المحتوى الرئيسى

هيثم فهمي يكتب: ملك وسلطان وعسكر | ساسة بوست

08/08 19:45

منذ 12 دقيقه، 8 اغسطس,2015

يمتلك الانسان قدره هائله علي النسيان او التناسي وهذا من الممكن قبوله ان كان الحدث التاريخي بعيدًا زمنيًا كالف عام خلت او خمسمائه، او بعيدًا جغرافيًا كان يحدث مثلًا في المكسيك او الفلبين، ولكنه غير مقبول عندما تكون المده الزمنيه اقل من خمسين سنه وفي بلد تتلامس حدودها مع حدود عالمنا العربي وتدين بنفس دين الاغلبيه العربيه.

والحدث التاريخي هنا هو عزل السلطان عبد الحميد الثاني في تركيا او الدولة العثمانية علي يد حركة الاتحاد والترقي في عام 1909م وعزل الملك فاروق في مصر علي يد حركة الضباط الاحرار في عام 1952م .. حدثان بينهما قرابه 43 سنه.

ما هالني هو ان التشابه بين الواقعتين يصل الي حد التطابق التام في بعض التفاصيل وسنكتفي بهذه المقدمه المختصره لندخل مباشره في تلك النقاط المتشابهه وبعض الاختلافات بين الحركتين.

ولكن في البدء ومما يدعو للتفكر بين قاده الحركتين انهم في الجانب التركي وصفوا حركتهم ضد السلطان الوصف الصحيح  و”الدائم” وهو لفظ “الانقلاب” ولم يموهوا علي الناس، فمنذ قامت حتي يومنا هذا لم يتغير مسماها ولعل الاغرب من ذلك اتفاق من ساند الحركه في تركيا او من خالفها علي نفس المسمي وهو وصف الانقلاب، علي عكس ماحدث في مصر في تغير وصف ماحدث من حركه الضباط الي “الحركه المباركه” ثم الي “الثوره” واختلاف الوصف كليا بين المؤيدين والمعارضين باضافه لفظ انقلاب وفقًا لرؤيه الجانب الاخير.

اوجه التشابه بين الاتحاد والترقي والضباط الاحرار:

من البديهي القول ان كلا من التنظيمين في بداياتهما قام بهما عناصر من الجيش منقطعه الصله تمامًا بالشعب فهما ليستا حركتان شعبيتان بالاساس وان كان قد انضم اليهما جزء من الشعب بعد ذلك. كلتا الحركتين قامت بتقسيم الخروج علي الحاكم الي مرحلتين، خلع الحاكم القائم وقتها وتعيين خليفته، ففي تركيا تم خلع السلطان عبد الحميد الثاني وتعيين خليفته وهو اخيه السلطان محمد رشاد (الخامس) ثم الذي يليه حتي تم عزل اخر سلاطين بني عثمان وهو عبد المجيد الثاني واقرار الجمهوريه رغم انهم كانوا بالفعل المتحكمين تمامًا في مقدرات البلاد منذ عزل عبد الحميد الثاني، نفس ما حدث من الضباط الاحرار في مصر فقد عزلوا فاروق وولوا ابنه الامير احمد فؤاد قبل ان يعلنوا الجمهوريه. كلًا من الكيانين او التنظيمين سواء الاتحاد والترقي في تركيا او الضباط الاحرار في مصر تم انشاؤهما قبل وقت قليل من ازاحه راس الحكم في البلدين قياسًا بمئات السنوات التي قد تمر في بلدان اخري حتي يتم تغيير نظام الحكم فيها وقد لا يتم.

ففي تركيا بدات تحركات انشاء جمعيه الاتحاد والترقي في 1889م ولكن تم ظهورها بشكلها الرسمي والاخير في عام 1906م، حيث بدا انشاء المقرات والدعايه للحركه، وتم اسقاط السلطان بعد ثلاث سنوات فقط من الاعلان الرسمي لها.

اما في مصر فبدا تشكيل حركه الضباط الاحرار في اعقاب نكبه فلسطين 1948م وما اشيع وقتها بما اصطلح علي تسميته “بصفقه الاسلحه الفاسده” فتم عزل الملك في اقل من اربع سنوات.

كلتا الحركتين اعلت شعارات القوميه علي الرابطه الدينيه .. في تركيا كانت القوميه التركيه بمعني ان المعول عليه هو الهويه التركيه دون اهتمام باي رابطه اخري، اما في مصر فكان التوجه عروبي خالص بل وافريقي وايضًا عالم ثالث وتاتي الهويه الاسلاميه في ذيل الهويات. عدم مقاومه او تمسك كلٍّ من ملك مصر او السلطان العثماني بعرشه رغم ما ذكرنا وما هو معروف ان الحركتين لم تضما اغلب عناصر الجيش او الشعب وكان لكل منهما – الملك والسلطان – الفرصه ان يقاوم حتي لو باقل عدد من الحرس سواء الملكي في مصر او السلطاني في تركيا فواقعتي الخلع لم يسفك فيهما نقطه دم واحده. في كلتا الحركتين سرعان ما شب الخلاف بعد خلع راس الحكم. فكما راينا في مصر مثلًا في الصراع الذي دار رحاه مبكرًا بين نجيب من جانب وبين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر من جانب اخر ولكل منهم اتباعه، فسعي كلا الجانبين الي الانفراد بالسلطه او علي الاقل الاستئثار باكبر قدر منها، فاصبح محمد نجيب رئيس الجمهوريه وتبادل نجيب وناصر رئاسه الحكومه مرتين.

فكان العامل الحاسم هنا هو الضغط علي نجيب لتعيين عبد الحكيم عامر وزيرًا للحربيه، والمشكله هنا ان عبد الحكيم عامر كان برتبه (رائد) وهي رتبه صغيره جدًا علي منصب وزير الحربيه، فتمت ترقيته اربع رتب دفعه واحده الي (لواء) ليملا مقعد وزير الحربيه وهذه الترقيه احدثت شرخًا كبيرًا مبكرًا بين الضباط الاحرار الذين ثاروا لتخطي عامر رتبهم فمعروف ان ترتيب الاقدميه مقدس جدًا في العسكريه.

الواقعه نفسها حدثت في تركيا لسيطره اقطاب الاتحاد والترقي انور باشا وجمال باشا وطلعت باشا علي السلطه تمامًا، فقد تمت ترقيه انور بك من رتبه قائمقام (عقيد حاليًا) الي رتبه (امير لواء) اي تم القفز رتبتين ليتم تعيينه وزيرًا للحربيه مما اغضب بعض قاده الجيش الاخرين وعلي راسهم مصطفي كمال (اتاتورك). تصفيه اصحاب الدور الكبير في اليوم الحاسم .. كان “محمود شوكت” قائد جيش الحركه الذي تحرك الي اسطنبول لخلع عبد الحميد الثاني وقد خاف قاده الاتحاد والترقي من نفوذه وشعبيته، فتم قتله لافساح الطريق لانور باشا لتولي وزاره الحربيه.

ويقابل “محمود شوكت” هذا لدينا في مصر شخصان، شخص كان واجهه وسببًا من اسباب نجاح الانقلاب وهو “محمد نجيب” وتم التخلص منه بتحديد اقامته، اما الشخص الاخر فهو “يوسف صديق” والذي له اكبر دور ليله 22 يوليو الحاسمه فهو صاحب ومنفذ فكره حصار مبني قياده الجيش لمنعه من التحرك اذا وصلته اخبار خلع الملك، ونفذها باقل عدد ممكن من الجنود .. تم القبض عليه هو واسرته بعد نجاح الحركه وذلك في ابريل عام 1954م وتم الافراج عنه بعد ذلك وتحديد اقامته بقريته الي ان توفي.

اعتمدت كلتا الحركتين علي واقعه مشكوك في صحتها لتكون هي الحصان الاسود الرابح الذي يتجمع حوله الفرقاء. في مصر كانت واقعه الاسلحه الفاسده والتي كانت يقينيه في نظرنا قبل ان تظهر شهادات بعض قاده الجيش وعلي راسهم الفريق سعد الشاذلي بنفي ما سمي بصفقه الاسلحه الفاسده وان ما حدث هو قله تدريب الجنود المصريين علي تلك الاسلحه او ان طول مده تخزينها ادي الي فساد اجزاء منها. علي الجانب التركي كانت هناك (حادثه 31 مارت الشهيره) والتي اتهم فيها السلطان عبد الحميد بقتل بعض اعضاء الاتحاد والترقي بالجيش وحرق المصاحف.

وقد برر ذلك قائلًا: “لو كنت قادرًا علي تدبير مثل تلك الاعمال الدمويه ما كنت قبلت الخلع حفاظًا علي دماء الجميع خصومي قبل اصدقائي”.

ومهما كان من حقيقه او صحه الواقعتين من عدمهما فهدفي هنا هو ضبط التشابه بين الواقعتين في البلدين وليس التاكد من صحه الادعاء في كل منهما من عدمه، فيبقي لكل طرف وجهه نظره الخاصه في كل واقعه علي حده. وامعانًا في التشابه بين البلدين كانت اول حرب او صدام لهما مع انجلترا وفرنسا معًا.

ضد تركيا عام 1914م في الحرب العالميه الاولي (اذا ما استثنينا حرب البلقان والتي ثارت فيها دول البلقان ضد الحكم العثماني مستعيده اراضي كانت تحكمها قديمًا قبل فتره التمدد العثماني)، ومصر عام 1956م في العدوان الثلاثي.

والاغرب من ذلك ان انجلترا علي وجه الخصوص كانت مساندًا بارزًا للحركتين سواء بالاستضافه والاحتواء في اراضيها كما حدث في بدايه تكوين حزب الاتحاد والترقي، او عن طريق غض الطرف عما يحدث في مصر التي كانت تحت حمايتها وهي تري الجيش يتحرك الي مقر الحكم، بل ان الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل اكد ان بريطانيا كانت تعرف بالتحركات وتوافق ضمنيًا عليها، وهي التي لم تكن تدخر فرصه للتدخل لفرض تلك الحكومه علي خديوي ما او اقرار حكم خديوي مكروه من الشعب.

وها انت تري ان الدول الاستعماريه لا تفكر في الافضل للدول الاخري ولا يهمها الا مصلحتها مع اي نظام، فاذا هدد اي نظام مصلحتها لجات الي حربه دون هواده متناسيه اي دور لها في تثبيته علي سده الحكم.

اذا كنا قد اثبتنا فيما مضي تطابقًا غريبًا بين الحركتين فيجب ان نعترف ان هناك ايضًا اختلافات، فلا شك ان المكان والزمان كان لهما تاثير ولو ضئيل علي الاحداث في الدولتين.

1 – اذا كان اليهود مُرحبًا بهم في الدوله العثمانيه بعد خلع عبد الحميد الثاني، فانهم في مصر كان غير مرحب بهم علي الاطلاق.

ففي تركيا لتاثيرهم الكبير في حركه الاتحاد والترقي واحتياج تركيا الدائم للمال لاتساع حدود الدوله، والحروب المتتاليه التي خاضتها وعلي راسها الحرب العالميه الاولي بالاضافه الي جهود يهود العالم بالضغط علي العثمانيين لتهجير اكبر عدد من اليهود للسكني في فلسسطين والتي كانت محرمه عليهم من قبل.

اما في مصر تم التضييق عليهم خصوصًا بعد اعلان قيام الدوله اليهوديه عام 1947م، واضطهد اغنياء اليهود حتي فروا من البلاد ولم يبق منهم بعد حربي 1956 و 1967 الا القليل النادر.

2 – نفي السلطان عبد الحميد الثاني داخل حدود دولته اولا في سالونيك التي كانت واقعه داخل حدود الدوله العثمانيه فلما فقدها الاتراك في حربهم مع اليونان تم نقل السلطان الي اسطنبول مستقره الاخير.

اما في مصر فقد تم اجبار الملك علي الخروج منها والتوجه الي اوروبا وبالاخص ايطاليا.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل