المحتوى الرئيسى

عندما انتحر محمود الزعبي بثلاث رصاصات في الرأس

08/09 14:14

لدغدغه مشاعر السوريين وامتصاص غضبهم من اتساع رقعه الفساد، كانت الحكومات السوريه المتعاقبه تصدر بين وقت واخر "قوائم" باسماء العاملين في الدوله الذين تم صرفهم من الخدمه لاسباب تتعلق بالنزاهه.

كانت اسماء هؤلاء "الفاسدين" تنشر في الصحف وتسبقها وتلحقها ايضا حملات اعلاميه تشير الي جديه الدوله في مكافحه الفساد والفاسدين.

كان معظم ضحايا حملات التشهير هذه من صغار الموظفين وكانت التهم الموجهه اليهم تتعلق باختلاس بضعه الاف من الليرات السوريه ونادرا ما كان المبلغ المستهدف يتجاوز المئه الف ليره سوريه اي ما يعادل نحو الفي دولار.

وعندما كان يقال ان نشر اسماء صغار "الفاسدين" يؤدي الي ردود فعل معاكسه لما يبتغيه النظام ويستفز السوريين الذين يرون ان علي الدوله اصطياد الحيتان الكبيره التي تنهش الملايين، وكان الرد دائماً ان من لا يحاسب علي السرقات الصغيره لا يمكن ان يحاسب علي الكبيره منها، ولكن هذه الردود كانت تجابه دائماً بحقيقه "ان عمليه تنظيف الدرج يجب ان تبدا من فوق وليس من اسفله".

رئيس الهيئه المركزيه للرقابه والتفتيش فوزي عيون السود، رحمه الله، كان رجلا نظيف اليد مشهود له بالجراه والنزاهه. حاول ان يفعل شيئا، وفي احدي محاولاته توجه بسؤال الي المسؤول الاقتصادي الاول في الحكومه حول وجود شبهه فساد تتعلق بعمليه شراء مصفاه بانياس النفطيه من رومانيا، والامر يتعلق هنا بعشرات ملايين الدولارات. كانت المعلومات تقول ان المصفاه قديمه جري تفكيكها واعاده تركيبها في بانياس بعد تجديدها بـ"الطلاء" وكان يحكم رومانيا انذاك الدكتاتور تشاوشيسكو صديق وحليف حافظ الاسد.

وقعت المفاجاه عندما اقرّ المسؤول الاقتصادي الاول بصحه الاتهامات وعندما ساله رئيس الهيئه مستغرباً: كيف ومن المسؤول؟ اشار باصبعه الي صوره حافظ الاسد التي تتصدر مكتبه وقال: اذهب واساله هو؟!

طبعاً المسؤول الاقتصادي الذي رتب اجراءات الصفقه كان يعرف جيدا ان عنتره بن شداد لن يجرؤ علي توجيه مثل هذا السؤال الي حافظ الاسد.

تهمه الفساد كانت جاهزه لالصاقها باي مسؤول حزبي او حكومي ان اوان قطافه لهذا السبب او ذاك. طبعا لم يكن الامر يتعلق بالفساد لان حافظ الاسد كان يترك الباب واسعاً للسرقه والتلاعب والسطو علي المال العام والخاص ليتمكن فيما بعد من ابتزاز وتخويف المسؤولين، بل يتعلق بجديه ولاء هؤلاء.

وعندما تظهر وشايه تقول ان هذا المسؤول او ذاك تجاوز الخط الاحمر ووجه انتقاداً لقرار او توجه سياسي داخلي او خارجي تفتح ملفاته وتبدا عمليه المحاسبه.

منح رخصه الهاتف الخلوي لابن خال بشار الاسد رمز الفساد رامي مخلوف كان يعني منحه ورقه يانصيب ربحت عشرات ملايين الدولارات وكذلك كان حال العقود والتراخيص الصناعيه والتجاريه والسياحيه التي تمنح لشبكه المافيا هذه ومن يرتبط بها، وكان يتم بيع بعضها لمستثمرين بمقابل مالي كبير او بعقود شراكه دون ان يدفع المسؤول حصته من هذه الشراكه، وهو ما حصل علي سبيل المثال لا الحصر مع غسان عبود مالك قناه "اورينت" عندما حاول رامي مخلوف ان يدخل شريكاً معه مقابل السماح له بالعمل في سوريا.

عندما قتل باسل الاسد في حادث سير عام 1994 لم يكن قد تجاوز عمر الـ32 عاماً، لكن ارصدته في البنوك النمساويه كانت تتجاوز الـ13 مليار دولار، وهو رقم يفوق ثلاث مرات رقم الموازنه السوريه. طبعاً هذا عدا الاموال الاخري التي اودعها باسل الاسد في البنوك العربيه والاجنبيه الاخري وتقدر ايضا بالمليارات.

والواقع نفسه ينسحب علي مئات ملايين الدولارات المكدسه في بنوك عربيه واجنبيه لاشقاء وابناء واحفاد عائله الاسد بدءاً برفعت وامبراطوريته الماليه التي تمتد من لندن الي ماربيا في اسبانيا مرورا بفرنسا. وذلك هو ايضاً حال جميل الاسد وبقيه الاشقاء والاحفاد، واهالي اللاذقيه يتذكرون جيداً الاحتفال الذي اقامه فواز الاسد في ثمانينات القرن الماضي عندما بلغ رصيده من الاموال المنهوبه المليار دولار.

بشار الاسد لم يترك مناسبه الا وحاضر بها عن الاخلاق وكان وما زال يردد ان السبب الاساسي "لازمه" سوريا الحاليه هو الفشل الاخلاقي، وعندما تحدث عن وجود الاف الارهابيين ارجع ذلك الي سوء تربيه الشعب السوري، او لنقل الثائر منه.

ينظّر الاسد في الاخلاق بينما يسبح وعائلته وبقيه افراد العصابه وسط بحر من الفضائح الماليه والاخلاقيه التي تحيط باسرته الصغيره والكبيره، ويكفي ان نشير الي الطائره الخاصه التي اقلت أسماء الأسد ووصلت لندن بعد مقتل الحريري مع حموله كبيره من المال.

عندما طلب حافظ الاسد من القياده القطريه محاكمه محمود الزعبي بعد طرده من رئاسه الحكومه ساله السيد عبد الحليم خدام، وكان نائباً لرئيس الجمهوريه: ماذا فعل محمود الزعبي؟ يومها نطق حافظ الاسد بكلمتين: لقد خانني!

لم يقل كيف ولماذا خانه ولكن الامر كان ياتي ضمن سياق تهيئه بشار لكرسي العرش تحت عنوان مكافحه الفساد، ولكن السبب المباشر كان بفعل وشايه امنيه تقول ان محمود الزعبي الذي ذهب الي العاصمه النمساويه بعد مقتل باسل الاسد لاسترداد الـ13 مليار دولار المودعه باسمه في بنوكها هو من سرب فضيحه امتلاك باسل لـ13 مليار بينما كان الشعب السوري يعاني ما يعانيه لتامين استمراره في الحياه. لذلك كان لابد لمحمود الزعبي ان يدفع ثمن "خيانته" اغتيالاً سياسياً وشرشحه.

دفع محمود الزعبي حياته ثمناً لـ"خيانته" لبشار الاسد ايضاً بعد ان ارتكب خطيئه لا تغتفر.

وقتذاك اكتشف رئيس الحكومه محمد مصطفي ميرو وجود مبلغ خمسين مليون دولار محوّل من مكتب تسويق النفط الي حساب مجهول، وبدلاً من الاتصال برئيس الحكومه السابق محمود الزعبي كما يفترض ليستوضح منه حقيقه الامر واسم صاحب الحساب المجهول اتصل ببشار الاسد الذي اجابه: عليك ان تسال محمود الزعبي!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل