المحتوى الرئيسى

يمنى العيد: من «أرق الروح» إلى «زمن المتاهة»

08/08 01:36

من تحصيل الحاصل القول بان الكتابين المشار اليهما في العنوان يمتان ـ بابعادهما وتجلياتهما ـ بصله متينه الي حقل السيرة الذاتية. ولم يعد هناك شك في ان السير الذاتيه باتت الاكثر جذباً للقراء، ليس لان هذا النوع الادبي يتناول الجوانب الانسانيه الخاصه عن المشاهير فحسب وانما لما تلقيه السيره الذاتيه من اضواء علي الاحداث التي عاشها صاحب السيره من خلال بث حميم منطلق وكانه حوار او مناجاه مع النفس واستذكار امين لبعض ما شهدته تلك النفس من احداث ووقائع كانت طرفاً فيها او شاهده عليها. والسيره الذاتيه تختلف كثيراً عن المذكرات، الاولي مكتوبه باسلوب ادبي روائي شديد التناغم والتلاحم، وليس كذلك المذكرات التي تتم كتابتها بلغه المؤرخ الذي يعتمد الوقائع الثابته والمرفقه بالوثائق. وشتان بين هذه وتلك. وتجدر الاشاره في هذا الصدد الي ان للمذكرات قراءها المحدودين واحياناً المتخصصين بشان من الشؤون السياسيه او الاجتماعيه، بينما السيره الذاتيه اقرب ما تكون الي العمل الادبي الذي يشد اليه حشداً واسعاً من الناس خصوصاً اذا كان صاحب السيره علي درجه من الشهره في الصعيدين السياسي والثقافي شان صاحبه «ارق الروح» و «زمن المتاهه». كنت كتبت شيئاً عن «ارق الروح» وهو كتاب فاتن في لغته ومحتواه، لذلك سيقتصر حديثي هنا عن كتاب «زمن المتاهه» وهو الجزء الثاني من سيره الدكتوره يمني. وساتحدث في البدايه – وباختصار شديد - عن عنوان هذا الكتاب وما يتركه في وعي القارئ من استعداد للدخول في متاهه لا يصنعها الزمن بل اهل الزمن، الزمن بريء مما يحدث لنا فيه وما يلحق بنا من متاهات لا حصر لها ولا حدود، وكلها من صنع ايدينا نحن البشر، وهي بالتحديد من صنع القاده والحكام الذين يملاون الزمن بما يشاؤون من السيئات والحسنات. وقد تعمدت تقديم السيئات لانها اكثر معطيات الحكام العرب في االقرن العشرين وحتي الوقت الراهن. وساتحدث باختصار ايضاً عن الغلاف الاول للكتاب وعن اللون الاحمر الذي كُتب به العنوان وهو يشبه الدم، بل كانه الدم ذاته، في ارضيه مشققه ذات لون دموي خفيف ليبرز الدم القاني في كلمتي العنوان «زمن المتاهه».

وبعد الاشاره السابقه اسمح لنفسي بالاقتراب من المقدمه في سطورها القليله لانتزع منها هذين السطرين الموجعين اللذين يوجزان بحزن عميق وبراعه فائقه محتويات الكتاب، والسطران هما «ها انا اعود في نهايه العمر الي الصمت.. لكن صمتي اليوم هو صمت مسكون برائحه الموت بعد ان كان مشحوناً برغبه الحياه وباحلام التغيير» واتوقف عند هذين السطرين الموجعين الفاجعين لكي اتذكر بان علاقتي بما تكتبه الدكتوره «يمني» سواء في كتبها وفي دراساتها المنشوره في المجلات. والمقالات المنشوره في الصحف قد كانت تتميز بقدر هائل من التفاؤل اللامحدود. وكنا ـ زملائي وانا ـ كلما حوصرنا بالمعوقات والاحباطات نعود الي كتاباتها فتملانا بالثقه بالنفس وبالمستقبل، لكن ما يحدث لنا جميعاً الان وما تعانيه امتنا من تراكم الاحداث الفاجعه يجعل رواد المسيره الفكريه والوطنيه ينقلون صوره الحقيقه كما هي لتتمكن الاجيال الجديده من تصحيح الخلل وعدم الوقوع في المتاهات وتقديم التضحيات في غير مكانها. ليس ما يحدث في واقعنا العربي اليوم من صنع الصدفه وسوء التقدير بل هو تعبير عن مخططات تدميريه مدروسه يعدها كل الخارج ليتلقفها بعض الداخل لاغراق هذه الامه بمعضلات ما يكاد بعضها يتزحزح او ينـزاح حتي تحل محله معضلات اشد وانكي في محاوله لالغاء الوجود الانساني للملايين الغفيره التي تسكن المنطقه وتسعي منذ وقت طويل الي ان يكون لها نصيبها من الحريه والعدل والحياه الكريمه التي تشبه ما يوجد عند الاخرين وفي مقدمتهم هؤلاء الذين يضعون معضلاتنا ويباركونها باسلحتهم ومساعداتهم اللوجستيه، وبقواتهم المباشره كما يحدث في العراق علي سبيل المثال. وهو ما يؤكد اصرار تلك القوي علي ان يبقي وضع العربي كما هو عليه من السوء ان لم ينجح في ان يكون اكثر سوءاً الي ان يتحقق لها كل ما تريد في ظروف التفكك العربي وانشغال كل قطر بماسيه ومعضلاته الداخليه.

في مقدمه هذا الكتاب للدكتوره يمني فقره جديره بان نتوقف عندها وان ندرك بامعان ما يشغلها في هذه الاونه التي يمكن وصفها بذروه المتاهه، والفقره تقول: «نحن الذين امضينا عمرنا نحلم ونناضل لنحس احلامنا، بل بعض احلامنا، لكن العالم الذي صبوت الي تغييره لم يتغير، بل انتقل من سيئ الي اسوا وصار بعضنا اعداء البعض الاخر. وبدل ان نناضل سويه للتحرر من اعدائنا الفعليين الذين يطمعون في احتلال اراضينا ويناهضون مساعينا في النمو والتقدم استيقظنا في جب الاقتتال الطائفي والمذهبي وصرنا نتذابح، ونفجّر بيوتنا ومدننا فوق رؤوسنا. لقد غدونا اعداء انفسنا، غدونا نحن من يراكم العوائق يقيم سدوداً في مسار طريق ـ سفننا ـ للسير فيه. احكي بصيغه الجمع نحن اخوه يوسف الذي رميناه في الجب وننتظر مرور احد العابرين لانقاذه».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل