المحتوى الرئيسى

هل قلتم "إرهاب"؟

08/05 18:11

يصاب المرء بالحيره والدهشه وهو يراقب تحول وتحويل مفهوم "الارهاب". فبعد ان كان مفهوماً تم صكه من طرف "المحافظين الجدد" بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر لوسم كل من لا يندرج ضمن استراتيجيتهم، افراداً وجماعات ودولاً، اصبح اليوم مشتركاً في اللغه السياسيه علي المستوي العالمي. لم يعد مفهوم "الارهاب" اذن ملكيه سياسيه وايديولوجيه خاصه بـ "دول تحالف الحرب علي الارهاب" بل تسلل الي قاموس من كان يوسم بها، فاصبحت مفرده اصيله في اللغه التداوليه لما كان يصنف كـ "دول مارقه" او "جبهه الممانعه والمقاومه". وهو امر يعقد، بدون شك، المشهد العالمي ويربك النظر في قراءه التحولات المتنوعه التي تعصف بالمنطقة العربية والاسلاميه؛ وفهم اسباب وابعاد استيطان العنف، كماً وكيفاً، في هذه المنطقه بالذات.

ان العنف، بشكل عام، هو شكل من اشكال التعبير الذي عُرِفت به المجتمعات الانسانيه، الا ان طبيعه العنف الذي يخيم علي المجتمعات العربيه والاسلاميه يتجاوز بكثير الاشكال التقليديه المتعارف عليها.

ذلك ان تضافر عناصر متعدده داخل هذه المجتمعات- منها العوامل الخارجيه والتحولات العالميه والاوضاع الداخليه والتطور التاريخي والميراث الثقافي والثقافه الدينيه- شكلت اوضاعا مُركَّبه ومعقده تجعل اختزال موضوع العنف في عامل او عاملين فقط- كرده الي الظروف الاقتصاديه والاجتماعيه او الي العوامل الثقافيه والتربويه- مبتسراً ومضللاً، ناهيك عن فقدانه المصداقيه.

وعليه، فان استحضار هذه العناصر جميعها والعمل علي تركيبها يمكن ان يكون احد المداخل المهمه لابداع ادوات ادراكيه اصليه، قابله لاستنطاق واقع هذه "الظاهره".

ان ما يبرر تناول موضوع العنف من جديد كونه يندرج فيما يسمي اليوم "الارهاب". فبغض النظر عن مصداقيه هذا المفهوم واجرائيته، فانه اصبح عنواناً كونياً غير محايد يؤدي وظيفه سياسيه وايديولوجيه بعدما تم شحنه بحموله عاطفيه ورمزيه.

واذا كان "الارهاب" هو احد امرين: اما انه فعل او رد فعل- حسب زاويه القراءه والتفسير- فان الاهم- في نظرنا- لا ينحصر لا في الفعل ولا في رد الفعل وانما يكمن فيما وراءهما، ذلك اننا ننظر اليه كاداه تندرج ضمن استراتيجيه واسعه تتوخي تحقيق اهداف وبلوغ غايات.

لاشك ان انهيار المعسكر الاشتراكي وتصدع النظام العالمي السائد كانا بمثابه نقطه تفصل بين مرحلتين؛ فالمرحله الجديده اقتضت ترتيبات وقواعد جديده تبلورت تدريجياً في خطاب رافق مساعي هندسه نظام عالمي جديد. لكن المرحله هذه لم تقطع مع سابقتها الا في الاساليب والوسائل، اما علي مستوي الاهداف الكبري فهي استمرار وتكريس لها.

فاذا كانت الحقبه الاستعماريه قد سعت الي بناء نظام عالمي (الهيمنه والسيطره) تحت غطاء "التحديث" او "التمدين"، وحقبه الحرب البارده تحت غطاء "الصراع الايديولوجي"، فان الحقبه الحاليه يتم فيها تنفيذ هذا الثابت تحت غطاء جديد اسمه "محاربه الارهاب".

والواقع ان لفظه "الارهاب" تختزن بمفردها الاستراتيجيه العالميه الجديده، فهي مفصله علي الصوره التي شكلتها عن العالم وعن خرائطه.

اذا كانت الحرب عباره عن استمرارٍ للسياسه بوسائل مختلفه حسب كلاوزفيتز، فان "الارهاب" هو نفي للسياسه واغتيال للاخلاق، وبالتالي تم تجريد الحرب من اي غطاء سياسي واخلاقي واطلاق يديها لاعاده رسم خرائط العالم بادوات مختلفه. وتتمثل هذه الادوات في وسيلتين متكاملتين، الخوف والفوضي، تربطهما علاقه جدليه اذ ان وجود احداهما يقتضي بالضروره وجود الاخري.

فـ "الارهاب" بهذا المعني هو عمله بوجهين لا يمكن فصل احداهما عن الاخري. ذلك ان هذه الاستراتيجيه لا يمكن ضمان نجاعتها ونجاحها الا اذا عبات المراكز الراسماليه (الاسواق) وادرجتها في معركتها، ولا يمكن ان تستنفر هذه المراكز الا اذا نجحت في ربط استقرارها ورفاهيتها بضبط عالم "الاطراف" والتحكم فيه.

فـ "الارهاب" الذي يعتمد كاستراتيجيه يقتضي، من جهه، اشاعه الخوف في المراكز الراسماليه بزرع الرعب في كل مفاصل الحياه، ومن جهه اخري، زرع الفوضي في عالم "الاطراف" بتكثيف العنف فيه وخلخله توازناته المجتمعيه

ليس المقصود بالخوف هنا الخوف الغريزي المرتبط بغريزه البقاء، انما نقصد به تلك الحاله من الهوس الجمعي، الذي تشل معه القدرات الذهنيه وتنطفئ انوار العقل، به يحكم الناس وباسمه تسن التشريعات وتبرر الميزانيات وتعلن حاله الطوارئ.

فقد اصبح هذا الخوف سلطه مكنت من خلق حاله اجماع سمحت بتعبئه المراكز من اجل اكتساح الاطراف. كما ان ربط استقرار الاسواق وضمان استمرار رفاهيتها بشن حروب علي "مصادر التهديد"- وهو جوهر سياسه الخوف- مَهّدا الطريق للاطاحه بمكتسبات الحضاره من حريات وحقوق، مما سمح بتعزيز دوله الامن والضبط.

لم يكن بالامكان ان يتمكّن الخوف من حياه الناس لولا تضافر جهود مؤسسات ثلاث: المؤسسه السياسيه العسكريه والمؤسسه الاقتصاديه والماليه والمؤسسه الاعلاميه والفنيه.

اما المؤسسه السياسيه العسكريه، فيكفي انها جعلت من الخوف برنامجها الاساس لخوض الانتخابات- اي انتخابات كانت- في الغرب عموماً والولايات المتحده الامريكيه خصوصاً، ودافعاً قوياً لتبرير ميزانيات المؤسسات العسكريه وانعاش الصناعات العسكريه.

اما بالنسبه للمؤسسه الاقتصاديه والماليه وبفضل "فتوحات" العولمه، فقد استطاعت ان "تخوصص" هذا الخوف وتحوله الي استثمار يدر الربح العميم علي الشركات متعدده الجنسيات، وتبدع صناعات جديده مرتبطه بالامن تمتد من اللوجستيك البشري الي التقنيات المتطوره والدقيقه.

اما المؤسسه الاعلاميه والفنيه فهي وبدون شك الاخطر علي الاطلاق، ذلك انها تستهدف وعي الانسان ومتخيله؛ فقد نجحت بفضل الصوره والصوت في توطين الخوف داخل الانسان بعدما تم تدجين الذهن وترويض الاراده. فنتيجه تضخمُ ثقافه الصوره وتكثيفها اصبحت الادوار متبادله بين الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي (الافلام، الالعاب الالكترونيه) الي درجه لم نعد نعرف فيها الحدود الفاصله بينهما.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل