المحتوى الرئيسى

اصنعى لنفسك ماركة.. العقل الباطن

08/10 10:59

عزيزتي حواء ان من اهم ما ميز الله به الانسان عن سائر المخلوقات، هو العقل، فبالعقل نستطيع ادراك كل ما يجري حولنا، ونستطيع التعامل معه التعامل الامثل، والعقل هو المتحكم في كل تصرفاتنا، وسلوكياتنا، وبالعقل تستطيعين ان تحلقي الي افق ارحب واوسع، والعقل نعمه من نعم الله لقوله تعالي: "وَمَا يَعْلَمُ تَاْوِيلَهُ اِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ امَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ اِلَّا اُولُو الْاَلْبَابِ" "ال عمران: من الايه7".

من هنا كان لا بد لك من التعرف علي هذا الشيء العجيب، الذي يوجد بداخلنا، والذي هو بمثابه غرفه التحكم، وجهاز الكمبيوتر للانسان، وان كان حتي جهاز الكمبيوتر مجرد اله من اختراع العقل البشري، وهي شبيهه في عملها بالعقل، فجهاز الكمبيوتر، نُدخل اليه البيانات، ليقوم ببرمجتها والتعامل معها، ويخرجها لنا في صوره معلومات ونتائج منطقيه، وحسابيه الي غير ذلك.

والان دعيني اصحبك في جوله سريعه داخل ايه من ايات الله سبحانه وتعالي الا وهي العقل البشري، لنتعرف علي ماهيته وكيف يعمل.

وعن كيفيه عمل العقل كتب الدكتور محمد التكريتي، في كتابه "افاق بلا حدود" قائلا: "هل تذكرين كم من المرات نسيتي اسما لشخص، او بلد، او مكان، ولم تستطيعي تذكره؟! ولكنك فجاه، وانت منشغله بامر اخر، لا علاقه له بذلك الاسم، تتذكرينه، كان احدا اخبرك به؟

هل حدث لك انه في مناسبات معينه، يتعين عليكي ان تستيقظي مبكرا في ساعه معينه علي غير عادتك، فاذا بك تنتفضين من نومك، قبل الموعد بدقائق، وكان احدا ايقظك؟

هل حدث انك كنت امام مشكله مستعصيه لا تستطيعين حلها، فاذا بك بعد ساعات او ايام او اسابيع، تجدين الحل، الذي كان غائبا عنك، فجاه ودون سابق انذار؟

هل تذكرين كم من المرات كان ذهنك منشغلا في مساله وانت تقودين سيارتك في شوارع المدينه المزدحمه بالسيارات والماره، عقلك منشغل في حل مشكله من المشاكل، او في التخطيط لنشاط تجاري، او اجتماعي، او ادبي، وفي الوقت نفسه تسوقين سيارتك بكفاءه واداء لا غبار عليهما؟

ماذا يحصل لديك، عندما تمس يدك جسما ساخنا، هل تبقين يدك تحترق حتي تديرين راسك، لترين ما هو مصدر الالم، ام انك تسحبين يدك قبل ان تفكري او تفعلي اي شيء اخر، فتقولين انك سحبت يدك "لا شعوريا"؟

ذلك هو العقل الباطن، او العقل اللا واعي، او اللا شعور، سمه ما شئت، ولكن سنسميه العقل الباطن، العقل الباطن هو الذي اسعفك باسم الشخص، او البلد الذي نسيتيه، وهو الذي ايقظك من نومك علي غير عادتك، وهو الذي وجد الحل لمشكلتك المستعصيه بعد ان اعطيته المشكله ونسيتيها، وهو الذي كان يقود سيارتك، ويتحكم بيديك ورجليك وسمعك وبصرك وانت "عقلك الواعي"، منشغل بامر لا علاقه له بالسياره وقيادتها.

فالعقل الباطن، هو الذي يقود احاديثنا، ورؤانا وافتراضاتنا، وقناعاتنا، اما العقل الواعي، فهو الذي يصوغ حياتنا، ومشاعرنا ونفسيتنا، تبعا لتلك الرؤي والافتراضات والقناعات، العقل الواعي كالفلاح، الذي يضع البذور في التربه، والعقل الباطن كالتربه، التي تحول البذور الي ثمر، العقل الواعي كقائد الطائره، الذي يوجهها ويقودها، والعقل الباطن كالمحركات النفاثه، التي تدفع الطائره وترتفع بها الاف الامتارـ العقل الواعي يعمل في حاله اليقظه فقط، اما العقل الباطن فهو يعمل في حاله اليقظه والنوم، فهو يستمر ليلا ونهارا، بغض النظر عما يقوم به العقل الواعي.

العقل الواعي يتعلق بالموضوع، ويتعلق بالمنطق، يدرك السبب والنتيجه، ويتلقي معلوماته عن طريق الحواس، ويقابلها بما هو مخزون في الدماغ من معلومات سابقه، فيحلل ويركب ويستنتج ويستقرئ، اما العقل الباطن فهو يتعلق بالذات اي بالعالم الداخلي للانسان، وهو لا يفهم المنطق، ولا يميز بين الخطا والصواب، انما يعتبر كل ما لديه حقا وصوابا، ولا شيء غير ذلك، العقل الواعي هو الموجه والمرشد، الذي يقبل الفكره او يرفضها، اما العقل الباطن، فهو المنفذ، الذي يقوم بتحقيق ما قراه العقل الواعي، والعقل الباطن، طاقه محايده، يمكن ان تغير حياه الانسان نحو الافضل او نحو الاسوا، ويمكن ان يقود صاحبه الي الخير او الي الشر، كل ذلك يعتمد علي ما يستقر فيه.

1- تخزين المعلومات والذكريات: فالعقل الباطن يختزن تجارب الانسان ما راه وسمعه، وذاقه وشمه، واحس به، فهو يختزن الصور، والاشكال، والالوان، وابعادها، واحجامها، ومواقعها، وحركاتها، ويختزن الاصوات، وطبيعتها، وشدتها، ونغمتها، ويختزن الاحساس كالحراره والبروده، والنعومه، والخشونه، والصلابه، والليونه.

2- العقل الباطن هو معقل العواطف والمشاعر، وبالتالي فهو الذي يوجه الرغبات والميول.

3- العقل الباطن ينظم الافعال غير الاراديه كالتنفس، ونبض القلب، والدوره الدمويه، ودرجه حراره الجسم، والهضم، والعرق والدموع!

4- العقل الباطن، هو سجل العادات، حسنه كانت ام قبيحه، كما انه مستودع المهارات، التي يحوزها الانسان كالكتابه، وقياده السياره، والطبخ، والحياكه، والتجاره... وجميع المهارات الحرفيه وغير الحرفيه.

5- العقل الباطن يتحكم بالطاقه الجسديه والنفسيه، وبيده توجيهها كما ونوعا.

ان الحياه اليوميه للانسان، والنشاطات المتنوعه له، والمعلومات، التي تصل الي دماغه عن طريق الحواس الـ5، كلها تؤثر في عقله الباطن، ولكن هذا التاثير غير مبرمج وغير منظم، اي انه تاثير عشوائي، وقد تكون هناك انماط من التاثير في العقل الباطن، تتصف بالرتابه والتراكم، منها التربيه والتعليم، ومجموعه القيم والافكار السائده في المجتمع، وجو العائله والعلاقات بين افرادها، ووسائل الاعلام المتنوعه كالصحف والراديو والتليفزيون، الا ان تاثير هذه الوسائل في العقل الباطن، هو تاثير تراكمي بطيء يستغرق وقتا طويلا في اغلب الاحيان.

ويمكن تشبيه تاثير البيئه في العقل الباطن، بتاثير الرياح في تشكيل الكثبان الرمليه، او تاثير المياه الجاريه في نحت الصخور وتشكيلها، او تاثير العوامل الطبيعيه من رياح وامطار، وسيول، وغيرها، في تشكيل الانهار والروافد والوديان، اما برمجه العقل الباطن، فهي تشبه عمل فرق الهندسه والانشاءات، التي تقوم بشق الطرق وبناء الجسور، وتشييد البنايات، وتسويه الارض، حيث يتم ذلك بتخطيط وتصميم، وفي فتره زمنيه قصيره، وبشكل محدد ومعروف مسبقا، خلافا للحاله الاولي، التي تخضع لعوامل الطبيعه، وتستغرق وقتا طويلا، قد يصل الي اجيال، او قرون من الزمان.

التاثير غير المبرمج في العقل الباطن

هناك 4 انواع من الطرق تؤثر في العقل الباطن، تاثيرا تراكميا عشوائيا، وهي: البيئه، والانتماء، والشخصيه المؤثره، والعواطف الحاده.

وتشمل البيئه الطبيعيه، والبيئه الاجتماعيه.

فالبيئه الطبيعيه كحراره الجو، وبرودته، ورطوبته، وطبيعه الارض صحراويه كانت، ام جبليه، ام زراعيه، ام ساحليه، والكائنات الحيه التي تحيط به، من نبات وحيوان، كلها تؤثر في عقله الباطن، فالعربي في الصحراء يعرف نحو 50 اسما للابل، ورجل الاسكيمو يعرف نحو 70 اسما للثلج والجليد، ولكل ذلك معان ودلالات، تؤثر في تفكير الانسان وسلوكه، دون ان يشعر.

اما البيئه الاجتماعيه فهي اشد تاثيرا، واعظم شانا في صياغه العقل الباطن، ابتداء من ابويه واسرته، وانتهاء بوسائل الاعلام، التي تنحت في عقله الباطن، مرورا بمعلميه، واصدقائه واقاربه، وبقيه افراد المجتمع، وما يفرزه هذا المجتمع من ثقافه وادب ولغه، وسلوك كل ذلك يؤثر في العقل الباطن، كما يؤثر الماء الجاري في الصخور، فينحتها نحتا، ويحيلها الي اشكال ذات ابعاد وزوايا معينه، لذا نجد ابداع الشخص وانتاجه، معبرا عن بيئته شاء ام ابي.

ويصف المتنبي بحيره طبريه فيقول:

فلا يستطيع المتنبي، وهو يصف البحيره هذا الوصف الجميل، ان يتخلص مما هو مخزون في عقله الباطن من بيئته التي نشا فيها، وهي بيئه الحرب والكر والفر والقتال، فيشبه الموج في اندفاعه وهديره، بفحول الابل، تثور بها رغباتها، كما يتخيل طير الماء، وقد اعتلي الزبد الابيض، فرسانا يمتطون صهوات افراس بيض، ثم يتخيل الرياح، التي تهب فوق سطح البحيره، وما تثيره من امواج متلاطمه، وكان جيشين يقتتلان فيشتبكان ثم تنجلي المعركه عن فريق منتصر ثابت في مكانه، واخر منهزم يمعن في الانسحاب.

ولننظر الي صوره اخري حيث يصف الشاعر الاندلسي ابن خفاجه نهرا فيقول:

لله نهر سال في بطحـــــاء اشهي ورودا من لمي الحسناء

متعطف مثل السوار كانه والزهر يكنفه مجر سماء

وغدت تحف به الغصون كانها هدف يجف بمقله زرقاء

اذ تعكس ابيات ابن خفاجه طبيعه الحياه الناعمه، وما في بيئته من قصور وجمال، ونساء وحدائق.

عندما يعلم الشخص انه ينتمي الي قوم، اشتهروا بالكرم والسخاء، فان عقله الباطن يتاثر، فيوجه الشخص لان يكون كريما دون ان يشعر، وان قيل له ان قومك عرفوا بحده المزاج، فسيكون سلوكه متفقا مع انتمائه، ويصبح حاد المزاج، ويظهر هذا الامر جليا عند بيان مزايا سكان مدينه، او منطقه، او شعب.

فالصعايده في مصر شديدون، واهل الوجه البحري مسالمون، واهل البصره في العراق معروف عنهم الطيبه والكرم، واهل الموصل معروف عنهم التنظيم في شئوونهم الماليه والتجاريه، واهل الريف كذا اخلاقهم، واهل المدينه كذا..

وقد لا تكون نشاه الشخص في قومه، او مدينته، او منطقته، اذ يمكن ان ينشا ويعيش في مكان اخر، ولكن سماعه لذلك التصنيف، لطباع قومه، يجعله يتكيف من حيث لا يشعر، فيتاثر بتلك الطباع والاخلاق، اي ان الذي اثر في عقله الباطن ليس هو البيئه، وانما هو الانتماء، وتندرج تحت الانتماء ايضا المعتقدات، والقيم، فالمسلم الذي يذهب الي اوروبا لا ياكل لحم الخنزير بالرغم من انه قد لا يكون متدينا.

سواء كانت شخصيه دينيه، ام سياسيه، ام علميه، ام فنيه، فانها تؤثر في العقل الباطن، وبالتالي تؤثر في تفكير الانسان وسلوكه، وليس من الضروري ان يكون التاثير مباشرا عن طريق الرؤيه والسماع، بل قد يكون عن طريق الاخبار والصور والكتابه، ولم تكن انجازات العظماء في التاريخ الا عن طريق التاثير في العقل الباطن لالاف الناس، ومن ذلك الطبيب في مريضه، وتاثير القائد العسكري في جنوده، وتاثير الاستاذ في طلابه.

عندما تمر بالانسان احداث مهمه، تؤثر بقوه في عواطفه، كفقد عزيز مثلا، او موقف انساني مؤثر، يقول الشخص ان الحادثه اثرت في حياته وانه لن ينساها.

التاثير المبرمج في العقل الباطن

يمكن التاثير في العقل الباطن بشكل مقصود، ومخطط له، وباراده الانسان نفسه ورضاه، وهناك 3 طرق رئيسيه لتحقيق ذلك: التكرار والايحاء والهندسه النفسيه.

هو القيام باعاده كلمات او عبارات مرات كثيره في اليوم والليله، لفتره من الوقت، او باستمرار، ويعد الذكر والدعاء، خير مثال علي هذا، فان ذكر الله تعالي يزيد الايمان، ويضيء النفس، ويرتقي بها في مدارج الفضائل، فيتهذب السلوك، وتسمو الاعمال لقوله تعالي: "اَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" "الرعد: من الايه28". و"اَلَمْ يَاْنِ لِلَّذِينَ امَنُوا اَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ اُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْاَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ" "الحديد: من الايه16".

يكون الذكر بالقلب واللسان لقوله تعالي: "وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَهً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْاصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ" "الاعراف:205"، وذلك افضل الذكر، وبالقلب وحده تاره، وهي الدرجه الثانيه، وباللسان وحده تاره وهي الدرجه الثالثه، فافضل الذكر ما تواطا عليه القلب واللسان، والصلاه اعلي من الذكر والدعاء، لاشتراك القلب واللسان والجسد فيها، كما ان الطهاره والوضوء يسبقانها، وهما اعداد جسدي ونفسي للصلاه.

اما الدعاء ففيه تفرج الكربات، وتتيسر الامور، وتفتح ابواب الرزق، وقد قال الله تعالي: "ادْعُونِي اَسْتَجِبْ لَكُمْ" "غافر: من الايه60". وقال تعالي: "وَاِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَهَ الدَّاعِ اِذَا دَعَانِ" "البقره: من الايه186".

وفي الحديث الصحيح عن ابي هريره ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "لا يقولن احدكم: اللهم اغفر لي ان شئت، اللهم ارحمني ان شئت، ليعزم المساله فانه لا مكره له".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل