المحتوى الرئيسى

مروة محمد يكتب: الأسطورة الخردة | ساسة بوست

08/04 23:01

منذ 6 دقائق، 4 اغسطس,2015

تتطلب نظريه التصميم الذكي ان ندعي اننا نعلم “اقل” مما نعلم عن الكائنات الحيه، وان نتراجع الي انعدام معرفي بيولوجي مما لا يوافق “روح العلم” لهذا القرن” – كينيث ر. ميلر (عالم بيولوجي امريكي).

منذ ان اكتشف واطسون وكريك الماده الوراثيه او سر الحياه: الـ DNA، والذي ترتب عليه اكتشاف ما يُعرَف بالدوجما المركزيه central dogma، كان الاعتقاد الذي ساد بين العلماء وفقًا للدوجما المركزيه ان المعلومات الوراثيه تَنتقل من الـDNA  الي الـ RNA ومن ثم يصنع الـ RNA المنتج النهائي وهو البروتينات، البروتينات التي هي نحن! فهي المسؤوله عن لون بشرتنا، عن الامراض التي تعترينا، عن كل شيء.

فيما بعد تم اكتشاف ان نسبه اجزاء الـ DNA (الجينات) التي تُشفّر لهذه البروتينات (التي تُكوِّد طريقه تصنيعها) هي نسبه ضئيله جدًا، فقط نحو 2%، وهكذا فان نحو 27,000 جينه منتجه للبروتينات لا تحتل 100% من الـDNA  كما كان متوقعًا، بل تشمل هذه النسبه  الضئيله، وبرز السؤإل ألمهم للغايه: ماذا عن الـ 98% المتبقيه من الـ DNA غير المُكوِّده لبروتينات؟ ما هو دورها بالضبط ان كان لها دور؟

هنا تلقّف العلماء التطوريون (الذين يعتنقون نظريه التطور) هذا الاكتشاف، وكان تفسيرهم بسيطًا للغايه: لا دور! كان من اوائل من اعتنق هذا التفسير البيولوجي سوسامو اوهنو، الذي نشر مقالًا عام 1972 يتساءل فيه عن سبب وجود هذا الكم الكبير من الـ DNA “الخُرده”junk DNA –  في الجينوم البشري، وكان من اوائل من اطلق علي الـ 98% التي لم يُكتشَف لها دور بعد مصطلح: خرده.

كان تفسير سوسامو يتلخص في ان الـ DNA الخرده هو مجرد حُطام زائد عن الحاجه، لا فائده منه، ناتج عن الاف السنين من عمليه التطور، ريتشارد دوكنز بيولوجي تطوري هو الاخر ويعد من اشهر العلماء الملحدين في العالم، كان من المناصرين لفكره الـ DNA الخرده ومن اشد المروجين لها، يقول في مقال له: “مره اخري نجد المؤمنين بالخلق يمضون وقتهم في محاولات جديه لمعرفه لماذا اتعب الخالق نفسه وقام ببعثره هذا الـ DNA الخرده داخل الجينوم البشري”، وفي مقام اخر يقول: “فائده الـ DNA الخرده – وخصّ بالذكر نوعًا معينًا منه: الجينات المزيفهpseudogenes  – هي احراج المؤمنين بالخلق، فلا يوجد سبب مُقنع لقيام المصمم الذكي (الخالق) بتصميمه الا انه يريد ان يخدعنا عن عمد!”

وعلي الرغم من ان البيولوجي دوجلاس ج. فوتوياما اعترف ان الـ 98% المتبقيه من الـ DNA غير المُكوِّده لبروتينات لا يمكن ان تكون كلها “خرده”، الا انه اضاف ان نظريه التطور هي فقط التي بامكانها ان تُفسر لماذا يحوي الجينوم البشري هذه الحفريات الجينيه (يقصد لا فائده منها)، بينما لا تستطيع نظريه “التصميم الذكي” ان تفسر هذا الامر.

هل اثبتت الاحكام المسبقه صحتها؟

كما نري فان اسطوره الـ DNA الخرده تم استخدامها للترويج لنظريه التطور، والا فلم تم اطلاق مصطلح خرده؟ لماذا لم يُستَعمل مصطلح “مجهول الفائده” مثلًا ويتم اعطاء فرصه للمزيد من البحث؟ لماذا كان التسرع في اطلاق هذا الحكم؟ لان دوكنز واصدقاءه من التطوريين وجدوا ان مصطلح الخرده سيكون مناسبًا اكثر للدفاع عن عقيده التطور التي تنادي بتطور الانسان بطريقه عشوائيه، هم هنا لا يتبعون دليلًا علميًا، هم يتبعون ما يمليه عليهم هواهم التطوري. فهل اثبت العلم الذي يتشدقون به  صحه حكمهم هذا؟

في سبتمبر عام 2003 قام المعهد القومي الامريكي لابحاث الجينوم البشري (NHGRI) بتدشين مشروعENCODE  (Encyclopedia of DNA Elements) والذي هَدف الي توصيف وظائف الجينوم البشري باكمله، اي تعيين وظائف سائر اجزاء الـ DNA، وبعد سنوات من الابحاث شارك فيها نحو 400 عالم، صرح العالم ايوان بيرني منسق المشروع انه اتضح ان ما كان يعتبر “خرده” هو في الحقيقه كنوز مخفيه داخل  الـ DNA، لانه من المرجح ان 80% من الـ DNA لها وظائف كيموحيويه وهذه النسبه مرشحه لكي تصل الي 100%، لانه يبدو ان ليس هناك DNA زائدًا عن الحاجه، واجاب بيرني عند سؤاله اذا كان ينبغي ان يُحال مصطلح  الـ DNA “الخرده” الي التقاعد، اجاب انه ينبغي ان يُشطَب من القاموس تمامًا.

اظهر بحث نُشر في مجله ناتشر ((nature العلميه عام 2003 وبعيدًا عن مشروع ENCODE الذي تم تدشينه في العام نفسه، ان نبات ارابيدوبسيس Arabidopsis له اوراق تشبه الملعقه (الي اليسار). ولكن عندما تدخّل العلماء في نشاط   micro-RNAتنتجه جينه RNA فقط (RNA-only gene)، فان نبات ارابيدوبسيس بعد هذه الطفره اُصيب بعيوب واضحه وتعرجت اطراف اوراقه (الي اليمين).

رابط الورقه البحثيه من هنا 

لمده تسع سنوات كامله حاول الاطباء ان يكتشفوا الخلل الجيني الذي يتسبب في مرض نقص تَنسُّج الغضروف والشعر – Cartilage-hair hypoplasia، وهو المرض الذي يتسبب في قصر القامه (التقزُّم) بالاضافه الي انه يجعل المريض اكثر عرضه للاصابه بالامراض المناعيه، وعندما قاموا بتحليل الجينات المنتجه لبروتينات وجدوا انها سليمه ولا خلل فيها، اذًا ما الذي تسبب فيه هذا الخلل الجيني؟ في 2001 توصل فريق بحثي ان المسؤول عن هذا الخلل جينه منتجه للـ  RNAفقط، ونظرًا لحيويه الدور الذي يقوم به هذا الـ RNA فان الخلل الذي اصاب الجينه المُنتجه له كان هو السبب في هذا المرض.

ما الذي يعنيه ما سبق بالضبط؟ يعني ان هناك مجموعه من الجينات تؤدي وظائف مهمه علي الرغم من انها لا تُكوّد لايه بروتينات، بل تُنتج الـ RNA فقط، اُطلق عليها RNA-only gene، لهذا عندما يتم اعاقه عمل هذه الجينات يُمكن ان تنشا فروق كبيره في المظهر الخارجي، كما حدث لنبات ارابيدوبسيس – وقد تؤثر علي صحه الكائنات الحيه، وتكمن اهميه النقطه الاخيره انها تفتح بابًا واسعًا للبحث عن مسببات لامراض قد يكون حلها في السيطره علي جينات منتجه فقط للـRNA .

وهذا فقط بعض مما تَكَشّف لنا عن وظيفه الـ DNA الخرده كما يسمونه.

ولنرجع لاول عباره في المقال، هذه العباره التي قالها صاحبها علي سبيل التهكم علي المؤمنين بوجود خالق مصمم لهذه الحياه، هي في الواقع صحيحه تمامًا.

فلو ان العلماء اخذوا بالاراء التي تعتبر الاجزاء غير المُكوِّده لبروتينات في الـ DNA مجرد حُطام تطوري لا فائده منه سوي احراج المؤمنين بالتصميم الذكي كما قال دوكنز، تري هل كانوا سيتقدمون خطوه الي الامام؟ ابدًا، كانوا سيقنعون بهذا التفسير المتعجل والمتكبر في ان واحد، ومن ثم ما كانوا ليُقدِموا علي البحث والتعمق لمعرفه المزيد عن وظيفه هذه الاجزاء من شفرتنا الوراثيه، الامر  الذي لا يتوافق مع “روح العلم” علي عكس ما ادعي صاحب العباره.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل