المحتوى الرئيسى

أين ذهب السُكّان الأصليون لليابان؟ - ساسة بوست

08/09 19:10

منذ 1 دقيقه، 9 اغسطس,2015

لا شكّ في كونه امرٌ غريب، انّه بعد قرون تقرر السُلطات اليابانيه اخيرًا، الاعتراف بانّ شعب اليابان الحالي، ليسوا يابانيين في الحقيقه، وانّ هُناك شعب اخر له لغته الخاصه، ثقافته الخاصه، وديانته الخاصه، والتي تختلف – كلها – عن تلك السائده الان بين الشعب الياباني!

الاعتراف الياباني الرسمي، جاء مُقتضبًا، مع مُحاوله للتكتم عليه، او علي الاقل سُرعه تجاوزه. ما حدث تحديدًا، انّه في عام 2008، وفي خطوه اعتبرت مُفاجئه، اعترفت الحكومة اليابانية بانّ السُكّان الاصليين لارض اليابان، هُم شعب “الاينو”، كما انّ البرلمان الياباني الحق الاعتراف بتمرير قانون اعترف بدوره انّ الاينو لهم لغتهم الخاصه ودينهم الخاص وثقافتهم الخاصه. ورغم ذلك، لم ياتِ اعتراف الحكومه او قانون البرلمان، باي اعتذار للاينو عن قرون من الاضطهاد والتهميش، وعدم الاعتراف بهم كجماعه سُكّانيه تمتاز بخصائصها الثقافيه والعرقيه المُختلفه عن باقي سُكان اليابان ذوي الاصل العرقي الواحد غالبًا.

من هؤلاء وما هي قضيتهم؟

وفقًا للصحافي الياباني-الكندي الحائز علي جائزه بوليتزر، نوريميتسو اونيشي، فانّ ما روّج له اليابانيون علي مرّ قرون طويله من الزّمن، وما كرّس له المُحافظون حديثًا، من انّ اليابان اُمّه مُتجانسه عرقيًا وثقافيًا؛ هو ادعاء قُضِيَ عليه باعتراف الحكومه اليابانيه بشعب الاينو.

القصه تعود الي الاف السنين، حيث تنقلات الانسان الاوّل بين المساحات الارضيه المنتشره علي الكوكب، في رحله مُستمره نحو استقرار مُثمر. وفقًا للابحاث والدراسات الحفريه والجينيه، فانّ سُكان اليابان الان، الذين يُمثلون الاغلبيه الساحقه، ليسوا هُم السكان الأصليين لهذه الجزر، وانما نزحوا اليها من اعالي الصين، في اوقات مُتاخره علي وجود شعب سكن هذه الارض، واستقر فيها وكوّن الحضاره الاولي بها. هذا الشعب هو الاينو.

في الحقبه الزمنيه التي عُرفت في اليابان باسم عصر الجومون، المُتزامن مع نهايه العصر الحجري القديم وبدايه العصر الحجري الوسيط، بدءًا من نحو 8 الاف عام قبل الميلاد. تكشف الدراسات عن انّه خلال تلك الفتره، انقسمت المجموعه البشريه المُنحدره من مناطق منغوليا الي عِرقيتين، الاولي جومون جين التي ينحدر منها مُباشره الاينو، وهؤلاء اوّل من نزحوا الي جُزر اليابان واستقروا فيها، قبل ان ترد عليهم العِرقيّه الثانيه التي كانت تسكن مناطق ابعد في شمال منغوليا، وكان ذلك من اسباب تاخر نزوحها الي جُزر اليابان، وكذا من اسباب خلق صراع استمر علي مدار زمن كاد الا ينتهي. هذه العرقيه الثانيه هي التي ينحدر منها شعب ياماتو الذي يُمثّل الان سُكان اليابان بنسبه هي الاغلب بلا شك.

تمثال خزفي يرجع لنهايات عصر الجومون، الذي اشتهر عمومًا بصناعه الخزف

عندما حضر شعب الياماتو، وكانوا اكثر عددًا، انحسر وجود الاينو في شمال اليابان، او ما يُعرف الان بجزيره هوكايدو، وهي واحده من اربعه جزر رئيسيه تُشكل اليابان. ومنذ تلك الفتره والياماتو او اليابانيون يعتبرون انفسهم مُلاك الارض الاصليين، والعُنصر الاوّلي للحضاره اليابانيه. لم يعترفوا بالاينو كجزء مؤسس من نسيج الامّه اليابانيه، وفي فترات لاحقه لم يعترفوا بحقّهم في الوجود حتي في الارض التي تراجعوا اليها، وانحسر وجودهم فيها.

مثلما حدث مع توسع امريكا غربًا، تحرّك اليابانيون (شعب الياماتو) باتجاه الشمال في اولي المُؤشرات علي اطماعهم الامبرياليه -نوريميتسو اونيشي

لدي اليابانيين حكايتهم التاريخيه الخاصه بنشاه اُمّتهم. لكنها لا تضرب في جذور التاريخ، والا فستضطر للاصطدام بشعب الاينو كسكان اوائل لهذه الارض! انما تكتفي بالبدء من القرن السابع قبل الميلاد، حيث الامبراطور جينمو، اول الاباطره البشر لليابان، وفقًا للميثولوجيا اليابانيه التقليديه. والحقيقه انّ الدراسات التاريخيه تعتبر جينمو مُجرّد اسطوره، اذ لا يوجد من الوثائق او الحفريات ما يؤكد وجوده الفعلي. وعلي كُل حال فان هذا الوجود مُتاخر علي وجود شعب الاينو بالاف السنين!

بالاضافه الي ذلك، فان التاريخ المُدوّن لليابان بدا مع القرن الخامس بعد الميلاد. كل ما هو قبل ذلك نعرفه لانّهم ارخوا له لاحقًا، او بالدراسات التاريخيه الحفريه. وقد حددت تلك الدراسات عام 300 قبل الميلاد، باعتباره بدايه عصر حدث بينه وبين سابقيه انقطاعٌ ثقافي تام. فالعاده ان العصور المُتواليه تُحدث تطورًا مُتصلًا ببعضه، الا انّ عصر يايوئي (بدايهً من 300 قبل الميلاد) احدث قطيعه ثقافيه تامه بين سابقه عصر جومون الاخير الذي هو بدوره امتداد مُتطور لمراحل مختلفه من عصر جومون.

وقد تمثلت القطيعه في النقله “النوعيه” التي واكبت هذا العصر في المجتمع الياباني، من حيث ادخال تقنيات صناعيه وزراعيه حديثه ومتطوره بالنسبه لوقتها، ساهمت في خلق طفره في الحضاره اليابانيه المُتشكله. تلك التقنيات التي اُدخلت من خارج اليابان نفسها، ويُعتقد انها قادمه من الصين، جعلت من شعب الاينو او احفاد عصر الجومون شعبًا بدائيًا في الذاكره التاريخيه اليابانيه.

بدايهً من القرن الثالث عشر بدا الاتصال بين شعب الاينو واليابانيين، وبدات انتقالات يابانيه من جزر الجنوب الي الشمال حيث جزيره هوكايدو التي يقطنها الاينو. بحسب المصادر التاريخيه، كان الاتصال اشبه بعمليات استيطانيه يابانيه في ارض الاينو المُنعزلين بطبيعه الحال بما يتوافق مع ديانتهم القائمه علي تقديس الطبيعه والتواصل معها.

في الفتره ما بين 1338 و1573 او ما عُرف بفتره موروماتشي، تطورت العلاقات بين اليابانيين (شعب الياماتو) والاينو الي شكلٍ اكثر عُنفًا وحدّه. وبالجمله، كان العُنف سمه غالبه في تلك الفتره التاريخيه، التي شهدت كثيرًا من الحروب والاضطرابات داخل اليابان. بدات الإمبراطورية اليابانية في توسيع نفوذها بالسلاح في مناطق الاينو، وقتلت من زعمائهم، وسلبت من اراضيهم، الامر الذي دفع بخروج ثوره كوشامين عام 1456. ثُم تكررت ثورات الاينو، التي كان من اهمّها ثوره شاكوشين والتي استمرت ما بين عامي 1669 و1672. هذه الاخيره، اتسمت بالعنف الشديد، وكانت ارهاصاتها المُباشره قائمه علي استغلال اليابانيين للاينو في مزارعهم واعمالهم التُجاريه، فضلًا عن انتشار الامراض والاوبئه القادمه من الجنوب الي الشمال.

تمثال لشاكوشين زعيم الاينو الذي قاد ثوره 1669-1672

منذ تلك الفتره وحتي الان، اخذت اعداد الاينو في الانخفاض بصوره مُستمره جراء عديدٍ من العوامل القائمه علي الاضطهاد والتهميش غالبًا، والاستغلال احيانًا كثيره. ووفقًا لبعض التقديرات، فان الاعوام ما بين 1807 و1931 شهدت انخفاضًا في اعداد الاينو وصلت الي اكثر من 40%، اذ قُدّر عددهم عام 1807 بنحو 26 الفًا و300 نسمه، فيما قُدرت الاعداد عام 1931 بنحو 16 الفًا!

لكن في الاعوام اللاحقه، تحديدًا منذ النصف الثاني من القرن العشرين، بدات الاعداد في التزايد مرّه اخري. فبحسب التقديرات الحكوميه، وصلت اعداد الاينو عام 1984 الي نحو 24 الف نسمه. خلال تلك الفتره ايضًا استطاع الاينو تنظيم انفسهم في جماعات ضغط سلميه، ساهمت في الحفاظ علي هويه هذا الشعب وتخليد ثقافته عبر مجموعه من المتاحف والمعارض. وعبر محافل ومُؤتمرات طالبت بانهاء سياسات التهميش وعدم الاعتراف، التي – مثلًا – اجبرتهم علي تغيير اسمائهم الي اُخري يابانيه، وكذا التنكر من عاداتهم وتقاليدهم، فعلي هذا نصّ القانون الياباني منذ منتصف القرن التاسع عشر. حتي جاءت اخيرًا قرارات عام 2008، التي اعترفت بالاينو كسكان أصليين لليابان، لهم لغتهم وثقافتهم وديانتهم الخاصه.

الاينو كعرقيه اخري وثقافه مُختلفه

يظهر الاختلاف العرقي بين الاينو وباقي اليابانيين (الياماتو) في بيتهم الجسديه، فالاينو اكبر حجمًا علي عكس الياماتو، كما انّ بشرتهم مائله للسمار وشعورهم اكثف واجعد – ايضًا – علي عكس الياماتو.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل