المحتوى الرئيسى

إيران.. الحصان الأسود أم حصان طروادة..!

08/09 20:35

تري اي دور تستعد له ايران في الشرق الاوسط بعد ان اُسقط رسمياً عنها ارث سنوات طويله من العُزله والخوف..؟ ربما ستتباين الاراء.. فالبعض قد يراها حصان طرواده الذي يستعد للانقضاض علي المنطقه والتهامها في غفله من اصحابها، والبعض الاخر قد يحسبها حصان اسود سهل الترويض قد يساهم في انتشال المنطقه المنكوبه من مستنقع الهيمنه الاستعماريه المهين..! الثابت ان لكل طرف من اطراف المعادله حساباته الخاصه بهذا الشان، وهذا ما قد ظهر جلياً في التصريحات المتضاربه لممثلي دول التفاوض الكبري بعد مخاض صعب نتج عنه اتفاق يبدو لوهله ساطعاً، ولكن احسبه جاء اضطرارياً بسبب تباين ظروف وتطلعات كل طرف ممن عايشوه عن قرب وتدخلوا في صناعته.

لا شك ان عوده ايران لمضمار السابق له وقع واثر فعال، اراه مُبرراً لدي قوي استيطانيه ذات نفوذ واطماع توسعيه، وان كان نفس هذا الوقع مثير للشفقه لدي البعض الاخر ممن يملكون الارض ومصادر الثروات لكن لا اظنهم يملكون شجاعه صنع القرار، الواقع ان ايران لم تكن بعيده تماماً عن الساحه، ففي خضم ما اتت به الاقدار خلال العقود الثلاث الاخيره كان لها حضور لا يمكن تجاهله علي المستوي المذهبي والسياسي والاقتصادي، لكنها ربما اكتفت بالظهور دائماً في عباءه الخصم لا الصديق، وبالرغم من الحصار المفترض فقد تعدي دورها هذا الحضور الملحوظ، حتي انها صارت تلعب ادواراً مباشره او من خلال وسطاء لصالح قوي دوليه عظمي، وبصوره متكرره اخلت في اغلب الاحيان بتوازنات علاقاتها مع دول الجوار والحلفاء.

نواه التوتر ستظل قائمه علي علتها المذهبيه طالما تشبث الملالي الشيعه بموقفهم من المسائل العقائديه الخلافيه، علي شاكله مساله العصمه للانبياء والائمه، والاستغاثه والتوسل، والمهدي المنتظر، وهي امور يصعب حسمها بالحوار خصوصاً انها تصب في خانه تكفير من يعتنقها لدي الاغلبيه السُنيه، لكن بصرف النظر عن هذا البعد المتشدد نوعاً، فهي مسائل يمكن اخضاعها بسهوله للنصوص المتفق عليها من الجميع لحسمها، فقط اذا ما خلصت النوايا ورجحت كفه العقل.. اما بخصوص الخلافات الفقهيه مع اصحاب المذهب السني كالخُمس، وزواج المتعه، والسجود علي التربه الحسينيه، ووضع اليدين علي الصدر عند الصلاه، وصيغه الاذان، والتطبير (ايذاء الجسد والادماء في ذكري معركه كربلاء)، فاغلبها امور تعبديه دنيويه تصب في خانه العادات، والخلاف فيها يمكن تجاوزه بالحوار والتناظر، هذا بالطبع بعد اخضاعها للمناهج الفقهيه المعتدله لدي اطراف الخلاف كافه.

لسنا هنا لكي ننبش في اغوار الخلاف الفقهي او لمحاوله تجاوزه، ولندع هذا لاصحاب الشان من المتخصصين.. لكننا نسعي لطرق الحديد وهو ساخن فيما يتعلق بمستجدات الخريطه الجيوسياسيه وما يحيطها من تحالفات وتفاهمات وتطلعات ومصالح لتحقيق اعلي استفاده ممكنه اقليمياً.

الكيان الصهيوني المحتل كان اول من بادر بالتحرك بقوه علي كافه المستويات لكي يجهض اي نجاحات متوقعه قد تحرزها ايران من خلال المفاوضات المباشره، الامر الذي انعكس بالسلب علي مدي تقبُل دول عربيه عديده لمبدا الحوار مع ايران من الاساس.. الصهاينه يعرفون جيداً قدره ايران علي المناوره، وهم يرتعبون من مجرد تصور اي تقارب سُني - شيعي من شانه ان يمهد لبزوغ تحالف قوي جديده في المنطقه قد يهدد وجودهم كما يحلو لهم الادعاء، وليس جديداً ايضاً انهم علي درايه كافيه بالطموحات الاستراتيجيه لدول التفاوض (مجموعه 5 + 1)، لكن الاهم هنا انهم بالفعل متاثرون وبشده من المقاطعه الاوروبيه لمنتجات المستوطنات في الارض المحتله، الامر الذي عجزت كل حكوماتهم عن احتوائه او الالتفاف عليه، لهذا فظهور ايران كقوه اقتصاديه مُنتجه سيؤثر بالضروره علي قدرات اقتصاد هذا الكيان المحتل ويربك حساباته المستقبليه، وربما سيحد بنسبه كبيره من جدوي طموحاته الاستيطانيه، اما بالنسبه للدعايه التي اطلقوها عن تخوفاتهم من مخاطر البُعد النووي الايراني فكان اجدي بهم توجيهها لانفسهم قبل غيرهم لانها مساله تحكمها معايير اخري اكثر عمقاً من النزعات العاطفيه.

اري الفرصه سانحه لدينا للاستفاده من مجموع المتغيرات السياسيه الحاليه، فالعرب لا يملكون حالياً رفاهيه المغامره وها هو التوتر يلقي بظلاله علي مدي البصر في الاتجاهات كافه، وهم لم يعد لديهم ما يبكون عليه خصوصاً مع ما طرا من مستجدات علي خارطه التحالفات، وظهور قوي جديده فعاله كروسيا والصين وفرنسا والمانيا قد يكون التحالف معها بمثابه رمانه ميزان.. والاتراك بما يمتلكون من خبرات يستطيعون بسهوله التحرك لعقد شراكات مُطمئِنه مع الدول العربيه تكون مبنيه علي اسس اكثر شفافيه لخدمه مصالح الطرفين.. وهنا تستطيع ايران ايضاً ان تنفُذ الي تلك المنظومه بما لها من قدره استثنائيه علي تهدئه النزاعات الحاليه ذات البُعد الطائفي في اليمن والعراق وسوريا ولبنان والبحرين، فلا يخفي علي احد ان ايران عمدت لاستنهاض الاقليات الشيعيه في الدول العربيه من خلال التلاعب بعواطف الشعور المذهبي، وحاولت وما تزال اختراق الانظمه الحاكمه هناك من خلال بناء ودعم احزاب وحركات مرتبطه مباشره بالحرس الثوري الايراني، وهنا لا يمكن انكار التاثير المباشر للثوره الايرانيه علي التوجهات الايديولوجيه لبعض ابناء دول العالم العربي بمختلف انتمائاتهم الدينيه والمذهبيه، وكذلك الحال في الدول الاسلاميه المجاوره مثل تركيا وباكستان واندونيسيا.

الحكمه تقتضي من الاطراف المعنيه كافه النظر الي المستقبل بشكل اكثر شموليه، فالمصالح هنا تتقاطع ولا تتعارض..ولن يُعلي من شان طرف اسقاط الاخر، ولنا في مواقف الاتحاد الاوروبي من دوله المتعثره اقتصادياً مؤخراً العبره في هذا الصدد..لذا فان اي محاولات حاليه من اي طرف لاستعاده امجاد تاريخيه في المنطقه علي حساب الاخرين اظنها ستنتهي اما بنزاع دامي، او بفشل وشلل اقتصادي علي اقل تقدير..واخماد الفتن والسيطره علي عصابات المرتزقه وجماعات الارهاب يتطلب تعاون اقليمي علي قدر عال من الوعي والخبره، اما البناء للمستقبل فلن يتاتي الا بتحالفات مبنيه علي احترام حقوق الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخليه للاخر.

واخيراً وليس اخراً.. العرب يملكون النفط والمال والعماله المدربه وخطوط الملاحه واسواق التجاره ودروبها، والترك والايران يملكون التكنولوجيا والاله الصناعيه الكبري القابله للتطوير.. والاستعمار سيظل كما هو، ولن تتغير نظرته للمنطقه كمساحه نفوذ ومطامع وسيبقي الكيان الصهيوني تابعه وخادمه فيها.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل