المحتوى الرئيسى

"محادثات مع روحي".. إضاءة للمواطنة والتمازج الثقافي

08/08 14:39

يَخبَر قارئ هذا الكتاب الشخصي للغايه للمؤلفه والفنانه التشكيليه اللبنانيه ايتل عدنان انها كانت قد بدات بالتفكير بالشمس وهي طفله. وكانت ايتل عدنان قد شرعت بكتابه قصيدهٍ عن الشمس سنه 1975 عندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية وكانت انذاك تري القنابل وتسمعها من شرفه منزلها.

طالت القصيده وطالت، واشتهرت بعنوانها "يوم القيامه العربي". وقد عالجت ايتل عدنان فيها ارتياعها مما يفعله الانسان بالانسان، واضعهً الشمس كقطبٍ نقيضٍ باعتبارها سيده الحكمه والحياه، وشاهدهً ومدمِّرهً في انٍ واحدٍ، لكن ايضًا بصفتها الثابت الوحيد في عالمٍ منفلتٍ من عقاله.

مواطنهٌ عالميهٌ ذاتُ وعيٍ سياسيٍ

اي انَّ العناصر لعبت علي الدوام دورًا في تفكير وكتابات هذه المؤلفه، التي يمكن وصفها بانَّها التجسيد الحيوي للمواطنه العالميه وللتمازج الثقافي، اذ كانت والدتها يونانيهً مسيحيهً من مدينه ازمير، وكان والدها سوريًا مسلمًا وضابطًا في الجيش العثماني.

ترعرعت هي نفسها مع اللغه العربيه واليونانيه والفرنسيه، وتلقت تعليمها في مدرسه فرنسيه وسافرت لدراسه الفلسفه في باريس سنه 1949. لكنها عزفت عن اللغه الفرنسيه منذ تصاعُد حرب الاستقلال الجزائريه. ثم عادت في سنه 1972 الي بيروت، واضطرت بعد سنوات قليله من اندلاع الحرب الي مغادره وطنها ثانيه، وجعلتها روايتها "ست ماري روز" التي تناولت جرائم القتل باسم الدين من قبل جميع الاطراف المتحاربه شخصيهً غير مرغوبٍ فيها.

يلمس القارئ في الكتاب الجديد ايضًا وعي المؤلفه السياسي. حيث تكتب في احد المقاطع: " ثمه بلدان في اجزاءٍ معينهٍ من العالم موجودهٌ من اجل تفجيرها بجهاز التحكم عن بعد. ويسمي هذا عادهً "بالاراده الالهيه". ومقاومه قرارات الله كانت اسهل من مقاومه القوي العظمي الحاليه.

بيد انَّ التركيز الان ينصب بوضوحٍ علي العناصر نفسها: الطقس، والغيوم، والبحر، والبحيره، والضباب، والليل. وقد كرست ايتل عدنان لها في العقود الاخيره اربع قصائد كبيره – يتضمن الكتاب الراهن الثلاث الاجد بينها: "البحر" و "الضباب" و "الليل". وهي تحلِّق حول ظواهر ملموسهٍ يستطيع المرء ادراكها بالحواس: هدير الامواج، التالُّق الكروي للمحيط، قوه الريح المعربده، ورائحه اليود فوق البحر، والطيور في تحليقها الحر، والنباتات علي وجه الارض.

لكنَّها تنطلق من هناك نحو استكشاف عددٍ لا يحصي من الالغاز التي تحيط بحياتنا: اين مياه الانهار التي اختفت؟ ماذا سيحدث لنهر النيجر عندما يتقدم العالم في السن؟ اين الوقت ومن اين ياتي؟

كانت ايتل عدنان قد شرعت بكتابه قصيدهٍ عن الشمس سنه 1975 عندما اندلعت الحرب الاهليه اللبنانيه

يضع "محادثات مع روحي" من هذا الجانب فلسفه تساؤلٍ تمعن عن وعي بالتفكير في فضاء منفتح. لذلك نري القصائد حواريه الي حدٍّ بعيدٍ، ومتقلِّبه كالغيوم في السماء. ولا بدَّ لمن يقرا هذه النصوص انْ ياخذ ما يكفي من الوقت لنفسه ولها. فهي تتجلي كاقوال ماثوره او اشعار هايكو يابانيه، وكصور الغاز، والغاز في صور، لا يمكن فكَّها بالمنطق وحده، ففي نهايه المطاف تسعي ايتل عدنان الي ادراك الوعي بالضبط في اللحظه التي تقوم الروح بعملها الفوضوي. عالم ايتل عدنان البصري اذن مركَّب، الا انَّ لغتها دقيقهٌ وواضحهٌ فهي تحاكي الاساطير اليونانيه، لكنها تتحدث ايضًا عن الاحتباس الحراري والرياح الشمسية، وعن كوكبي الزُّهره والمريخ وعن مسرِّع الجسيمات في المنظمه الاوروبيه للابحاث النوويه "سيرن".

كما تواجه الاراده الانسانيه في غزو السماء بسلطه الكون القديمه، ورغبتنا في المعرفه اللامتناهيه بسلطه المبهم. فقط اولئك الذين يذعنون لها يستطيعون بحسب ايتل عدنان تحرير العقل: من خلال استيعاب اننا جزءٌ من الكون، ولسنا حاكميه.

يتمتع كتاب "محادثات مع روحي" برزانه كبيره، حيث يشعر القارئ باهميه كل ما راته ايتل عدنان وما خبرته في حياتها. وهي تسمي "الموضوع المتكرَّر في التاريخ" بـ "اجساد تعرضت للتعذيب، رُميت كما ترمي القمامه" ويتطلب ذبحها "التكتُّم".

لكنها في الوقت ذاته لا تزال مسكونهً بالنظره الطفوليه. طفوليهٌ، لانَّ المؤلفه حافظت علي براءه القلب، في معمعان المذبحه. تعلن ايتل عدنان في هذا الكتاب كما في "يوم القيامه العربي" عن رغبتها الثابته بالسلام وبعالم من شانه انْ يعود الي الانسانيه الحقَّه.

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل