عاصفة الصحراء.. الحرب التقليدية الأخيرة
نشرت صحيفه ذا وول ستريت جورنال مقالا مهما لريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية والمدير السابق لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية، يتناول فيه ما حدث داخل البيت الابيض من مباحثات وقرارات قبيل واثناء وبعد غزو العراق للكويت، مفندا في مقاله اهم الدروس المستفاده من هذه الحرب. ويستهل مقاله بانه في منتصف يوليو 1990، كانت اجهزه الاستخبارات الأمريكية تراقب صدام حسين وهو يحشد قواته علي طول الحدود العراقيه مع الكويت. وكان معظم من في اداره الرئيس جورج بوش ـ حيث كان هاس كبير خبراء الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي ـ يعتقد ان صدام كان يخادع للضغط علي الجيران الاثرياء ولكنهم ضعفاء في الجنوب لخفض انتاجهم البترولي.
وكان العراق بحاجه ماسه لارتفاع اسعار النفط، نظرا للتكلفه الهائله لحرب دامت عشر سنوات مع ايران، بالاضافه الي طموحات صدام نفسه لتحقيق هيمنه اقليميه. ومن جانبهم، كان القاده العرب زملاء صدام، ينصحون اداره بوش بالتزام الهدوء وترك الامور تصل الي النتيجه السلميه التي كانوا يتوقعونها. وفي اواخر يوليو، التقي صدام للمره الاولي مع ابريل جلاسبي، سفيره الولايات المتحده في العراق، وعززت البرقيه التي ارسلتها الي واشنطن الراي القائل بان هذا كله جزء دقيق من المسرح الجيوسياسي.
ويبين هاس انه بحلول اول اغسطس اصبح من الواضح ان صدام كان يحشد قوات عسكريه اكثر بكثير مما يلزم لتخويف الكويت. وسرعان ما جمع البيت الابيض، كبار الموظفين من اجهزه الاستخبارات في وزارتي الخارجيه والدفاع. بعد ساعات من المباحثات غير الحاسمه، تم الاتفاق علي ان افضل فرصه لتجنب عمل عسكري عراقي، ان يتصل الرئيس بوش بصدام. وكان الجميع متشككا في نجاح الامر، لكنها محاوله لن تضر.
وبينما تُبحث الخيارات، ابلغ روبرت كيميت، وزير الخارجية بالنيابه، ان وزارته تلقت توا خبر غزو عراقي من السفيره الامريكيه في الكويت.
يوضح هاس ان ساعه الغزو كانت مفاجاه، واستغرق الامر بضعه ايام من الاداره لبحث الاحتمالات. وكان الاجتماع الاول لمجلس الامن القومي برئاسه الرئيس في نفس يوم الغزو محبطا. فلم يتمكن المسئولون من التوصل الي توافق في الاراء بشان ما يجب القيام به. ومما زاد الامر تعقيدا، ان الرئيس قال علنا ان التدخل العسكري ليس مطروحا، وكان يعني انه من السابق لاوانه البدء في هذا المسار.
ويكشف هاس انه بعد الاجتماع، ذهب الي الجنرال سكوكروفت، والذي طلب منه ان يقدم له وللرئيس مذكره تحدد الاختيارات المحتمله بما فيها رد عسكري بقياده الولايات المتحده. فكتب «بينما ادرك مثلكما مدي خطوره الوضع وتكلفته. غير ان قبول الوضع الراهن الجديد، سيكون ارساء لسابقه مخيفه، من شانها تصعيد الميل الي العنف، في هذ الفتره التي تعقب الحرب الباردة».
وفي الرابع من اغسطس اجتمعت نفس المجموعه (ومن بينهم وزير الخارجيه بيكر) في كامب ديفيد لمناقشه الخيارات العسكريه. وقدم الجنرال نورمان شوارزكوف (الذي اشرف علي القياده المركزيه الامريكيه) تقييما مفصلا لنقاط القوه والضعف العسكريه العراقيه، الي جانب بعض الافكار الاوليه حول ما يمكن ان تقوم به الولايات المتحده بسرعه. وسرعان ما ظهر توافق في الاراء حول ادخال القوات الامريكيه الي المملكه العربيه السعوديه لمنع تردي الحاله وردع صدام عن مهاجمه جاره اخري غنيه بالبترول.
يشير هاس الي ان الولايات المتحده فرضت بالفعل العقوبات الاقتصاديه وجمدت اصول كل من العراق والكويت (في الحاله الاخيره، لضمان عدم نهبها). وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ـ بما فيه الصين والاتحاد السوفيتي ـ قد دعا الي انسحاب فوري وغير مشروط للقوات العراقيه من الكويت. ولم يبد صدام اي استعداد للتراجع. وكان الرئيس قد ضجر من تاكيدات القاده العرب انهم سوف يعالجون الامر دبلوماسيا اذا منحوا الفرصه.
وهكذا تم تمهيد الطريق للاشهر السته المقبله. فقد فشلت الدبلوماسيه والعقوبات الاقتصاديه في طرد صدام. وفي منتصف يناير، نشرت عمليه درع الصحراء، نحو نصف المليون جندي امريكي في المنطقه لحمايه المملكه العربيه السعوديه والاستعداد لطرد القوات العراقية من الكويت، وافسحت المجال امام عملية عاصفة الصحراء. وذلك في اطار تحالف دولي كبير.
وبرغم ما يراه هاس بان تلك الايام تبدو بعيده عما يحدث الان في الشرق الاوسط، حيث فوضي المتطرفين الجهاديين، لكن حرب الخليج ليست مجرد تاريخ قديم، فدروسها الرئيسيه تستحق الاهتمام، واهم هذه الدروس:
* العقوبات الاقتصاديه يمكن ان تفعل الكثير:
لم تستطع العقوبات التي فرضتها معظم دول العالم، ان تفعل شيئا لردع صدام حسين، ودفعه للانسحاب من الكويت، وكذلك لم تستطع ان تدفع روسيا او ايران او كوريا الشماليه الي تغيير سياساتها الرئيسيه في السنوات الاخيره، بل ان العقوبات ضد العراق وكوبا اظهرت ان العقوبات ممكن ان تؤدي لزياده سيطره الدوله علي الاقتصاد.
* وضع الافتراضات يشكل خطرا:
ادركت اداره جورج بوش في وقت متاخر، ان صدام سوف يغزو فعلا الكويت، وكانت الاداره متفائله لدرجه توقع انه لن يكون قادرا علي الاستمرار بعد هزيمته في الكويت. وبعد اكثر من عشر سنوت علي عقد من الزمان في وقت لاحق، وقد اثبتت العديد من الافتراضات التي وضعتها اداره بوش الثانيه ان تكلفتها باهظه في العراق. وكذلك فعلت افتراضات ورديه في وقت لاحق لاداره اوباما عندما انسحبت من العراق، ونظمت تدخلا محدودا في ليبيا، وشجعت الاطاحه بالرئيس المصري حسني مبارك، ودعا لتغيير النظام في سوريا.
* تعدد القوي الفاعله قد يضع قيودا علي الولايات المتحده، لكنه قد يسفر عن مكاسب كبيره:
تضمن المشاركه الواسعه قدرا من تقاسم الاعباء. فقد انتهت حرب الخليج الثانية بكلفه قليله بالنسبه للولايات المتحده نتيجه للتبرعات من دول الخليج واليابان. وفي هذه الحاله، فان التعدديه، وبدعم من مجلس الأمن الدولي، يمكنها ايضا توليد الدعم السياسي داخل الولايات المتحده وحول العالم. كما تقدم مصدرا للشرعيه لا تحصل عليه الولايات المتحده عندما تتحرك وحدها.
* قد تكون للسياسات الناجحه عواقب سلبيه غير متوقعه:
ربما يكون الانتصار العسكري الاحادي في حرب الخليج الثانيه قد اقنع الاخرين بتجنب المواجهات في معارك تقليديه مع الولايات المتحده. وبدلا من ذلك، اصبح الارهاب في المناطق الحضريه، النهج المفضل للكثيرين في الشرق الاوسط، في حين اختار اخرون (مثل كوريا الشماليه) الردع النووي لضمان بقائهم في السلطه.
* الاهداف المحدوده غالبا ما تكون حكيمه:
قد لا تؤدي الي تغيير كبير، ولكنها تمتاز بكونها مرغوبا فيها، وقابله للتنفيذ وتكلفتها معقوله. وربما تقدم الاهداف الطموحه وعودا اكثر من ذلك، ولكن تحقيقها قد يكون مستحيلا.
وفي حرب الخليج الثانيه، كثيرا ما وجهت انتقادات للرئيس بوش من اجل الحد من اهداف الولايات المتحده وفقا لمجلس الامن والامم المتحده والكونجرس: طرد صدام من الكويت. وراي كثيرون اننا ينبغي ان «نذهب الي بغداد». ولكن كما تعلمت الولايات المتحده في افغانستان والعراق، يعتبر التخلص من نظام سيء سهلا مقارنه مع بناء بديل افضل.
* ليس هناك بديل لقياده الولايات المتحده:
لا ينظم العالم نفسه ذاتيا. ولا توجد يد خفيه تخلق النظام في السوق الجيوسياسي. وقد اثبتت حرب الخليج ان اليد المرئيه للولايات المتحده هي التي حشدت التحرك العالمي.
وبالمثل، ليس هناك بديل لقياده رئاسيه. فقد صوت مجلس الشيوخ ضد الدخول في الحرب مع العراق قبل 25 عاما، علي الرغم من ان الولايات المتحده كانت تنفذ قرارات الامم المتحده التي كان مجلس الشيوخ يعارضها.
Comments