المحتوى الرئيسى

المياه كلها بلون الغرق- الجزء الأول

08/10 22:45

- الامر الذي لن انساه ابداً في كل مره افاجا فيها من نفسي، او بعد كبوه اواجهها هو ما قاله مره صديق ملهم حين سُئل "ما الشيء الذي يُعجبك فيك!؟"، وقبل ان اُفصح لكم عن اجابته، لنتفق اولاً علي شيء واحد مهم؛ انه لمن الصعب جداً ان يتحدث الواحد عن نفسه !! فكيف به يتحدث عما يُعجبه فيه!؟.. ردّ صديقي الملهم علي السؤال السابق: "انني لا افقد الامل فيَّ.. ولا ايئس من نفسي".

-هذا الاعتراف لهو حقاً السمفونيه الكامله، ولون الايجابيه الاوحد، والقطره الانقي من عصير الذات الذي لم اعرفه طويلاً. ما يجعلني اُكْبِر مثل هكذا اعتراف جريء هو انني، قد وقعت في فخاخ كثيره بسبب عدم ايماني بهذه الفكره. او اقولها بوجه اكثر صحه، لم اتمكن من قبل خطو هذه الخطوه نحو الخلاص من السمّ الفتاك ابداً؛ الياس.

- شابه عنوان هذه المقاله عنوان كتاب للفيلسوف العدمي إميل سيوران الذي قال يوماً: "مع كل فكره تولد فينا ثمه شيء يتعفّن"، يبدو ان سيوران قد قوّض كتاباته ونفسه، بعدما قوّض كل شيء بفلسفته العدميه.

- سابدا حديثي عن الياس من مقوله ساخره للكاتب والروائي الانجليزي تشيسترون، يقول: "ان الياس امتياز طبقيّ مثله مثل السيچار"، وهذا ما يظنه الكثير من الناس، وبالاخص من يدعون انفسهم بـ [المثقفين]. يظنون ان هذا الشعور- اي الياس- يعطيهم مزيداً من الثقه لمواجهه الحياه ومصاعبها، وحصناً منيعاً ضد هيجان الافكار التي قد الغوها مسبقاً. فببساطه تامه؛ ليس هنالك من مخرج ولا فرار.

- من المضحك اننا غالباً ما نجد ارتفاع نسب الاحباط والاكتئاب والانتحار عند الامنين والاغنياء والمشاهير. ونري الحياه بكثافه في مخيّمات اللاجئين، واهالي البلاد التي تمر بالحروب، وعند الفقراء وقاطني اركان النفايات، وضحايا المجاعات... يا الهي! فلتسامحني عندما اضحك من فرط الاسي الذي اشعره تجاه نفسي وانا اشاهد مثل تلك الحجج !!

- لا يقولن احد بان الياس هو دائما وليد التعاسه ! .. هنالك نماذج وحجج عديده وُثّقت في الكتب والافلام. علي عزت بيچوڤيتش، ڤيكتور فرانكل، اوليفر ساكس، نلسون مانديلا، والعديد العديد من الشخصيات التي تناولت اكوام التعاسه وحوّلتْها الي معاني وحيوات عاش بسببها الكثير من البشر.

- ان تحويل الشعور بالياس الي احساس بالانتصار؛ عمليه ليست سهله ابداً. ولكنها حتماً جزء فائق الاهميه من الحل.

- للكاتبه نانسي هيوستن كتاب بديع بعنوان [اساتذه الياس]، وهو كتاب يعرض لمحات من النزعه العدميه في الادب الاوروبي. استهلّت كتابها بمقوله لبنجامين كونستان "معرفه الانسان لا تكفي لاحتقاره". هذه العباره عميقه جداً، لا اظنهما كانا يعنيان احتقار الاخر فحسب، بل الاشكال الاعظم- وبالتحديد في حديثنا عن الياس- في توجيه هذا الياس صوب الانسان ذاته.

- اعتبر ان احد اهم الاشكالات التي نادراً ما نلاحظها في انسان اليوم؛ هو "انه لا يرغب في التفكير.. انه يرغب في الصراخ". لنعترف بشيء علّ هذا الاعتراف يحرر شيئاً ما فينا، فننعتق. انسان اليوم هو الانسان المازقي، الانسان الذي وُلد مازوماً، وعاش مقهوراً، فمات، دون ادني شك، مهدوراً. هناك فرق كبير بين الانسان المقهور والانسان المهدور، شرحه وحلله الدكتور مصطفي حجازي في دراسه مطوله في كتابه [الانسان المهدور].

- ذكرت نانسي هيوستن في كتابها عده عوامل بيوغرافيه تحفّز نمو الياس، ومن ثمّ الانتماء الي مذهب العدميه الرمادي الانتحاري، اذكر منها:

١-الولاده في بلد يستثير التناقض الوجداني: تقصد دول شرق اوروبا وخصوصاً دول الامبراطوريه المجريه، تعتبر الاكثر قابليه لانجاب عشاق السواد.

٢-العيش في قوقعه ايدولوجيه متينه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل