المحتوى الرئيسى

تأثير اليهود في الأغنية الشعبية التونسية

08/06 14:29

منذ بدايه القرن التاسع عشر، تزايدت مساهمه اليهود التونسيين في صياغه التاريخ الثقافي والاجتماعي والسياسي للبلاد سلباً وايجاباً. ومن المجالات التي خلفوا فيها بصمه ظاهره، مجال الغناء الشعبي.

ففي ذاك القرن، تنامي اقبال اليهود في تونس علي المشاركه في الشان العام، خصوصاً مع قدوم جاليه كبيره من المدن الجنوبيه في ايطاليا، واستقرارها في العاصمة التونسية. وفي موازاه ذلك، منحت الدوله حقوقاً اضافيه للطائفه اليهوديه، منها عضويه المجلس الأكبر (البرلمان)، والحقوق الدينيه والثقافيه والمساواه امام القانون مع المسلمين في دستور 1861. وطوال تلك الفتره مروراً بحقبه الاستعمار، حتي العشريه الاولي من الاستقلال، ساهم يهود تونس في صوغ تاريخ البلاد.

وقد برز في السياسه نسيم شمامه (1805- 1873)، الذي وصل الي رتبه وزير المال في عهد البايات، لكنه ما لبث ان فر الي ايطاليا هارباً باموال الدوله. وبرز جورج عده (1916- 2008)، المناضل السياسي والنقابي الذي وقف ضد الاستعمار الفرنسي والحركه الصهيونيه، ونشط في التيار اليساري التونسي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ضد نظام الحزب الواحد.

وفي السينما، برز البير شمامه (1872- 1934)، رائد السينما التونسية، الذي قدم اول عرض سينمائي في البلاد في اكتوبر 1896.

وفي الصحافه ظهرت العشرات من الصحف التي يشرف عليها اليهود بالفرنسيه والعبريه. وفي المجال الرياضي، برز العديد من الاسماء، خصوصاً في الملاكمه كسيمون بلعيش وبيريز زفيليكس.

يمكنكم الاطلاع علي مقالنا "من تاريخ الصحافه العبريه في تونس".

غير ان الحضور اليهودي في الغناء والفنون الشعبيه التونسيه كان لافتاً. فقد ظهرت في الساحه الفنيه المحليه العشرات من الاصوات، لتصوغ طابعاً فنياً مميزاً يسمي "الربايبيه" نسبه لاله الربابه، التي كانت تصاحب هذا النوع من الغناء الخفيف، والذي كان مرتبطاً بالحياه اليوميه للتونسي. فهذا النوع الفني دائم الحضور في المناسبات الدينيه والاجتماعيه للعائلات التونسيه، في الاعراس وحفلات الختان وتوديع الحاج واستقباله.

كذلك تميزت الاغاني الشعبيه التي كان يؤديها اليهود في تونس بالتحرر من المحرمات والتابوهات، التي كانت سائده انذاك في ما يتعلق بالتغزل بالنساء. وقد وصل الامر في بعض الاغاني الي الغزل الاباحي الصريح. والطريف ان هذا النوع كان يلقي رواجاً لدي المتلقي التونسي وما زال. في هذا السياق التاريخي والثقافي برزت اصوات يهودية تونسية اهمها:

يعتبر الشيخ العفريت اشهر فنان يهودي في تونس، اسمه الحقيقي ايسران اسرائيل روزيو. ولد عام 1897 في تونس وفيها توفي عام 1939. تعود اصول والده الي المغرب الاقصي، اما والدته فهي من اصول ليبيه وعنها ورث موهبه الغناء. عرف باداء الاغاني الشعبيه في حفلات الزواج والختان، وتميز بصوته الجميل واغانيه الغزليه، وبرع في المقامات التونسيه.

كانت والدته تشارك في احياء الحفلات العامه ومنها تعلم الغناء، ثم كون فرقه موسيقيه من ابناء طائفته، وسجل العشرات من الاغاني التي كان يكتب معظمها بنفسه. وبعد الانتشار المحلي سافر الي العاصمه الفرنسيه باريس، وشارك في العديد من الحفلات، وبدا يحقق الشهره في اوساط الجاليتين التونسيه واليهوديه، وهناك التقي الفنان المصري اليهودي، زكي مراد، والد الفنانه ليلي مراد، وحصل بينهما تعاون فني. لكن المرض لم يمهل الشيخ العفريت طويلاً، فتوفي متاثراً بداء السل وهو لم يتجاوز الـ42 من العمر.

تعدّ حبيبه مسيكه الفنانه اليهودية التونسية الوحيده التي حققت، الي نجاحها المحلي، نجاحاً عربياً لافتاً. فقد تنوعت مواهبها بين الغناء والرقص والتمثيل المسرحي. اسمها الحقيقي "مارغريت". ولدت في بلده تستور التي يسكنها الموريسكيون، الذين قدموا من الاندلس بعد طردهم منها. ثم انتقلت الي العاصمه برفقه خالتها، التي اشرفت علي تعليمها العزف علي البيانو والغناء.

وانتسبت لاحقاً الي مدرسه "العهد الاسرائيليه"، ثم خاضت تجارب مسرحيه عده مع فرقه المستقبل التي اشرف عليها التونسي محمود بورقيبه، ومع فرقه المسرحي العربي جورج ابيض. وقد مثلت في مسرحيه "روميو وجوليات" ثم في مسرحيه "شهداء الحريه" عام 1928، ورفعت خلالها علم الاستقلال، الامر الذي ادي الي اعتقالها من قِبل سلطات الاستعمار.

ثم تفرغت للغناء وتعاونت مع عشرات الموسيقيين العرب المشهورين، كالتونسي خميس ترنان والعراقي محمد القبانجي، واحيت الحفلات في مصر والشام وغنت باللهجات العربيه المختلفه. غير ان رحيلها المبكر في العام 1930 وضع حداً لمسيرتها الناجحه. فليله العشرين من فبراير قرر عشيقها ايلياهو ميموني ان يقتلها حرقاً بالنار، بعد ان شيد لها قصراً ولكنه لم يجد منها الا الصد والبعد. وفي العام 1995 قدمت المخرجه التونسيه سلمي بكار فيلماً سينمائياً عنوانه "رقصه النار" يخلد حياه مسيكه.

كغيره من الفنانين اليهود في تونس، بدات موهبه روول جورنو الغنائيه تبرز في الحفلات الاجتماعيه، كالاعراس والختان، والحفلات الدينيه، كالقداس السنوي او في "بار متسفا"، وهو حفل ديني يقام عند بلوغ الطفل اليهودي الثالثه عشره من العمر، اي عندما يـُعتبر مكلفاً باداء جميع الفرائض المفروضه عليه حسب الشريعه التوراتيه.

ركز جورنو في غالبيه اغانياته علي الثقافه المحليه التونسيه، بشقيها العربي واليهودي، وتضمنت بعض اغانيه الصلاه علي النبي محمد ومدح الصحابه وبعض الاولياء الصالحين المشهورين في مدينة تونس، كمحرز ابن خلف والسيده المنوبيه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل