المحتوى الرئيسى

"قاتل حمزة".. الطريق الخطأ إلى الحرية

08/12 18:09

في سلسله طويله من الروايات المتميزه في الأدب الأسلامى المعاصر تحول التاريخ الإسلامي منذ بدايه الرساله حتي القرن العشرين الي ينبوع عذب في يد الاديب والروائي الاسلامي الاكثر اهميه الدكتور نجيب الكيلانى فصاغ من احداثه الكبري ورجاله العظماء والامه وعثراته روايات اعادت الحياه للتاريخ وشخوصه، وكشفت بفنيه رائعه احداثا لم يكن كثيرون يعلمون عنها شيئا، ونفخت الروح في شخصيات كاد يطويها النسيان، وتعرضت للتشويه في اطار اعمال ادبيه قدمت التاريخ الاسلامي بصوره مشوهه تثير الكابه والاشمئزاز من احداثه ورجاله: حروب ودماء، وخيانات ومؤامرات، ومجرد حكايات عشق غيرت مجري التاريخ.

في روايه "قاتل حمزه" مزج نجيب الكيلاني بين الحدث التاريخي والجدل الانساني الشهير حول معني الحريه الحقيقيه بلغه شاعريه راقيه انطق فيها ابطال الروايه بماساه الانسان وحيرته في كل عصر وزمان تجاه هذه القيمه الانسانيه العظيمه التي تاهت العقول البشريه وهي تبحث عن حقيقتها، فمره تظنها في المال والزينه، وثانيه في اللهو والمتع الحرام، وثالثه في القوه والسيطره وامتلاك كل شيء، واحيانا هي كل ما سبق لو تيسرت اسبابه، بينما هم في الحقيقه غارقون في العبوديه وقيودها الظاهره والخفيه حتي قمه رؤوسهم. 

ولعل ذلك كان استلهاما لخلاصه كتاب العبوديه لابن تيميه:

          "الحريه حريه القلب.. والعبوديه عبوديه القلب"

بطل الروايه وحشي بن حرب، العبد لدي احدي اشهر الاسر القرشيه في زمن الدعوه الاسلاميه، وهو انموذج يجسد الايمان المزيف ان الحريه هي امتلاك القوه والمتعه، وهو في هذا كان ضحيه لحاله الفراغ الروحي والانحراف عن الفطره الالهيه، وضحيه رمزيه لجبروت الساده وطغيانهم علي الضعفاء من الناس، الضعفاء الذين القت بهم حظوظهم وتقاليد واعراف الانسان الظالمه في محرقه العبوديه الظالمه التي لا تري في الرقيق الا كائنات اقل انسانيه واقرب الي الحيوان منها الي الانسان، فسحقت اروحهم وشوهتها وشوهت معها المعني الحقيقي للحريه.

وعندما ظهرت دعوه التوحيد والعبوديه الحقه لله خالق الانسان ومالكه ناي وحشي بنفسه عن نور الهدايه، ورفض الايمان بالرساله التي اقرت المساواه بين الناس جميعا في الاصل الانساني، وانهم يحملون الروح نفسها التي نفخها الله في ادم ابي البشر، ظانا ان عبوديه الله التي تحدث عنها الاسلام مثل عبوديته وامثاله للساده.

يصور الكيلاني في روايته وحشي كائنا كفر بكل المبادئ التي يمثلها الساده:

 "ما افكر به هو ماساتي انا.. عبوديتي الذليله.. المبادئ وهم.. لا قيمه الا بالقوه"

جهل وحشي ان الحريه ليست قضيه فرديه، وانه لن يجد الحريه في مجتمع مكه المنحرف عن الفطره الذي يقسم الناس الي ساده لهم كل شيء، وعبيد ليس لهم شيء حتي الاقرار ببشريتهم، وظن ان الساده الذين لا يؤمنون بانه انسان اصلا سوف يعترفون بحريته، وانه يمكن ان يكون مثلهم ان توفرت له الوسيله، ولذلك لم يمانع في ان يعقد صفقه مع مالكه تكون ثمنا لحريته يقتل فيها حمزه عم النبي -صلي الله عليه وسلم- ثارا لمقتل احد الساده الذين اذاقوا امثال وحشي صنوف القهر والاذلال.

ومن يومها بدات ماساه وحشي، ماساه ضياع الطريق الي الحريه الحقه نتيجه الاوهام والتصورات الخاطئه، فحمزه -انموذج المسلم- كان اقرب اليه من سيده الذي حرضه، فهو يمثل الدين الجديد الذي اعلن ان الناس كلهم من اصل واحد ومن اب واحد، سواسيه كاسنان المشط، وان لا فضل لعربي علي اعجمي الا بالتقوي، وهو الدين الذي وجد فيه الارقاء راحتهم وسلوتهم فيه، واعترافا بادميتهم حتي كان بلال العبد السابق هو الانسان الذي يصعد علي ظهر الكعبه محاطا بالاجلال والاحترام ليؤذن للصلاه فيتقاطر المسلمون استجابه لصوته بخشوع وامتنان وطاعه.

نجح وحشي في الحصول علي حريته لكنه اكتشف انها وهم كبير في مجتمع مكه الطبقي المتعفن، فلا الساده اقتنعوا به حرا يساويهم ولا هو عاش كالاحرار، فقد ظلت نفسه مغلوله بالعبوديه لوهم القوه والمتعه، وفوجئ بحبيبته عبله المسلمه سرا ترفض الزواج منه، وفوجئ بسيده السابق يرفض ان يبيع له عبله احتقارا له لانه بطلبه شراء شيء من ضمن ممتلكاته قد تجاوز حده ونسي انه كان عبدا عنده اشتراه بماله.

وتتصاعد ازمه وحشي في ظل حريته الموهومه وقلبه العبد للهوي والاوهام، وينسي انه حر فيفشي بنذاله سر عبله لسيدها الذي يجن بدوره ويهبها لوحشي بشرط تعذيبها واذلالها فيقبل الشرط ويحاول استخدام سلطته الجديده لينال قلب الفتاه التي ترفضه وترفض كل نعيم يلوح لها به لانها وان كانت رقيقا في الظاهر الا ان قلبها قد تحرر بالاسلام فصارت حره حقا، وظل وحشي الحر في نظرها عبدا لكفره وخساسته ووشايته ورضاه ان يقتل غيله وغدرا حمزه عم النبي رغم انه يقول انه لا شان له بالحرب بين محمد وقريش.

لم يسعد وحشي بحريته المزعومه، وظل مرعوبا من انتقام المسلمين منه، وعجز عن رؤيه الحق الابلج الذي جذب الضعفاء والعبيد من كل مكان للايمان به، وعندما انتصر الاسلام حاول الهروب لولا ان هناك من ايقظه من اوهامه ودله علي الطريق الصحيح لنيل الحريه الحقيقيه فلحق شعاعها حتي وقف امام النبي ليكتب شهاده حريته الحقيقيه وينالها من نبي الحريه:

- اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل