كحزب يساري تركي غير منغلق، تلقي الجناح السياسي للحركه دفعهً الي الامام. وهو المشروع الذي حظي بدعم محلي ودولي كبير.

لكن الاندلاع الاخير للعنف طمس هذه الصوره، وحَدَّ من نطاق السياسه الكرديه، وشوه صورتها دوليا. وكلما لجا حزب العمال الكردستاني للعنف، كلما تراجعت احتماليه التواصل مع الفاعلين المستعدين للتعامل معه.

بعباره اخري، كلما سبح حزب العمال الكردستاني ضد تيار العصر، كلما واجه عزله في السياق التركي وعلي الصعيد الدولي.

في التسعينيات، كانت الدوله هي التي تسبح ضد تيار العصر. عندما ضربت موجات الديمقراطيه والتحول الديمقراطي اجزاء مختلفه من العالم، مرت تركيا بتجربه مختلفه تماما. اذ اصبحت الدوله اكثر قسوه في قمع مطالب مواطنيها الديمقراطيه، وغير خاضعه للمساءله، واقل شفافيه.

جسَّدت الدوله كل ما يتناقش مع روح العصر؛ ما ادي الي اضعاف شرعيه الدوله في عيون مواطنيها.

في ذلك الوقت، كان للحركه الكرديه هدفين رئيسيين:

اولا؛ المطالب السياسيه للحركه، التي تراوحت بين التطلعات الانفصاليه الي النهوض بحقوق الديمقراطيه.

ثانيًا؛ ارادت الحركه ان يُعتَرَف بها كفاعل رئيس ينبغي علي الدوله ان تنخرط في التفاوض معه علي هذه المطالب.

وكان الاعتقاد بان الدوله لم تكن مستعده لتلبيه اي من الهدفين مبررا لاستخدام العنف كوسيله لبلوغ هذه الغايات السياسيه.

بيدَ ان العصر والظروف تغيرت بشكل كبير منذ ذلك الحين.

اولا: لا توجد عناصر لا يمكن طرحها علي طاوله التفاوض السياسي بشان القضيه الكرديه، بما في ذلك مساله تداول السلطه.

ثانيًا: بدءًا من عمليه اوسلو وصول لعمليه السلام الاخيره، اظهرت الحكومه انها مستعده للاعتراف بالوكاله السياسيه لحزب العمال الكردستاني، ومكانتها كفاعل كبير. وبالتالي، يمكن تحقيق اثنين من هذه المطالب دون اللجوء الي السلاح.

هذا يُبطِل حجه حزب العمال الكردستاني باللجوء الي السلاح لتحقيق الاهداف المعلنه داخل تركيا. ويجعل اصرار الحزب علي استخدام السلاح يؤدي فقط الي الاضرار بمستقبله الخاص.

ثالثًا: حدث تحول اجتماعي وتمايز فيما يتعلق بالقاعده الاجتماعيه لحزبي الشعوب الديمقراطي والعمال الكردستاني المؤيده للاكراد. في السابق، كانت القاعده الاجتماعيه للاحزاب السياسيه المواليه للاكراد وحزب العمال الكردستاني متشابهه، اكثر او اقل قليلا.

للتوضيح اكثر، كان حزب العمال الكردستاني، وليس هذه الاحزاب، هو الذي سيَّسَ هذه القاعده الاجتماعيه التي دعمت الاحزاب السياسيه المواليه للاكراد؛ ما جعل اليد العليا لحزب العمال الكردستاني في تعامله مع الجناح السياسي.

لكن هذه الصوره تغيرت جزئيًا، ان لم يكن جذريًا، في الانتخابات العامه الاخيره التي جرت يوم 7 يوليو/تموز 2015. فبدلا من الحصول علي 6-6.5٪ من الاصوات، وهي النسبه التي اعتادت الاحزاب المؤيده للاكراد تحصيلها، حصل حزب الشعوب الديمقراطي علي اكثر من 13% من الاصوات.

وعلي الرغم من ان تطلعات القضيه الكرديه ومظالمها لعبت دورا هاما في هذه الزياده التصويتيّه، فان قسما كبيرا من هؤلاء الناخبين الجدد لم يكونوا ضمن الشريحه التي خضعت لعمليه التسييس التي قام بها حزب العمال الكردستاني.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل