المحتوى الرئيسى

إخوان مصر: ضغوط غير مسبوقة ومسار مجهول (دراسة)

08/12 16:02

خرجت جماعه الاخوان المسلمين في مصر من وضع الانكماش الدفاعي الذي كانت تتارجح فيه خلال الاشهر الثمانيه عشر الاولي بعد انقلاب العام 2013 الذي اطاح محمد مرسي من الرئاسه، واختارت هيئات قياديه جديده. وبناءً علي مقابلات اجراها مؤلّفا هذه الورقه مع مجموعه من اعضاء ومراقبي الجماعه بين ايار/مايو وحزيران/يونيو 2015، يبدو واضحاً ان اعضاء وقاده جماعه الاخوان اجروا مراجعه داخليه واسعه، ومثيره للجدل علي مايبدو، للاخطاء التي حدثت في الفتره الفاصله بين سقوط الرئيس السابق حسنى مبارك في العام 2011، وبين عزل مرسي من السلطه. وقد وصلوا الي نتيجه مماثله بصوره مذهله للنتيجه التي عبّرت عنها الجماعات المعارضه العلمانيه عن جماعه الاخوان، ومفادها ان الجماعه لم تكن "ثوريه" بصوره كافيه. اما كيف يُترجم هذا الحكم الي استراتيجيه سياسيه محدّده، فيبدو اقلّ وضوحاً وربما حتي لم يتقرّر بعد.

مع ذلك، يبدو واضحاً ان قاده الاخوان قلقون بشان الاحتفاظ باعضائهم الشباب. فقد اصبح اعضاء الجيل الاصغر سنّاً الهدف الرئيس للانتهاكات غير المسبوقه لحقوق الانسان وعمليات تجنيد المتطرّفين، سواء من جانب عصابات صغيره او جماعات كبيره مثل انصار بيت المقدس، التي تتّخذ من سيناء مقرّاً لها، والتي الحقت نفسها بتنظيم الدوله الاسلاميه. واصبح قاده الاخوان من كبار السن، الذين كانوا يصرّون في الماضي علي الانضباط الصارم من جانب الرتب الدنيا، والصبر والتدرّج وتجنّب المواجهه الكامله مع النظام، يذعنون بصوره متزايده الي اولئك الذين يرغبون في اتّباع نهج اكثر حزماً تجاه جهاز أمن الدولة المصري.

تسبّب تصاعد العنف في مصر في صيف العام 2015، عندما قتل المتشدّدون في 29 حزيران/يونيو النائب العام هشام بركات، وهو ارفع مسؤول يتم اغتياله في البلاد منذ عشرين عاماً، وكذلك شنّ اكبر هجوم علي الجيش في سيناء حتي الان في الاول من تموز/يوليو، في حدوث تصعيد مقابل في حمله القمع التي شنّتها الدوله ضد الاخوان، بما في ذلك الحكم باعدام اعضاء في الجماعه. حدث ذلك علي الرغم من فشل الحكومه في تقديم اي دليل علني علي وجود علاقه بين الجماعه والجماعات المتشدّده المسؤوله عن هذه الهجمات. وقد تعهّد الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 30 حزيران/يونيو 2015، بتنفيذ احكام الاعدام، مايزيد من احتمال ان يتم اعدام بعض او كل قاده الاخوان المسلمين (بمن فيهم مرسي، والمرشد العام السابق محمد بديع الذي يقبع في السجن، ورئيس البرلمان السابق سعد الكتاتني) واخرين ينتظرون حالياً تنفيذ حكم الاعدام بحقّهم، ويزيد عددهم عن 60 شخصاً.1 وكانت قوات الشرطه قتلت تسعه اشخاص يُشتبه في انهم اعضاء في جماعه الاخوان المسلمين، من بينهم عضو سابق في البرلمان، في القاهره في 1 تموز/يوليو، في اطار ماوصفته السلطات بانه اشتباك مع ارهابيين مسلّحين، في حين وصفته مصادر الاخوان بانه اعدام خارج نطاق القانون. 2 هذه التطورات تثير احتمالات تصاعد العنف غير المنضبط علي نحو اعلي من اي وقت مضي.

يمكن ان تكون لاعاده تنظيم وتوجيه جماعه الاخوان اثار بعيده المدي علي الحركه، والاسلام السياسي بصوره عامه، ومستقبل مصر السياسي. فجماعه الاخوان ليست في اي حال حركه المعارضه او الجماعة الإسلامية الوحيده في مصر (نمت السلفيه بصوره كبيره في العقد الماضي3). كما ان بعض القضايا المطروحه بالكاد مرّت مرور الكرام، حيث استقطبت الصراعات علي توجّه الجماعه وغزلها مع العنف الكثيرَ من التعليقات. 4 غير ان جماعه الاخوان لاتزال مهمّه ومؤثره في مصر والمنطقه العربيه. وقد يكون التحوّل الذي تشهده الجماعه وايديولوجيتها وهيكلها، وكذلك المكانه التي تحتلها في صفوف المعارضه في مصر، اعمق مما توحي به المشاحنات اليوميه.

ربما تكون جماعه الاخوان المسلمين في مصر المنظمه غير الحكوميه الانجح في تاريخ البلاد، حيث كانت تزدهر عندما يتم التساهل معها، وتبقي حيه عندما تُقمع، وتجدّد نفسها بين حين واخر علي مدي مايقرب من تسعه عقود. وتُعدّ موجه القمع الحاليه اشدّ من اي موجه شهدتها الحركه علي الاقلّ منذ عهد ثم الرئيس جمال عبد الناصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وبعد محاوله اغتيال عبد الناصر الفاشله في العام 1954، والتي نُسِبت الي جماعه الاخوان، تم حظر الجماعه وحوكم اكثر من 1000 من اعضائها، وسُجن اخرون كثر في معسكرات اعتقال في الصحراء من دون توجيه اي تهمه اليهم. 5 كان سيد قطب من بين سته تم اعدامهم في نهايه المطاف في العام 1964، والذي شكّلت افكاره مثل التكفير (الادّعاء بان المجتمعات القائمه ليست اسلاميه حقيقيه وبالتالي فهي اهداف مشروعه للحرب) النصوص التاسيسيه لاجيال عدّه من المتطرّفين الاسلاميين، مثل كتابات الذين اغتالوا الرئيس انور السادات في العام 1981. وقد تحوّل الراديكاليون الي اتجاهات مختلفه، فقد اطلق بعضهم حركه تمرّد هزّت مصر في تسعينيات القرن الماضي، في حين انجذب بقيّتهم نحو قاده تنظيم القاعده، مثل اسامه بن لادن وايمن الظواهري.

وفي حين انتجت حمله القمع الناصريه التطرّف، فان حركة الإخوان لم تتبنّ الفكره القائله ان الدوله المصريه جزء من الجاهليه. وسعت بدل ذلك الي المشاركه في النظام وفي اعاده صياغه وتشكيل المجتمع من خلال الاصلاح والتدرّج. في سبعينيات القرن الماضي، سمح السادات لجماعه الاخوان بالظهور مجدداً، ربما كثقلٍ موازن للقوي اليساريه. وفي الثمانينيات، سمح حسني مبارك لاعضاء جماعه الاخوان، التي ظلت منظمه غير قانونيه، بخوض الانتخابات علي القوائم الحزبيه للاحزاب السياسيه المرخّصه الحريصه علي جمع اصوات اضافيه. وشيئاً فشيئاً بنت جماعه الاخوان وجودها السياسي، وحصلت علي نسبه 20 في المئه من المقاعد في مجلس الشعب في انتخابات العام 2005، والتي كانت اكثر حريه نسبياً من الانتخابات الاخري في عهد مبارك.

غير ان التقدم السياسي لجماعه الاخوان لم يكن ثابتاً، حيث وقعت الجماعه ضحيه لعبه القط والفار مع النظام الذي سمح لها بالعمل ضمن حدود متغيّره باستمرار. وشهدت فتره التراجع في الحريات السياسيه والمدنيه من العام 2006 حتي العام 2011 سجن عدد من كبار قاده الاخوان وتم منع الجماعه عموماً من الترشّح في الانتخابات.

بعد اربعه عقود من الانفتاح والانغلاق السياسي المتشنّج، بدا ان جماعه الاخوان فوجئت مثل معظم المصريين بانتفاضه العام 2011 الشعبيه ضد مبارك، والتي اوجدت فرصه سياسيه مفاجئه سمحت للجماعه بتشكيل حزب الحريه والعداله. تبعت ذلك سلسله من الانتصارات الانتخابيه للاخوان (بلغت ذروتها بفوزها في الانتخابات الرئاسيه في حزيران/يونيو 2012)، الامر الذي جعل الجماعه عرضه الي التمحيص والتدقيق، وحتي الي سلسله دوليه ومحليه غير عاديه من التسريبات وتبادل الاتهامات بشان الصراعات الداخليه، بصوره اكبر بكثير مما عرفته في اي وقت مضي.

كانت فتره السنه التي امضاها محمد مرسي في منصب الرئاسه صعبه وغير مستقرّه بالنسبه الي جماعه الاخوان التي لم تكن مهيّاه للحكم. لابل كانت اكثر صعوبه لمعارضي وحلفاء الجماعه السياسيين علي حدّ سواء، الذين اغضبهم اسلوب جماعه الاخوان الذي يعتمد علي الاغلبيه، وعدم اهتمامها بمساهمات غير الاسلاميين في الدستور، والمواجهه التي خاضتها مع السلطه القضائيه، والميل الي عزل نفسها او الانخراط مع السلفيين.

في اعقاب التظاهرات الكبيره المناهضه للاخوان التي كانت تدعو الي اجراء انتخابات مبكره، تسبّب انقلاب الجيش علي مرسي في تموز/يوليو 2013 في حدوث موجه من الفعل وردّات الفعل، حيث قاومت جماعه الاخوان وحلفاؤها السلفيون والاسلاميون الاخرون الانقلاب عن طريق المظاهرات الكبيره والمستمره. قمعت السلطات تلك المظاهرات بوحشيه كبيره (بما في ذلك القتل الجماعي لاكثر من 1150 من المتظاهرين المؤيدين لمرسي في ميداني رابعه العدويه والنهضه في اب/اغسطس 2013 6). اثارت عمليات القتل الجماعي موجه من الهجمات من جانب انصار جماعه الاخوان علي الشرطه والكنائس (دعم البابا القبطي تواضروس الثاني الانقلاب علناً)، واهداف اخري. واستمرت عمليات الانتقام والردّ بالمثل.

كانت حمله النظام القمعيه قاسيه. ويقال انه اعتباراً من اواخر العام 2014، كان مايقدّر بـ42 الف شخص قيد الاعتقال، 7 بمن فيهم كل القياده العليا لجماعه الاخوان، فضلاً عن الاف عدّه من اعضائها او مؤيّديها، والذين اعتقل الكثير منهم خلال المظاهرات. وقد وثّقت الجماعات الحقوقيه المصريه والدوليه المئات من حالات التعذيب والوفيات في الحجز بسبب سوء المعامله او الافتقار الي الرعايه الطبيه، والاعتداء الجنسي كاداه للتخويف، وحالات الاختفاء القسري بين المنشقّين المنتمين الي جماعه الاخوان، فضلاً عن العديد من الجماعات الاسلاميه او العلمانيه الاخري. 8 ذهب المئات من انصار مرسي من داخل وخارج جماعه الاخوان الي المنفي، حيث توجّه اكثرهم الي تركيا، فيما ذهب البعض الي اوروبا او اميركا الشماليه. لم تفقد جماعه الاخوان وضعها القانوني وحزبها السياسي ووسائل اعلامها وحسب، بل تم تصنيفها ايضاً باعتبارها منظمه ارهابيه، وهي الخطوه التي سمحت للحكومه باغلاق او السيطره علي مئات المنظمات غير الحكوميه، وكذلك الشركات التجاريه التي يقال انها تابعه للجماعه او كبار اعضائها.

وفي سياق مجموعه موازيه من التطورات، استغلّ المتشدّدون في سيناء الانقلاب والفوضي التي اعقبته كفرصه لتصعيد حربهم علي القوات المسلحة المصرية. كانت جماعه انصار بيت المقدس ضمن تلك المجموعه، وهي التي ركّزت في البدايه علي اهداف اسرائيليه، لكنها بدات بالفعل بمهاجمه الجنود المصريين اثناء رئاسه مرسي، ما اسفر عن مقتل سته عشر جندياً في كمين في سيناء في اب/اغسطس 2012. 9 وبين خريف العام 2013 وصيف العام 2015، تصاعد التمرّد، الامر الذي ادّي الي شنّ هجمات شبه يوميه صغيره وهجمات كبيره في بعض الاحيان علي مواقع للجيش اسفرت عن مقتل المئات من الجنود والمسلّحين. وبسبب التعتيم الاعلامي، كان من الصعب الحصول علي ارقام دقيقه. وعلي الرغم من ان الحكومة المصرية لم تقدّم، اعتباراً من صيف العام 2015، دليلاً علي وجود علاقه بين الاخوان وجماعات مثل انصار بيت المقدس (عدا تصريح جري نقله كثيراً عن محمد البلتاجي احد قاده الاخوان يقول فيه ان العنف الذي يحدث في سيناء ناجم عن الانقلاب 10)، فقد استمرت وسائل الاعلام الحكوميه في تعزيز العلاقه المزعومه في كثير من الاحيان. علي سبيل المثال، ربط فيديو صادر عن القوات المسلحه، تم نشره بعد هجوم واسع شنّه المتشدّدون في سيناء في الاول من تموز/يوليو 2015، مرسي وقادهً اخرين في جماعه الاخوان بالهجوم ضمناً، عن طريق عرض صور ارشيفيه لهم. 11

التجارب الصعبه المتمثّله في الانفتاح السياسي القصير والفوضوي من اوائل العام 2011 الي حزيران/يونيو 2013، فضلاً عن المتاعب الشديده التي واجهتها من تموز/يوليو 2013 حتي العام 2015، حدت بجماعه الاخوان المسلمين الي التشكيك في القيمه الدائمه للعديد من الانجازات التي تحقّقت في العقود السابقه، والتي تمكّنت خلالها من الصعود رويداً رويداً بعد حمله القمع التي تعرضت اليها في الحقبه الناصريه.

من الواضح ان جماعه الاخوان تمرّ الان في مرحله تحوّل صعبه وذات اثار بعيده المدي، كتلك التي مرّت بها في اعقاب اشتباكها مع النظام في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. كما ان التحوّلات الجاريه في الجماعه واضحه هي الاخري. فقد اصبح التنظيم اقلّ هرميّه واقلّ تركيزاً علي الجدوي التنظيميه الخاصه به، واقلّ اصراراً علي تمييز نفسه عن الجماعات الاسلاميه والثوريه الاخري. حصيله هذه التغيّرات تجعل الحركه مختلفه عما كانت عليه في الماضي القريب. وكما لاحظ بعض المراقبين، فان جماعه الاخوان المسلمين التي لم تعد هرميّه ومنضبطه وحذره وجامده، ليست ببساطه الجماعه التي كانت موجوده سابقاً.

لم يعد السؤال يتعلّق بما اذا كانت هذه الاتجاهات حقيقيه. فهي واضحه ولاتبذل قيادات الحركه اي جهد لانكارها. السؤال هو الي اي مدي سوف تمضي هذه الاتجاهات قدماً.

الخطوه الاولي، بعيداً عن التسلسل الهرمي الجامد، تبدو لافته. فعندما كانت جماعه الاخوان تنمو، كانت تحوي ميولاً ورؤيً متعدّده، غير ان القياده العليا، مكتب الارشاد والمرشد العام، مارست سيطره محكمه علي المسائل التنظيميه. وفي حين كان اعضاء جماعه الاخوان يتمتّعون في الغالب بحريه المناقشه والتعبير عن ارائهم بشان العديد من المسائل، وعندما يتعلّق الامر بالافعال (او حتي التعبير عن اراء فرديه بشان بعض القضايا العقائديه والمذهبيه التي تحدثت عنها الجماعه بصوره حاسمه)، كان يتوقّع منهم جميعاً ان يمتثلوا للاوامر او يواجهوا اجراءات تاديبيه. كما ان وجود خلايا ضيّقه مترابطه بصوره هرميّه، سمح للجماعه بالعمل بصوره متماسكه عندما كان قادتها يرون انها بحاجه الي ذلك. والواقع ان احد الاسباب التي مكّنت الجماعه من ان تبلي بلاءً حسناً في استطلاعات الراي، تمثّل في قدرتها علي تحويل نفسها الي اله لفرز الاصوات. لكن لم تبدُ براعه الجماعه في القياده والسيطره مثيره للاعجاب في وقت الانتخابات وحسب. فقد سمح التسلسل الهرمي للجماعه بان تنفّذ قرارات صعبه، وتحافظ علي نفسها في ظل ظروف غير مواتيه، وتوزّع مواردها بطرق بارعه من الناحيه التكتيكيه.

في المقابل، يبدو ان من هم في القاعده يحكمون الحركه، في البيئه الجديده، اكثر ممن هم في قمتها. ويظهر ان المزيد من كبار الاعضاء مستعدّون للاذعان الي الاعضاء الاصغر سنًا. فقد اكّد عضو بارز في اسطنبول التزام الحركه بنبذ العنف بيد انه تحدث عن دوافع جيل الشباب بنوع من التسليم ازاء شعور الشباب بـ "الطاقه الشخصيه." واشار هو واخرون الي ما اعتبروه رغبه مفهومه للانتقام لن يكون من المجدي معارضتها او التصدّي لها. وتحدّث عضو بارز عن الاعضاء الشباب باعتبارهم "اكثر جراه"، ووصف دور القياده علي انه يقوم علي توجيه تلك الدوافع بوسائل مثمره. ولاحظ احد الاعضاء ممن انخرطوا مع الشباب علي نطاق واسع مدي اختلاف الجيل الصاعد، حيث يرجع ذلك جزئياً الي التجارب التكوينيه بين عامي 2011 و2013. وقال: "هم لم ينشاوا علي قيم جماعه الاخوان، بل نشاوا في المظاهرات ومنتديات الانترنت، وافكار الحريه الشخصيه المستفاده من الخارج، وحتي من افلام هوليوود". وقال اسلامي اخر ليس عضواً بل مراقب لجماعه الاخوان عن كثب انه "لايوجد زعيم له سلطه معنويه الان. ولا احد يستطيع ان يقول ’ثقوا بي‘، فالقاعده تستفسر عن كل شيء". وتحوّلت جماعه الاخوان الي تنظيم مختصر نوعاً ما، وقيّدت نفسها بالبيانات الرسميه التي يبدو انها تخفي الخلافات، مايسمح للافراد بالكلام بطريقه حماسيه ووصف مواقفهم بانها شخصيه وليست منسوبه للتنظيم.

قد تجعل موجه القمع التي تقودها الدوله الاداره الجزئيه اكثر صعوبه في اي حال، كما ان الحاله المزاجيه للقاعده تنتشر ببطء عبر الجماعه بوسائل هامه. ويبدو والحاله هذه ان ثمّه شعوراً بان الجيل الاكبر سنّاً جرّب مجموعه من الاساليب (اعتمد بتانٍّ علي قدر ضئيل من الانفتاح لزياده الانشطه الاجتماعيه والسياسيه تدريجياً) التي اما انها فشلت او لم تعد ملائمه. كما ان هناك غضباً يمور بطيئاً ويجعل التانّي، وهو الفضيله التي طالما اعتزّت بها الجماعه، اقل تقديراً. فقد قال احد الشباب الاسلاميين بشان الاحداث التي وقعت في اب/اغسطس 2013: "كل شيء تغيّر في اليوم الذي وقعت فيه مجزره رابعه".  واضاف ان "صعود تنظيم الدوله الاسلاميه، تزامن مع تدمير التجربه الديمقراطيه في مصر، واصبح عامل الوقت في صالح الراديكاليين". واشار العديد من الشباب الذين تمت مقابلتهم الي تصريحات او خطوات محدّده من جانب مرسي او عضو مكتب الارشاد خيرت الشاطر (كان يعتبر قوه دافعه رئيسه للجماعه الي ان تم اعتقاله بعد الانقلاب)، توحي بانها تعرّضت الي الخديعه من السيسي واخرين في الدوله.

ثانياً، لم تعد جماعه الاخوان تركّز علي الحمايه الذاتيه كما كانت تفعل في السابق. فقد بدا، في بعض الاحيان، ان الاعضاء الذين اعادوا بناء الجماعه رويداً رويداً من سبعينيات القرن الماضي فصاعداً، يعملون ولديهم شعور بانهم يؤدّون دوراً تاريخياً علي المدي الطويل. اذ اسندت اليهم مهمه كانت تتطلّب استمرار سلامه الحركه وقدرتها علي البقاء، وكانوا يفكرون بلغه العقود او الاجيال لا بلغه الاشهر. لم تكن الاحتياجات التنظيميه غايه في حدّ ذاتها، بل كانت وسيله لتحقيق الاهداف الاصلاحيه والدينيه للجماعه. ولكن من خلال الحفاظ علي جماعه الاخوان وحمايتها، امكن لقاده الجماعه ان يورّثوا للاجيال اللاحقه الادوات اللازمه لرفع مستوي المجتمع حتي لو لم تكن الظروف تبشّر بالخير في تلك المرحله المعيّنه من الزمن. كان هذا، علي الاقل، هو موقف القاده، وهو يساعد علي تفسير حذرهم وتردّدهم في العديد من اللحظات الهامه.

مع ذلك، تبدو جماعه الاخوان الان اقلّ نفوراً من المجازفه. وربما يكون حجم القمع هو الذي يجعل الاعضاء يشعرون بانه ليس لديهم الكثير ليخسروه. بيد ان التحوّل يبدو ايضاً نتاج القوه المتزايده للشباب داخل الجماعه، بما في ذلك ترقيه الاعضاء الاصغر سنّاً الي المناصب القياديه، ويرجع ذلك جزئياً الي سجن معظم كبار القاده.

اخيراً، لم تعد جماعه الاخوان تميّز نفسها بصوره حادّه عن بقيه معسكر المعارضه. ذلك ان شعور الحركه القوي بالتنظيم والانضباط، ادّي بها سابقاً الي رسم خطوط فاصله حادّه جداً بين من كان عضواً في الحركه، وبين من لم يكن، وبين التدرّج في العضويه. كان الانضمام الي جماعه الاخوان التزاماً كبيراً من حيث الوقت والطاقه وحتي الموارد. كانت لدي الجماعه نزعه الي ان تكون شاناً اسرياً، حيث كان يتم تشجيع الاعضاء علي مزامله بعضهم بعضاً وان يتزوجوا من داخل الجماعه. وقد اسفر ذلك عن مجموعه من الروابط الشخصيه المُحكّمه التي ساعدت الحركه، غير انه يمكن ايضاً ان يجعلها انعزاليه واحياناً عديمه الحساسيه في افضل الاحوال عند تعاملها مع غير الاعضاء.

البيئه الجديده، التي اصبحت فيها القاعده اكثر تمكيناً، تعطي زمام المبادره لمن امضوا قدراً اقلّ من حياتهم في الجماعه، ويبدون اكثر استعداداً للتواصل مع من لديهم افكار مماثله ممن لم يلتزموا بالتنظيم. فقد وصف اسلامي شاب مقرّب من الحركه، لكنه ليس عضواً فيها، الموقف بالقول "الان لم يعد بامكاننا الاستماع الي الاخوان وهم يتحدثون بما يفوق قدرتنا علي الفهم". بدلاً من ذلك، يتحدّث النشطاء الاصغر سنّاً العن مناقشات حيويّه تجري بين الاعضاء وغير الاعضاء في المنفي وفي مصر حول اتجاه حركات المعارضه والاسلام السياسي عموماً. ربما تكون المظاهرات التي جرت في اعقاب سقوط مرسي، والتي شارك فيها المتعاطفون من خارج الحركه، قد عزّزت بعض الروابط الشخصيه وخلقت شعوراً عميقاً بالظلم ازاء العنف الذي يمارس. والان ياتي التاثير من الافعال والمظالم، تعويضاً عن الزمن الذي كان فيه التفاني التنظيمي والتاريخ هما العمله الرئيسه في الحركه.

في حين يبدو واضحاً ان جماعه الاخوان اصبحت تنظيماً مختلفاً، لاتزال الهياكل القديمه قائمه. والواقع ان قاده الجماعه يدّعون انهم وجدوا طريقه لالمجرّد احياء الهياكل القديمه وحسب، بل لاعاده صياغتها وتشكيلها بما يتلاءم مع البيئه الجديده. ويدّعي القاده انه تم ملء العديد من المناصب الشاغره في مكتب الارشاد ومجلس الشوري، علي الرغم من انه لن يتم الاعلان عن اسماء الاعضاء بسبب الخوف من خطر الاعتقال. وقد تم وضع خطط طوارئ لاستبدال جميع القاده اذا تم القبض عليهم، وفي بعض الحالات يشمل خط الخلافه طبقات عدّه. وتزعم القياده ان الخليه الاساسيه للاخوان المتمثّله بالاسره فعّاله في جميع انحاء البلاد. وقد تم انشاء هيئه خارجيه جديده للاشراف علي اعضاء الاخوان في المنفي. ويراس الهيئه التي تتّخذ من اسطنبول مقراً لها احمد عبد الرحمن، عضو مجلس الشوري، والشخص الذي يعطي انطباعاً بانه نصير تنظيمي من الطراز القديم، غير ان الجماعه تضمّ ايضاً بعض الشخصيات ذات الافق العالمي مثل عمرو درّاج ويحيي حامد، وكلاهما كانا وزيرين في عهد الرئيس مرسي. ومع ذلك، لم يُكشَف النقاب عن معظم اسماء الاعضاء. اذ لاتقدّم مجموعه اسطنبول نفسها باعتبارها القياده، وهي تجاهر بالولاء لمكتب الارشاد في مصر، لكنها موجوده للتفاعل مع المحاورين الدوليين.

من الصعب القول الي اي مدي تبدو هذه الاوصاف للانتعاش التنظيمي نوعاً من التبجّح، ولكن حتي لو كانت صحيحه، فان قاده الاخوان يقرّون بضروره ان يكونوا علي اهبه الاستعداد لمواجهه التحدّيات الجديده. لم تكن الحركه مضطرّه ابداً لتحقيق التوازن بين جناح خارجي واخر داخلي فيها (الواقع ان الممثلين الدوليين الاكبر سنّاً في الاخوان شكوا من مجموعه اسطنبول الجديده). وفي خطوه غير معهوده، يعترف قاده الاخوان بانهم يتشاورون مع الحركات الاسلاميه في اماكن اخري حول كيفيه التصدّي للتحدّيات الناشئه، علي غرار حركه النهضه في تونس، التي اضطرّت هي الاخري الي الربط بين القاده الخارجيين وبين الحركه الداخليه التي تتم قيادتها سراً.

ارتبكت الجماعه بين التصريحات الناريّه للعديد من اعضائها وانصارها، وبين المتحدّثين الرسميين الاكثر حذراً الي حدٍّ ما. فقد اصبحت قاعده الجماعه هي التي تضع اجندتها علي نحو متزايد، ويبدو ان من يتم اختيارهم للقياده يستنفدون بعض طاقتهم في المتابعه بدل القياده.

قد يكون قاده الاخوان الجدد اقلّ حذراً ممن سبقوهم جزئياً، لانهم منشغلون بكيفيه الاحتفاظ بولاء الاعضاء الشباب. ويدرك القاده وكبار السنّ في جماعه الاخوان تماماً، ويتم تذكيرهم باستمرار، بان الجماعات المتطرّفه، مثل جماعه انصار بيت المقدس، تنشط في عمليات التجنيد. ويتابع الاعضاء الشباب الحملات التي تقوم بها هذه الجماعات في وسائل التواصل الاجتماعي بعنايه، والسبب في ذلك، جزئياً، هو البحث عن المتشدّدين الذين ربما اتوا من جماعه الاخوان او من الجماعات العلمانيه التي كانت ناشطه في انتفاضه العام 2011. ويشعر قاده الاخوان بالقلق ازاء تاثير الحملات الاعلاميه التي ينظمها المتطرّفون، حيث اشار احدهم الي صوره تم تعميمها علي نطاق واسع تظهر صورتين جنباً الي جنب: احداهما للمرشد العام السابق للاخوان محمد بديع الذي يقبع في السجن وهو يرتدي الزي الاحمر الخاص بالمحكومين بالاعدام، والاخري لاحد قاده تنظيم الدوله الاسلاميه وهو يتباهي بالدبابه التي استولي عليها. وقال احد قاده الاخوان في المنفي: "الاسلاميون المعتدلون والراديكاليون يتقاتلون للاستحواذ علي فئه الشباب نفسها".

بدا ان الاسلاميين الشباب الذين تمت مقابلتهم في ربيع العام 2015، والذين ينتسب بعضهم الي جماعه الاخوان المسلمين، فيما البعض الاخر غير منتسب اليها، لايزالون غاضبين من قيادات الاخوان بعد عامين من الانقلاب وليسوا في مزاج للتخفيف من انتقاداتهم. ويبدو ان القاده الاكبر سنّاً قبلوا هذه الانتقادات الداخليه برضوخ، واتفقوا علي منح الاعضاء الشباب مساحه زمنيه كبيره في المناقشات الداخليه وكذلك نصيباً اكبر من الادوار القياديه. ويقال ان ربع اعضاء مكتب الارشاد الجديد في مصر تحت سن الخامسه والاربعين، وهناك عضو واحد علي الاقلّ تحت سن الثلاثين.

استعراض اخطاء الماضي يصل الي نتيجه مماثله لتلك التي وصل اليها النقّاد

يتمثّل جوهر النقد الذاتي داخل جماعه الاخوان، الذي اقترحه الاعضاء الاصغر سناً، في ان القياده فشلت في ادراك ان ماحدث في العام 2011 كان ثوره حقيقيه في المجتمع المصري وفي التصرّف وفقاً لذلك. لم تعمل قيادات الاخوان بالتعاون مع من يرغبون في احداث تغيير حقيقي، بل ختارت بدلاً من ذلك دخول الدوله المصريه من خلال انتخابات سريعه (تم الاتفاق عليها مع المجلس الاعلي للقوات المسلحه الذي تولّي زمام الامور بعد مبارك) ثم حاولت ترتيب اصلاحات متواضعه، وهي الخطه التي فشلت فشلاً ذريعاً. وقال احد الشباب الاسلاميين: "لقد فشلنا في البناء علي القيم العميقه التي ظهرت اثناء الثوره. وبدلاً من ان ناخذ الوقت اللازم في المرحله الانتقاليه، اخترنا ايجاد حلول سياسيه سطحيه." واضاف اخر: "كان الانتقال نحو الانتخابات بهذه السرعه يمثّل اشكاليه، لان اجزاء كثيره من الثوره لم تكن ممثّله في العمليه السياسيه". تحدث القاده الشباب باسف عن المواطنين من اجزاء اخري من الطيف الايديولوجي الذين تُركوا في حال من الذل والهوان، عندما سارع الاخوان الي جني مكافاه الانتخابات، ليصطدموا بالكيان الراسخ للدوله المصريه.

اتفق المتحاورون الكبار والصغار علي ان الثوره كانت "غير اسلاميه" و"غير ايديولوجيه". واشار احد كبار اعضاء جماعه الاخوان باسف الي انه "كان لدي الاخوان مشروع معّين لمده قرن وحاولوا تنفيذه بعد العام 2011، ولم يدركوا انه لم يعد مناسباً لدوله ثائره". وقال عضو بارز في الجماعه انها لم تكن قادره علي التكيّف بسرعه كافيه، مع الحاجه الي وجود "برامج واسعه تستند الي القيم"، وهو الامر الذي كان يتطلّب التخلّي عن عقيده راسخه تقول ان الحركه مسؤوله عن "تحمّل العبء نيابه عن الامه". ويستذكر قاده الاخوان قرارهم، عندما واجه مرسي تحدّيات علمانيه صاخبه بصوره متزايده، بتغيير موقفهم والتحالف مع السلفيين ضد القوي العلمانيه في البرلمان الذي انتخب في اوائل العام 2012 باعتباره كارثه. اذ قال احدهم: "لم يكن هذا ما ارادته الثوره". اذ كان من شان مسار اكثر ثوريّه ان ياخذ علي عاتقه القيام بعمليه اعاده هيكله جدّيه للمؤسّسات القويه، علي غرار اصلاح القطاع الامني وكوادر الخدمه المدنيه، بيد ان جماعه الاخوان اختارت استرضاء هذه المؤسسات.

بينما يبدي قاده الاخوان من كبار السن حساسيه تجاه الايحاء بانهم خانوا ثوره العام 2011، يتفق الشباب والشيوخ علي ان القرارات التي اتّخذتها القياده للعمل مع الدوله كانت ساذجه. اذ قال احد الشباب: "في زمن الثوره، نظرنا الي الشرطه فقط كعدو، وليس الي الدوله. الان اصبح الجيش والشرطه والقضاء والبيروقراطيه كلهم اشراراً". ويعزو وزير سابق في حكومه مرسي اخطاء قاده الاخوان الي قلّه الخبره في الحكم، قائلاً: "لم نكن اغبياء بل كنا مبتدئين".

وفقاً لما يقوله احد القاده، يناقش اعضاء جماعه الاخوان داخل مصر وخارجها الان، "لماذا قدمنا الاف الشهداء والسجناء لمجرّد ان نكون جزءاً من دوله كانت تقوم علي القمع، والقهر، والتخويل، والسعي الي تحقيق مكاسب شخصيه". وقال اسلامي شاب ان المشكله الاساسيه هي ان "الدوله تعتبر نفسها، وليس الشعب، مالكه البلاد".

الاستنتاج الذي يقول ان جماعه الاخوان لم تكن ثوريه، يختلف تماماً عن الانتقادات الموجّهه الي الجماعه من جانب العديد من النقاد الغربيين والمصريين الموالين للنظام، والتي تقول ان جماعه الاخزان تحرّكت بمنتهي العدوانيه داخل الدوله، او صنعت الكثير من الاعداء، او فشلت في التواصل مع القوي الرئيسه المعارضه لها، او ان اعضاءها كانوا ببساطه غير اكفاء في مناصبهم.  غير ان لديها قدراً كبيراً من القواسم المشتركه مع انتقادات الناشطين الشباب العلمانيين المصريين الذين يتّهمون جماعه الاخوان بخيانه الثوره من خلال التحالف مع الجيش.

قبلت جماعه الاخوان ضمنياً انتقاد حلفائها العلمانيين السابقين، حيث يتحدث الان اعضاء جماعه الاخوان بلغه التعاون العابر للايديولوجيا. غير ان هذا لايعني انه سيتم قريباً ترميم الجسور. فلايزال هناك الكثير من الضغائن والاحقاد بين الناشطين الشباب العلمانيين وبين جماعه الاخوان. اذ يلقي الشباب العلماني باللائمه علي جماعه الاخوان لانهم افسدوا فرصه مصر في انجاز تحوّل ديمقراطي حقيقي، في حين تشعر جماعه الاخوان بالمراره تجاه حلفائها العلمانيين السابقين الذين ايّدوا، في البدايه علي الاقلّ، انقلاب تموز/يوليو 2013، علي الرغم من ان الكثير منهم انقلبوا بصوره حادّه ضدّ السيسي بعد القمع الدموي وبدء العمل بقانون منع التظاهر القاسي.

وبينما لاتزال جماعه الاخوان تتمتّع علي الارجح بدعم قاعده كبيره داخل مصر، فضلاً عن تعاطف كثير من الاسلاميين الاخرين معها، فقد تكون غير واقعيه بشان الاستعداد الحالي للجمهور الاوسع لاعطائها فرصه اخري بعد فتره حكم مرسي الفاشله والحمله القويه لشيطنه الاخوان في وسائل الاعلام الرسميه منذ ذلك الحين.14

هل تقوم جماعه الاخوان بثوره؟

في حين لايزال هناك اكثر من راي داخل جماعه الاخوان، يبدو واضحاً ان الحركه تمرّ بمرحله تحوّل، في ظل الضغوط الشديده لفتره مابعد تموز/يوليو 2013. وهي تبتعد عن نهجها القديم في التغيير التدرّجي المتمهّل الذي يبدا بالمجتمع باتجاه نهج تغيير ثوري يركّز علي الدوله نفسها.

اذا كانت جماعه الاخوان الان حركه ثوريه علي نحو خجول، فاي نوع من الثوره تسعي اليه؟ ذلك ان كلمه "ثوره" غامضه، وهي تعني علي الارجح اشياء مختلفه بالنسبه الي الاشخاص المختلفين. وفقاً للبعض، قد تكون مجرّد نوع من تغيير النظام اكثر راديكاليه من ذاك التي حدث في العام 2011، وربما تمتدّ الي مجموعه اوسع بكثير من المسؤولين الذين يتولّون مسؤوليه المؤسّسات الرئيسه في مصر. وبالنسبه الي اخرين، لاتبدو المهمه ببساطه استبدال المسؤولين بل تغيير ثقافه الدوله القائمه، كما يرونها، علي التحكّم والنفعيه والفساد والهيمنه. ومن الممكن ان نسمع بين مؤيدي جماعه الاخوان من الشباب المزيد من المشاعر المتطرّفه لابشان تغيير الهياكل السياسيه وحسب، بل بشان المجتمع والثقافه ككُل، مايجعلها اكثر عرضه الي المساءله واقلّ هرميّه وسلطويّه.

ربما شهد اعضاء جماعه الاخوان العاديون طموحاتهم وهي تنمو، غير ان ثمّه شعوراً بالتصميم لايزال يسود الجماعه. ويعتبر النظام الحالي غير مستقرّ، حيث تؤدّي الاشاعات حول الصراع علي السلطه والوقيعه بين كبار المسؤولين في مصر الي انطباع بان ثمّه اضطرابات اخري مقبله.

يبدو ان جماعه الاخوان لاتري نفسها باعتبارها مثيره لتلك الاضطرابات، بقدر ماتري نفسها في المشاركه بتوجيهها عند حدوثها. ولا ينكر اعضاء الحركه انهم ممقوتون من جانب شرائح في المجتمع المصري، لكن يبدو انهم متفائلون بشان احتمالات استعاده دور قيادي عندما يصبح الضغط من اجل التغيير لايقاوم. الراي السائد هو ان هذه اللحظه لن تاتي في غضون ايام، لكنها لن تستغرق عقوداً ايضاً.

لكن، اذا كان مصطلح "الثوره" غامضاً، ويستوعب العديد من المعاني، وغير مقترن الي الان باستراتيجيه مميّزه، فانه ليس خاوياً وبلا معني. والفكره القائله ان جماعه الاخوان يجب ان تلتزم بالقواعد التي وضعها النظام هي الان موضع سخريه. بادئ ذي بدء، يمكن القول ان جماعه الاخوان الثوريه ليست مهتمّه في خوض الانتخابات، وتامين مقاعد متناثره في البرلمان، او قبول دور مناط بها بان تكون حركه اجتماعيه غير سياسيه. فالنضال من اجل التغيير السريع هو الان في قلب اجنده الحركه التي تحدثت سابقاً عن التدرّج والاصلاح؛ ولم يعد يسمع اصرار كبار السنّ علي انه اذا كان التغيير السياسي مستحيلاً، فان في وسع الاعضاء التركيز علي تطوير الشخصيه. كانت جماعه الاخوان المسلمين من الجيل الماضي متكيّفه تماماً مع فكره سلطه الدوله، لكنها كانت تنتقد كيفيه استخدامها. كانت تودّ ان يظهر اهل السلطه قدراً اكبر من الاحترام للتوجيه الاخلاقي الذي يقدّمه الاسلام. المزاج العام في العام 2015 يتحرّك ببطء وحذر باتجاه جماعه تشكّك في الدوله والسلطه القائمه باشكالها الحاليه.

هل تعني الثوره العنف؟ هنا تبدو جماعه الاخوان متّسقه مع مبادئها لكنها غير واضحه. الموقف الرسمي للحركه يتمثّل في انها تمقت العنف. ولبعض الوقت، كانت اللازمه الشائعه ان المرتكب الحقيقي للعنف هو النظام الحالي، وان من تعرّضوا الي التعذيب او شهدوا مقتل اصدقائهم او اغتصاب قريباتهم سيردّون حتماً.

ولكن حتي هذا النهج المراوغ، والذي يزعم النقّاد انه ضوء اصفر للاعضاء الذين يحتمل ان يكونوا عنيفين، افسح الطريق منذ اوائل العام 2015 لدفق مستمر من الكلام الاكثر حدّه (اذا كان لايزال عامّاً) عن الجهاد والردّه والانتقام. فقد حذّر بيان لجماعه الاخوان صدر بعد وقت قصير من مقتل تسعه من اعضاء الجماعه في الاول من تموز/يوليو من ان مرحله جديده قد بدات "لن يكون من الممكن فيها السيطره علي غضب المظلومين"، ودعت المصريين الي "الثوره للدفاع عن وطنكم".  15 وبعد اعدام عدد من الاسلاميين من غير الاخوان في ايار/مايو، اصدرت الجماعه بياناً قالت فيه ان الكلمات ضد النظام لم تعد تكفي، وانه" لاصوت يعلو فوق صوت الانتقام". 16 ودعا بيان نشر علي موقع الاخوان في 30 كانون الثاني/يناير، وتم حذفه بعد بضعه ايام بعد ان اثار جدلاً كبيراً، "الثوار" الي الاعتراف بان مرحله جديده من "الجهاد الذي لاهواده فيه" قد بدات، والتي "نطلب فيها الشهاده". 17 لابل ان وسائل اعلام مقرّها في تركيا تابعه او متعاطفه مع الاخوان، مثل قناتَي "مصر الان" و"مكملين" التلفزيونيتين، عرضت بيانات اكثر تحريضاً، غالباً من ائمه اسلاميين ليسوا اعضاء في جماعه الاخوان، باتت تشكّل جزءاً من نمط من التصعيد الخطابي المتبادل بين الاخوان وبين نظام السيسي.18

مع ذلك، يعبّر العديد من قاده الاخوان والشباب في السرّ عن تناقض حول النتائج المحتمله لاستخدام العنف ضد الدوله. فقد قال احد الشباب: "نحن نعلم انه فخّ، وان النظام يحاول اغراءنا للدخول في معركه لايمكننا ان نكسبها". وقال مثقف مقرّب من الحركه ان كبار قاده الاخوان قلقون من ان القياده الشابه الجديده قد تعتمد استراتيجيه عدوانيه من شانها تقويض عقود من العمل بنت خلالها الحركه بعنايه ايديولوجيه الاعتدال وسمعته.

لكن وفقاً لاحد الشباب الاسلاميين، فان الحديث عن اللاعنف "لامعني له" ببساطه في بيئه من العنف المتطرّف الذي تمارسه الدوله. ويسخر الاسلاميون الشباب بصراحه من شعار الاخوان "سلميتنا اقوي من رصاصهم [الشرطه]"، والذي يقولون انه كاذب بصوره واضحه. وليس من المرجّح ان يحاول قاده الاخوان منع او معاقبه الدفق العفوي من الغضب - الذي يستهدف المباني والسيارات او حتي ضباط الشرطه المتورّطين في انتهاكات - من جانب من وصفهم احد القاده بانهم "شباب لديهم طاقه للانتقام"، ان كانوا قادرين في الواقع علي القيام بذلك.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل