المحتوى الرئيسى

الجنس في زمن الثورة!

08/13 04:11

في ايام التحرير -يناير/فبراير ٢٠١١- حٓذّٓرٓنا بعضُ اعداء الثوره علي شاشات التلفاز من "انهم"، يقصدون المعتصمين، "يقيمون علاقات جنسيه كامله، هناك، في الميدان"!

مذ ذاك الحين والجنس هاجس من هواجس الثوره المضاده. فالثوار "مخنثون، شواذ، اباحيون". والثوره "معولٌ لهدم قيمنا وتقاليدنا الاصيله".

كل هذا لا يهم. فماذا يمكنك ان تتوقع من الثوره المضاده غير التفزيع من الحريه؟ الذي يهم هو رده فعل الثوره علي محافظي الثوره المضاده.

الملفت ان الثوره، علي الاجمال، كانت هي الاخري محافظه، بطريقتها الخاصه. ففيما عدا اصوات قليله رؤي ان نزقها يشق الصف الثوري، رفعت اغلب الاصوات الموصوفه بانها ثوريه رايات العفّه عاليه خفاقه، مؤكده انها اذ تسعي لبناء مجتمع سياسي جديد، لا تنتوي تهديد القيم الاخلاقيه للمجتمع القديم، خاصه تلك المتعلقه بالجنس وتابوهاته الازليه!

ربما كان تفسير النزعه المحافظه للثوره ان التحالف الذي قادها في ايامها الاولي ضم الاخوان المسلمين. ربما! لكن الامر فيما اري ابعد من هذا. فلا اتخيل ان الثوره كانت ستصبح متحرره اجتماعيًا لو كان الاخوان خارج تحالف الميدان. فشتّان الفارق بين يناير ٢٠١١ ويناير ١٩٧٢، حين كان الطلاب المنتفضون، المستدفئون بالكعكه الحجريه، اكثر جراه علي قيم راسخه راوها انذاك باليه.

معضله الثوره لم تكن في هذا التحالف التكتيكي او ذاك، لم تكن في تقلبات السياسه اليوميه، وانما كانت في تسٓيُّد، او فلنقل "هيمنه"، رجعيه اجتماعيه تطرح نفسها كاصوليه سنيه، وتري اصلاح الدنيا من منظور صلاح الاخلاق، وتري صلاح الاخلاق من زاويه هوس التسلّط علي الابدان.

فشلت الثوره في تحدي هيمنه الاصوليه السنيه. فاغلبيه قادتها المدنيين، من قوميين ناصريين، الي ليبراليين جدد واجتماعيين، الي يساريين ستالينيين سابقين، استبطنوا الجانب الاكبر من الرجعيه الاسلاميه وزايدوا عليها من منطلق "الحفاظ علي هويتنا المصريه". اما الاقليه المارقه، فقد طرحت "اجندتها التحرريه" في مواجهه الثوره وعلي يمينها، كهوي برجوازي شخصي مرتعد من "ثوره الرعاع" ومستنجد من الناس بالسلطه!

سقط الساسه في الامتحان اذن، فاستمر خطاب عفه الجسد مجلجلًا، واثقًا، ومهيمنًا.

لكن هذا ليس كل شيء. ففي تحد للشعائر والنواهي، ولهيمنه الخطابات المحافظه، واصلت ثوره جنسيه صامته، مسكوت عنها، ذات عمر مديد يسبق ثورتنا السياسيه بكثير، لكن مشوهه كما سنري، سيرها في داب.

اينعم ما زالت القيم القديمه تصر علي الاعلان عن نفسها باكثر الطرق تخويفًا، وما زال العالم ممتثلًا مقيمًا للشعائر مرددًا للخطاب. لكن تحرر الممارسه العاطفيه والجنسيه ينجح دائمًا ان يتوسع وينتشر بهدوء رغم انف كل سلطه.

اصل الحكايه انه لا يمكن تربيع الدائره. بنيان العالم القديم يتاكل يومًا وراء يوم، فكيف لك ان تحافظ علي ممارساته؟

نقطه البدء لخلخله العالم القديم كانت انهيار السد الاجتماعي الفاصل بين الرجال والنساء.

في ماض قديم كانت اغلبيه النساء محصورات في وظيفه الزوجه العامله في خدمه زوجها والابناء، او الابنه التي تنتظر ابن الحلال. كل هذا خارج اي احتكاك بالرجال الغرباء. فحتي الريفيات اللواتي فرض عليهن نمط انتاج العائله الفلاحيه المشاركه في اعمال الحقل، كن يقمن بهذا الدور في سياق تقسيم عمل اسري في بيئه تقليديه تعرف بعضها بعضًا، مما لا يتيح مجالًا للاتصال الحر بين النساء والرجال الغرباء.

هذا العالم تقوّض ولم يبق منه حتي الاطلال. والمفارقه ان الفتره منذ نهايه السبعينات وحتي يومنا هذا، فتره صعود الاسلاميين، كانت من بين الفترات الاكثر مفعولًا في تقويضه. فقد تكفلت هجره الرجال الي النفط، والازمات الاقتصاديه، وسياسات النيوليبراليه بطلبها الزائد علي العمل النسائي الرخيص، وانتشار تعليم النساء كشرط لرفع سعر المراه في سوق الزواج، وتفكك الاسره فيما يُطلق عليه مجتمعات العشوائيات، تكفل هذا كله باخراج الاغلبيه الساحقه من النساء الي الفضاء العام، دون رقيب، مع ازدياد نسب النساء الموّلدات للدخل، وهو ما يعني استقلالًا اقتصاديًا نسبيًا يزيد من هامش حريتهن في اتخاذ القرار.

قل ما شئت حول حياه النساء الاكثر بؤسًا وشقاءً واضطهادًا. كلامك صحيح. لكن صحيح ايضًا ان اندماجهن في عالم كان من قبل حكرًا علي الرجال اصبح حقيقه واقعه. فاذا اضفت الي هذه الحقيقه حقيقه اخري، هي ان مؤسسه الاسره تختنق تحت ضغوط اقتصاديه تؤخر سن الزواج وتفرض علي الازواج الانفصال بالسفر، فربما تفهم ان البنيه التحتيه التي تستند اليها النزعات المحافظه اصبحت كعصا موسي التي ياكلها النمل.

الان لم يعد ممكنًا عزل النساء عن بيئه مختلطه ينمو فيها الحب كما ينمو الفطر بعد المطر. الان اصبح الزواج صعبًا لمن هم ادني من الطبقه الوسطي العليا. الان ملايين النساء لديهن مصدر مستقل للدخل. فما الذي تتوقعه؟ ليس اقل من ثوره عاطفيه وجنسيه تحت السطح الاخلاقي للمجتمع. ثوره تعبّر عن نفسها في صوره تحايل ناعم علي نواهي الدين والعرف باشكال شتي، تبدا من الزواج العرفي والسري، ولا تنتهي عند عمليات ترقيع غشاء البكاره، او حتي الاعتقاد بان سرقه قبله في شارع مظلم ليست ذنبًا كبيرًا، خاصه وان "الله غفور رحيم ونحن، تقريبًا، نراعي كل نواهيه الاخري"!

لكن هذه الثوره، المزلزله حقًا، حُرمت من اهم شروط الثوره: شجاعه المواجهه. فالثورات لا تتسلل ولا تخجل من نفسها. من هنا، فان التحرر الجنسي النسبي المنتزع عمليًا هو محض براجماتيه منسحقه امام القيم الاجتماعيه السائده؛ محض فعل ذليل يخبّئ نفسه من نفسه.

المضحك المبكي ان المنتصر هو نفسه المهزوم. الضحيه هو الجاني. من يسرق اليوم قبله علي الكورنيش هو نفسه من سيفضح في الغد شابًا اخر يمارس الفعل ذاته.

ان كانت هذه المفارقه تعني شيئًا، فهي تعني ان ثوره في الفعل دون ثوره في الفكر ليست اكثر من علامه تحلل، ليست اكثر من حل رجعي لازمه تجاوُز البني الاجتماعيه للقيم السائده، حيث يتم التهليل للقيمه في تزامن مع خيانتها. وفي حالتنا فان القيمه، الرجعيه، التي تُطعن ويُهلل لها هي العفه، اي امتلاك الرجال للنساء، او علي وجه ادق امتلاكهم لاجساد النساء، حيث ان الارواح يصعُب ان تُمتلك.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل