المحتوى الرئيسى

"فرانكشتاين في بغداد".. صناعة الوحش لمقاومة الوحشية

08/06 09:38

وعربيا هناك "اصابع لوليتا" و"حارسه الظلال او دونكيشوت في الجزائر" لواسيني الاعرج او "بابا سارتر" لعلي بدر او "عزيزي السيد كواباتا" لرشيد الضعيف.

وها هو العراقي أحمد سعداوي يلتحق بهذه الظاهره في الادب الغربي والعربي بروايته "فرانكشتاين في بغداد" الصادره عن دار الجمل والمرشحه في القائمه الطويله لجائزة البوكر العربية، في احاله مباشره علي روايه "فرانكشتاين" لماري شيلي.

انطلقت الروايه الانجليزيه من حكايه الطالب فيكتور فرانكشتاين الذي تمكن من اختراع كائن جديد عملاق، انتفض يروم الانتقام من الطغاه والتخلص من زعماء الشر الذين كانوا سببا في دمار العالم بتوظيفهم السيئ للعلم، فاقاموا الشر بدل الخير واستعبدوا الناس في كل مكان.

غير ان الوحش يتمرد علي مخترعه ويتحول الي اله اخري للقتل حتي ينتهي به المطاف الي قتل فيكتور فرانكشتاين نفسه، بعد ان اجهز علي زوجته واخيه. 

ياخذ سعداوي هذه الحبكه واصل الفكره المعروفه لينزلها من جديد في فضائه البغدادي سنه 2005 اثر الغزو الاميركي للعراق، فانطلق بذلك من واقع فعلي ووقائع يوميه سرياليه يشاهدها المواطن العراقي في بغداد يوميا، واقع التفجيرات الذي تحول الي سياق يومي سوداوي اصبح خليقا بظهور عظيم. فالعراق بدا وكانما ينتظر "غودو" ليخرج من مستنقع الدم، ولان غودو ارتبط بالانتظار اليائس كان فرانكشتاين هو الحل عند سعداوي.

ان حاله الدمار التي يعيشها الفضاء العراقي البغدادي، كما يراها الكاتب ويعيشها نزعت عن المكان مفهومه الاصلي واحالاته المرجعيه المرتبطه بالتمدن والامن والسكن والثبات، وجعلت منه فضاء عدوانيا وطاردا ولا يؤتمن، فهو مكان موبوء بالفجيعه، ملطخ طوال الوقت بالدم، فضاء مفكك بعد بناء انعكاسا لصوره العراقي المستهدف والمتطايره اشلاؤه في التفجيرات الارهابيه.

هذا الفضاء المتطاير، وهذه الاشلاء المبعثره تطلبت ظهور"هادي العتاك" بائع العاديات ببغداد الذي سيهرع بعد كل تفجير ليلتقط عضوا بشريا من احدي الضحايا ليبني به كائنا قويا ينتفض في شكل عملاق سيسعي للانتقام من الارهابيين الذين تسببوا في تلك التفجيرات.

الكائن الجديد اذاً هو "وحده" الضحايا والشهداء، لانه مشكل من الذين استشهدوا في تفجيرات متباعده، وهو لا يمثل هويه فرديه ولا يحمل هويه اثنيه او عشائريه ولا حتي ايديولوجيه، انه يعكس العراقي في حالته الخام.

هذا هو المعني العميق لهذا التناص الرفيع مع فرانكشتاين الاصليه والتي لم تحمل هذا المعني. ان خروج هذا المارد للانتقام من قوي الشر والمتمثله في الارهابيين هو دعوه ابداعيه وثقافيه لخروج كل العراقين للتصدي لعدو واحد هو الارهاب واستبعاد الانتماءات بشتي انواعها، خروج الاجساد الحيه دفاعا عن الحياه المستهدفه من اباطره القتل.

في "فرنكشتاين في بغداد" نحن امام تعامل اخر مع الجسد البشري، وكما كل فضاءات الحرب ينتزع الجسد اهميه كبري بصفته موضوع صراع، فالصراع صراع اجساد حول الاجساد، صراع حول اخضاع او محو اجساد لتمكين اجساد اخري من الحلول محلها.

مستعمر اميركي يطا الارض باجساد محتشده من كل مكان ومرتزقه وتجار سلاح واجساد ارهابيين يفخخون السيارات والعباد في عمليات انتحاريه، واجساد اخري تتعرض للتنكيل والتفجير والمحو والتمزيق هي اجساد السكان الاصليين للارض، وجسد يبني من تلك الاجساد المعاقبه والمقموعه والمقتوله لينتفض منتقما من الاجساد السابقه. انها حرب الاجساد كل الاجساد، في غابه معاصره بوحوش اعنف.

لقد مهد صاحب روايه "البلد الجميل" لشخصيته الروائيه الجديده بما يجعلها جديره بدورها الذي يوكله لها، فاضفي سعداوي علي هادي العتاك بعد الغموض الضروري، فهو وافد علي الحي ولا احد يعلم من اين جاء.

تاجر خردوات مجهول اقتحم الحي مع زميله في وقت اصبح فيه الفضاء بلا هويه، منتهكا من الغرباء، لكن "الكثيرين في الحي يعرفون هادي العتاك وناهم عبدكي قبل هذا بسنوات، كانا يمران بعربه يجرها حصان لشراء الاغراض المستعمله والقدور والاجهزه الكهربائيه المعطله" كما مهد لنا الروائي للدور الجديد للشخصيه بادوار سبقتها كترميمه للخرابه اليهوديه واقامته فيها.

يظهر هادي العتاك بحي البتاوين ببغداد منذ البدايه، في صوره باعث الحياه في المهمل والمتروك والميت من الاشياء والامكنه، قبل ان يصل الي اختراعه في بعث المارد العملاق من اشلاء الشهداء.

ربط الرواي ذكر هادي العتاك بالعجيب، فيصف الحكايات التي يرويها في المقهي بالحكايات العجيبه او الحكايات الخياليه، وبقيت حكايته التي يرويها عن ذلك المارد الذي شكله من بقايا ضحايا التفجيرات الارهابيه مجرد خرافات لرجل مجنون.

نرشح لك

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل