المحتوى الرئيسى

"غورا" لطاغور.. إدانة للتعصب وبحث عن حضن الهند

08/09 18:52

ينطلق الهندي رابندرانات طاغور (1861-1941) في روايته "غورا" من رغبه في الثوره علي العادات والتقاليد الباليه، وعلي المستعمر الانجليزي، والدفع الي التغيير نحو حلم بناء وطن حر وقوي.

يخوض طاغور (نوبل 1913) نقاشات فلسفيه وسياسيه ودينيه، ويجري مساجلات علي السنه شخصيات تمثل مختلف وجهات النظر، وينتقد التعصب الذي وقعت فيه حركات سياسيه هنديه.

ويحاول ان يوضح الصور المتباينه التي تقدمها التكتلات عن بعضها البعض، تلك الصور النمطيه التي تسيء للانتماء الوطني، وتزيد من الحواجز بين ابناء الوطن الواحد.

وبقي طاغور ملتصقا بهموم الانسان، مركزا علي الام واحلام شعبه، مجسدا فكرته عن الفرد المنتمي لقضايا مجتمعه، ومدافعا عن القيم الانسانيه في كل مكان، ومنتقدا التعصب والمغالاه والتطرّف والشعور بالتفوّق علي الاخرين، مما ابقي صوته صامدا ومتجددا عبر الزمن.

وتدور احداث الروايه -التي نشرتها وزاره الثقافه السوريه بترجمه ماري شهرستان 2015- في مدينه "كالكتا" -مسقط راس طاغور- وتقع في الجزء البنغالي من الهند، وسعي الكاتب فيها لتقديم صور عن الحب والصداقه المتساميه علي الانتماءات الطائفيه والمذهبيه.

واسم غورا يختصر اسم بطل الروايه "غورمُهان" اي الوجه الشاحب، وهو اكثر من يجسد بحث طاغور في روايته عن هويه الامه الهنديه.

ويواصل طاغور عبر ابطال روايته رسائله عن الوطنيه والحريه والخلاص والقيم التي يؤمن بها، ويقول علي لسان بطله ان واجبنا الاوحد حاليا هو ان ندخل ثقتنا الصلبه ببلدنا بين المتشككين.

ويثور غور ذو الشخصيه القياديه علي رضوخ اهل بلده الذين يتعرضون للنقد ولكل اشكال الشتائم والسفاهات، وعلي اعتيادهم اعتبار معامله مواطنيهم ميسوري الحال لهم بدونيه امرا لا مفر منه، وتوصلوا لنتيجه مفادها ان موقفهم هذا طبيعي وشرعي.

ويوصي غورا بعدم تقليد المستعمر الانجليزي، لان ذلك سيلغي الخصوصيه الهنديه، ولن يبلور شخصيه واثقه من نفسها، قادره علي البناء، ويوجب ضروره ايجاد علاجات للمثالب من الداخل.

ويقرر القيام بثورته ضد الظلم والجهل والتخلف بالموازاه مع دعوته للثوره ضد الاستعمار، ويؤكد انه لن يقرر اعتبار بؤس بلده علي انه نهائي ابدا، وان القوي الروحيه والحيويه الماثله في الكون تهاجم بعضها بعضا من الخارج ومن الداخل، ويوصي بعدم الاعتقاد بان من المستحيل ان تكتسب بلده الحريه، وان عليهم البقاء جاهزين ومستعدين.

ويصل غورا الي مرحله من التطرف في قناعاته الطبقيه، وممارساته ومخططاته وافكاره، ويحاول ان يفرض قيودا علي نفسه وعلي الاخرين، فيسعي لتعظيم طبقته، فيصدم بالحقيقه التي تخرجه من قوقعته، وتعيد اليه صوابه، وترجعه الي حريته المسؤوله وانتمائه للهند كلها، بالرغم من انحداره من دماء مستعمريها.

ويصف طاغور لحظه اكتشاف غورا الحقيقه وصدمته بها، حين كشف له "كرشنادال" عن السر الذي اخفوه عنه، انه حدث تمرد واتت اليهم والدته وكانت حاملا به، تبحث عن ملاذ خوفا من المتمردين، وكان والده الايرلندي قد قتل قبلها، وصعق غورا للمفاجاه، وبدا له ان كل ماضيه حلم خارق وخرافي، وفجاه تحولت الاسس التي كان يشعر بان حياته تستند اليها منذ الطفوله الي غبار، فلم يعد يعرف اين هو ولا ما هي حقيقته.

وبدت له الايام الخوالي مجرده من محتواها، وانهار المستقبل الباهر الذي عرف كيف يتصوره بشغف، فشعر بانه ليس له ام ولا اب ولا بلد ولا قوميه ولا عائله ولا حتي اله، فكل ما بقي له حقل سلبي واسع من النفي والانكار.

فالي ماذا استند؟ وباي عمل سيقوم؟ ومن اين يبدا حياته؟ والي اي هدف يتطلع؟

ويؤكد غورا ان الحريه المطلقه التي اعطيت له وضعته فجاه بصميم قلب الحقيقه، فكل ما هو جيد او سيئ في الهند، وكل فرحها او المها، وكل حكمتها او جنونها، كل هذه الامور تنصب جميعا في قلبه.

ويؤكد ان لديه الحق الطبيعي بان يخدمها لان المجال الذي يمكن ان يعمل فيه انفتح امامه، ولم يعد الهدف مجرد ابداع تخلقه مخيلته، بل انها سعاده ثلاثمئه مليون طفل هندي.

ويدقق صاحب "البيت والعالم" علي حق المراه في الاحترام لانها ضياء العائله، وعلي جدارتها بالاحترام والعشق كام وزوجه مخلصه، ويشير الي ان الذين ينزلونها عن هذه المرتبه لمدح مفاتنها يهينونها.

وتكون "انانداموا" التي احتضنت غورا وبينوي، وتكفّلت برعايتهما وتربيتهما، ممثله روح الهند بسموها وتفانيها ووفائها لاسرتها وتربيتها وامومتها.

تكون شخصيات طاغور امام اختبارات الولاء والانتماء والمسؤوليه، فعلاقه الحب التي تجمع بين بينوي ولوليتا، واصرارهما علي الاقتران برغم الصعوبات، والتحذيرات التي توجه اليهما، وانذار المقاطعه من المحيطين بهما، تثبت قوه الايمان والحب، فتراهما يحاولان اثبات خطا التفرقه المذهبيه والطائفيه التي تنسف البنيه الاجتماعيه وتسهم في ابقاء البلاد مضعضعه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل