المحتوى الرئيسى

أصل الانسان في القرءان

08/04 21:02

لنهمل للحظه ما ورثناه عن خلق الانسان الاول ادم من طين وخلق زوجته حواء من احد اضلعه، لنستكشف اصلنا من القرءان، الكتاب المنزل من الله رحمه ونورا للعالمين. هناك ثلاث نصوص متوازيه عن خلقنا من ادم ومن نطفه ومن نفس واحده تثير تساؤلات منطقيه لم تجد اجابات شافيه في التفاسير التقليديه. لنبدا بادم:

(38:71)اذ قال ربك للملائكه اني خالق بشرا من طين (38:72) فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (38:73) فسجد الملائكه كلهم اجمعون (38:74) الا ابليس استكبر وكان من الكافرين (38:75) قال يابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي استكبرت ام كنت من العالين (38:76) قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين

السؤال الذي اثارته نصوص ادم من البدايه هو التالي: اذا كان ادم هو اول انسان فكيف تكاثرت البشريه من رجل؟ من اين جاءت ام البشريه؟ الجواب التقليدي وفي الديانات السماويه الثلاث هو ان الله خلق حواء زوجه ادم من احد اضلعه. ولكن هذه القصه لا تجد دعما واضحا في القرءان. علي العكس لا تتطرق نصوص خلق آدم لخلق زوجته حواء، سواء من ضلعه او باي طريقه اخري، ولم تكن الاشاره لخلقها تتطلب اكثر من ايه او جزء من ايه. الغريب اننا لا نجد حتي اسم لزوجه ادم في القرءان- حواء اسم مستمد من التلمود اليهودي. اذا كنا نؤمن بان القرءان لا يتحدث عن الهوي فلا يمكن ان يكون قد اغفل اصل ام الانسانيه الا لسبب وجيه ومنطقي.

في خط السرد الثاني يتحدث النص عن خلق الانسان من نطفه:

(22:5) يايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفه ثم من علقه ثم من مضغه مخلقه وغير مخلقه لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء الي اجل مسمي ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا اشدكم ومنكم من يتوفي ومنكم من يرد الي ارذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وتري الارض هامده فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج

اذا كانت النطفه هي الاساس ليس فقط لخلق الانسانيه بل وبعثها يوم القيامه، فكما يشير النص ونعلم من الطبيعه تحتاج النطفه لرحم لتنمو فيه وتتطور الي جنين وطفل. نصوص النطفه تعمق شكوكنا حول اصل وهويه ام البشريه الذي اثارته نصوص ادم. اذا كان اصلنا من تراب ثم من نطفه تطورت الي علقه فمضغه الخ الايه اعلاه فاما ان يكون ادم قد خلق من تلك نطفه وهذا يثير التساؤل: من هي الام التي حملت نطفه ادم؟ واذا كان ادم هو الاستثناء فمن اين جاءت زوجه ادم، ام البشريه؟ لا تجيب التفاسير التقليديه عن هذا التساؤل لانها لم تطرح اصلا ربط ادم بالنطفه.

نصوص النفس الواحده تعمق شكوكنا في قصه ادم وضلعه:

(4:1) يايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا

ساوت بعض التفاسير بين النفس الواحده وادم، مؤكده الخط التقليدي الذي خلق حواء من احد اضلع ادم. ولكن هذه المساواه تستوقفنا بتساؤل جوهري حول التناسق اللغوي في القرءان: فلماذا استخدم القرءان الذكر والمذكر في خلق ادم بينما قلب المذكر مؤنثا في هذه الايه؟ هل هدف القرءان ان يربكنا ويزيد طين اصلنا بله؟ ام ان الانثي في الايه (النفس الواحده) انثي حقيقيه، والذكر في ايات ادم رجل حقيقي؟ التحدي الاكبر الذي تثيره هذه الايه هو ان القرءان لا يذكر شيئا عن خلق النفس الواحده التي خلقت منها الانسانيه. من اين جاءت ومتي خلقت وكيف؟ لماذا لا نجد اي ذكر لادم في نصوص النفس الواحده اذا كانوا متساوين؟ كما لا نقابل هذه النفس في اي من نصوص ادم؟

من الواضح ان القرءان يتحدث عن اصل الانسانيه ولو عبر طرق مختلفه. لا يمكن عندما نسال القرءان عن اصلنا بجديه علميه ان نهمل اي من هذه النصوص. علي العكس، يجب ان يكون تفسير هذه النصوص مجتمعه هدف كل مسلم يسعي وراء الحقيقه القرءانيه.

يظهر ادم اول مره في القرءان في الايات التاليه:

(2:30)واذ قال ربك للملائكه اني جاعل في الارض خليفه قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون (2:31) وعلم ادم الاسماء كلها ثم عرضهم علي الملائكه فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين (2:32) قالوا سبحنك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم (2:33) قال ياادم انبئهم باسمائهم فلما انباهم باسمائهم قال الم اقل لكم اني اعلم غيب السماوات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون (2:34)واذ قلنا للملائكه اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ابي واستكبر وكان من الكافرين (2:35) وقلنا يادم اسكن انت وزوجك الجنه وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجره فتكونا من الظالمين.

السؤال الذي تثيره هذه الايات لا يتعلق بانتقاد الملائكه لخطه الخلافه الالهيه- مع ان المفسرين كنسوا هذا النقد تحت سجاده التنزيه- وانما بمعرفه الملائكه عن فساد جنس ادم: فكيف عرفوا بذلك قبل ان يخلق ادم ويتكاثر جنسه؟ ابن كثير ناقش اجابتين: اما ان الله اخبر الملائكه بذلك قبل اعلانه عن خلق وخلافه ادم، واما ان الملائكه استنتجوا ذلك من سلوك الاجناس الطينيه السابقه علي الارض. التفسير الاول يتناقض مع منطق السرد الذي يؤكد جهل الملائكه بالمستقبل: فاعلان الله عن خلافه ادم جاء بعكس ما توقعته الملائكه والا لماذا انتقدوه؟ قول الله سبحانه "اني اعلم مالا تعلمون" يؤكد علمه بما جهلته الملائكه. ويؤكد مشهد الاسماء هذا العلم الالهي فالملائكه علي ما يبدو لم تتوقع ان يتعلم ادم الطيني اسماء هم انفسهم لا يعرفونها وقد اعترفوا بذلك عبر سجودهم لهذا المخلوق الطيني الجديد.

الاجابه الثانيه تقود لاراء كانت منتشره بين المفسرين الاوائل واهملها المتاخرين مع بعض الاستثناءات. فقد ناقشها محمد عبده ومحمد رشيد رضا في بدايه القرن الماضي. توقف رضا عند كلمه "خليفه"، من فعل خلف الذي يعني يتبع ويحل محل ويرث، ليستنتج بان ادم لم يكن اول الاجناس العاقله الناطقه علي الارض. اذا كان هذا الراي صحيحا، حسب ما نقله رضا عن محمد عبده، فقد لا يكون ادم اول جنس حيواني عقلاني علي الارض، بل كان اول جنس ناطق مشابه للاجناس المندثره في العنصر والماده ومختلف عنها في الاخلاق والسلوك. اقترح عبد الصبور شاهين، بعد عبده ورضا بقرابه 90 سنه، بان ادم انحدر من اب وام من احد هذه الاجناس السابقه. ولقي كتابه "ابو ادم" انتقادات لاذعه من علماء الدين والمفكرين المسلمين مع ان الازهر راجعه واعطي الاذن بنشره في مصر. هذا لم يمنع ذلك من محاكمه شاهين بتهمه التهكم علي الدين واساسياته العقائديه. من المثير ان شاهين حاول في كتابه الربط بين نصوص خلق الانسان والعلوم الطبيعيه وخصوصا علمي الاحياء والجيولويجا ولكنه التزم الخط التقليدي المعادي لنظريه النشوء والتطور، وهذا لم يكن سهلا بالنظر لجوهر مقولته بان ادم انحدر من جنس سابق: فكيف حصل هذا التناسل بدون تطور جنس ادم اذا كانت الملائكه قد سجدت لادم بينما حكمت علي الاجناس السابقه له بالفساد وسفك الدماء؟

اما محمد شحرور في كتابه المثير للجدل "الكتاب والقرءان: قراءه معاصره" فقد دعم نظريه النشوء والتطور بشكل اكثر صراحه. استنتج شحرور تعدديه الاجناس البشريه قبل ادم اما الذي سجدت له الملائكه فيمثل الانسان المعاصر الذي تطور عن هذه الاجناس بقدرته علي الربط بين الشيء وصورته عبر الاسم، مما مهد لتطور اللغات. ولا ينظر شحرور لادم كفرد بل كجنس كامل، لان النشوء والتطور لا يعتمد علي تطور فرد بعينه وانما علي تطور المجموعه او الجنس عبر تراكم الطفرات الجيده عبر التكاثر والاختيار الطبيعي وعلي مدي حقب طويله. ولكن هذا الراي يثير تساؤلات منطقيه حول النفخه الالهيه المحوريه في نصوص ادم، فهل كانت هذه النفخه في فرد ام في مجموعه؟

اهمل المفسرون نصوص اصلنا من نطفه لانها تتطلب رحم انثي وادم كان اول انسان. ولكن النطفه مهمه لانها تمثل حلقه الوصل بين الطين والانسان من جهه النص كما قد تمثل الرابط العضوي بين ادم والاجناس السابقه اذا كان ذلك التفسير صحيحا:

(23:12)ولقد خلقنا الانسان من سلاله من طين (23:13) ثم جعلناه نطفه في قرار مكين (23:14) ثم خلقنا النطفه علقه فخلقنا العلقه مضغه فخلقنا المضغه عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشانه خلقا اخر فتبارك الله احسن الخالقين

تساءل الطبري عن هويه "الانسان" المخلوق في الايه 12، ونقل رايين. اما انه ادم، بسبب ارتباطه بـ"سلاله من طين"، او انه اشاره لبني آدم لان النطفه في الايه 13 تحتاج لرحم انثي لتتطور. يرجع الراي الاول سلاله لفعل "استل" (مثل استل السيف) ليطرح بان الله جمع التراب الذي خلق منه ادم (استله) من شتي انحاء الارض. ولكن سلاله بمعناها المتداول حتي عند العرب الاوائل يشير لتسلسل الابناء من الاباء ومن الاجداد وهلم جرا، ومن ذلك استخدام الكلمه للاشاره لسلاله الحصان العربي الاصيل. يهذا المعني قد تشير "سلاله من طين" للجنس الذي انحدر منه الانسان المعاصر منه. يترك الراي الاول مشكله الانتقال من ادم الي النطفه للقصه التقليديه عن خلق زوجه ادم من احد اضلعه قبل ان تبدا عمليه التزاوج الطبيعي. اما الراي الثاني فيتجنب هذه النقله اللامنطقيه عبر اعتبار الانسان في الايه الاولي اشاره لبني ادم، بمعني استثناء ادم وزوجه من معني الايه. ولكني لا اجد تبريرا نصيا لهذا الاستثناء سوي صعوبه تفسير النطفه اعتمادا علي كون ادم اول انسان مخلوق وهو رجل. كلا الرايين يفسر "القرار المكين" علي انه الرحم، وهو استنتاج منطقي يفسر تطور النطفه في الايه 14. ومع ان كلمه "نطفه" ما زالت تفتقد لمعني علمي واضح في اللغه العربيه الا ان نصوصها في القرءان تقربها من البويضه الملقحه القادره علي الانقسام الخليوي والتكاثر لتصبح علقه ومضغه الي بقيه الايه التي تصور مراحل نمو الجنين في الرحم.

يجب ان نعترف اذا بان السؤال الذي اثاره الطبري "من هو الانسان المخلوق في الايه الاولي" يبقي بدون اجابه شافيه. ويمكن اعاده صياغته كالتالي: كيف نفسر اصل الانسانيه من نطفه اذا اعتبرنا ادم، الرجل، اول انسان مخلوق؟ من اين جاءت النطفه واين تم وضعها لتتطور الي انسان؟ اما انها خلقت مباشره من طين- وهذا يترك سؤال الرحم او القرار المكين بدون اجابه- واما انها جاءت من عمليه تزاوج ذكر وانثي كما في الحاله الطبيعيه، مما يثير التساؤل المنطقي حول ابوي ادم. نصوص النفس الواحده قد تحسم الاجابه.

لا يفتا القرءان يذكرنا بان الانسانيه خلقت من "نفس واحده":

(4:1) يايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا

ولكن الاقتباس التالي من موقع "ريليجن اوف اسلام" الالكتروني يحرف الايه 4:1 اعلاه ليثبت التفسير التقليدي بان زوج ادم، حواء، خلقت من احد اضلعه: "تؤكد كل من التقاليد المسيحيه واليهوديه بان ايف - حواء- خلقت من ضلع ادم، مع ان الترجمه الحرفيه لضلع في النصوص اليهوديه تشير احيانا الي انه جنب. يقول الله تعالي: يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من شخص واحد (ادم) وخلق منه زوجه (حواء) وخلق منهما رجالا كثيرا ونساء". ترجمت الايه 4:1 كما وردت علي الموقع باللغه الانجليزيه لابرز كيف تم تحريفها لدعم النظره التقليديه لاصل حواء من ضلع ادم. يستمر الموقع بالقول: "احاديث النبي محمد (ص) تشير الي ان حواء خلقت بينما كان ادم نائما من اقصر اضلع صدره الايسر، وبعد مرور بعض الوقت، كسيت باللحم". لا يوجد ما يدعم هذا التفسير اللاعقلاني في القرءان. تشويه جنس النفس الواحده ليس جديدا علي التفسير: "خلقهم الله من نفس واحده، وهي ادم عليه السلام، وخلق منها زوجها، وهي حواء عليها السلام، وقد خلقت من ضلعه الايسر من جهه الظهر بينما كان نائما، وعندما استيقظ وراها فاعجبته، اصبح صاحبها واصبحت صاحبته". ابقيت علي ضمائر التانيث والتذكير في تفسير ابن كثير للايه 4:1 كما هي لاظهر مدي التحريف الجنسي الذي استمر 14 قرنا لتاكيد مسلمات العرب عن سبق خلق ادم ابو الانسانيه لخلق حواء ام الانسانيه. لاحظ راشد الغنوشي هذا التحريف وانتقد الاحاديث التي استند اليها علي اساس انها اسرائيليات في كتابه "المراه في الاسلام: بين الواقع والقرءان". اما القرءان فواضح ومتناسق مع ذاته، فهو لم يقصد ذكرا في سياق بينما قصد انثي في سياق اخر:

(7:189) هو الذي خلقكم من نفس واحده وجعل منها زوجها ليسكن اليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما اثقلت دعوا الله ربهما لئن اتيتنا صالحا لنكونن من الشكرين

تقلب هذه الايه تفسير الضلع علي راسه الاعوج لتجيب علي التساؤلات الملحه التي اثرتها في بدايه المقال: فالنطفه جاءت من جنس سابق، ووضعت في رحم - قرار مكين- من هذا الجنس، وهذا قد يكون رحم النفس الواحده التي انحدرت منه الانسانيه. لم يتطرق القرءان لخلق النفس الواحده - حواء اسم مخترع لانه علي اغلب الظن لم تكن هناك اسماء لافراد الاجناس السابقه التي لم تكن تعرف اللغه المنطوقه- لانها كانت موجوده، تماما مثلما كانت مريم موجوده - مخلوقه بطريقه التكاثر الطبيعي- قبل علميه خلق عيسي عليه السلام.

الاستمرار في توارث القصه التقليديه حول خلق ادم مباشره من طين وخلق زوجه من احد اضلعه يخلق تناقضات منطقيه بين نصوص القرءان قبل التناقضات الواضحه مع العلوم الحديثه. لنحاول فهم الايات التاليه عبر المنظار التقليدي:

(23:12) ولقد خلقنا الانسان من سلاله من طين (23:13) ثم جعلناه نطفه في قرار مكين (23:14) ثم خلقنا النطفه علقه فخلقنا العلقه مضغه فخلقنا المضغه عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشانه خلقا اخر فتبارك الله احسن الخالقين

يمكن ان نغير صيغه الصنم-الطيني التقليديه لخلق ادم لتشمل النطفه كما يلي: خلق الله ادم كسلاله طين تحولت الي نطفه، وهي- نستنتج من النص ومن العلوم الحياتيه- خليه تحوي الرسم الجيني (DNA) قادره التكاثر والتحول الي إنسان كامل. المشكله ان هذه النطفه تحتاج الي رحم امراه لحملها، ولكن وبما ان ادم كان اول انسان في القصه التقليديه، فقد نحل هذه الاشكاليه بالقول بان الله خلق شيئا مشابها للرحم يدعم نمو وتحول نطفه ادم الي جنين ثم الي طفل. يجب ان يشمل هذا الجهاز الخيالي كل الوظائف والظروف الحيويه التي يوفرها الرحم للجنين، تماما مثل اجهزه حضانه اطفال الانابيب، ولكنه في هذه الحاله يجب ان يكون انبوبا ضخما ليصاحب نمو ادم حتي اصبح طفلا ورجلا (فلم تكن هناك ام ترعاه في طفولته). هذا التصور الخيالي يتركنا بمشكله خلق زوجه ادم الضروريه لتناسل الجنس الانساني، وبنفس النفس الخيالي يمكن ان نسقط نفس جهاز التفريخ الذي تخيلنا استخدامه لحمل ادم علي حواء، زوجه ادم. المشكله ان القرءان لا يذكر شيئا عن مثل هذا الجهاز الخيالي الا اذا اعتبرنا "القرار المكين" اشاره مبطنه له..

اما العاقل منا فيجب ان يسال: لماذا يتبع الله هذا الطريق الملتوي لخلق ادم وزوجه وهو القادر علي خلق اي شيء بكلمه؟ لماذا يخترع الخالق جهاز رحم اذا توفر هكذا رحم في انثي موجوده انذاك؟ الم يخلق الله تلك الانثي والجنس الذي تنتمي اليه؟ الم يخلق الله مريم قبل ان خلق عيسي في رحمها؟ بل ان القرءان يربط بين خلق ادم وعيسي في الايه التاليه ليؤكد هذا الفهم المنطقي لعمليه الخلق:

(3:59) ان مثل عيسي عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون

اذا كانت عمليه خلق ادم وعيسي متشابهه، فهل كانت هناك انثي تشبه مريم لتقوم بدور الحمل الادمي؟ هذا طبيعي اذا اعتبرنا بان ادم انحدر من جنس سابق فكان له ام واب من ذلك الجنس. وتؤكده ايات كثيره علي هذا الفهم. الايه التاليه مثلا تشير ان الله اصطفي ادم كما اصطفي نوح وابراهيم:

(3:33) ان الله اصطفي ادم ونوحا وال ابرهيم وال عمران علي العالمين (3:34) ذريه بعضها من بعض والله سميع عليم

الاصطفاء هو الاختيار بالتميز ويكون اختيار الفرد من مجموعه، وهذا مستحيل لو كان ادم الرجل الوحيد من جنسه. لقد اصطفاه الله من جنسه وسواه ونفخ فيه من روحه ليرفعه فوق اترابه حتي يكون اول من يتعلم الاسماء واللغه ويستحق سجود الملائكه له. اذا كان لدي القارئ شك في وجود هذا الجنس فاقرا الايه التاليه ولاحظ ضمائر المفرد والجمع:

(7:11) ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكه اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس لم يكن من الساجدين

لقد خلقنا الله وصورنا كمجموعه قبل ان خلق- اصطفي- ادم من افراد هذه المجموعه ونفخ فيه من روحه وعلمه الاسماء قبل ان سجدت له الملائكه. ويمكن ان نفهم الايات التاليه بنفس المنطق:

(82:6) يايها الانسان ما غرك بربك الكريم (82:7) الذي خلقك فسواك فعدلك (82:8) في اي صوره ما شاء ركبك

تمت تسويه الانسان وتعديله وتصويره بعد خلقه: هذه مراحل تطور الجنس الذي انحدر منه ادم كما تشير الايه 7:11. وتتوافق هذه المراحل مع اكتشافات علم الاحياء حول تطور الاجناس السابقه للانسان المعاصر، فقد كانت مقوسه الظهر كثيفه الشعر. تصويرنا يشمل تشكل وتنوع سمات وجوه الناس، وهذا التنوع لم يكن ممكنا الا بعد فقدان شعر الوجه والجسد. الايات التاليه تؤكد هذا الفهم وتربط السلاله بالنطفه بادم:

(32:7) الذي احسن كل شيء خلقه وبدا خلق الانسان من طين (32:8) ثم جعل نسله من سلاله من ماء مهين (32:9) ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصر والافئده قليلا ما تشكرون

بعد خلق كل المخلوقات بدا خلق الانسان ولكنه لم يكن ادم: لقد تناسل الانسان عبر سلاله من ماء مهين، ثم تم تصويره وتعديله وتسويته قبل ان نفخ الله من روحه في ادم. هذه النفخه نتج عنها ترابط السمع والبصر والفؤاد في نظام متكامل سمح لادم ان يتعلم الاسماء واللغه ليصبح واحدا من العالمين.

نستطيع الاستمرار في توارث القصه التقليديه عن اصلنا وخلقنا بدون تفكير او تساؤل، ولكننا سنضع ابناءنا وبناتنا في مازق معرفي مع العلوم المعاصره. فاما ان يؤمنوا بالقصه كأسطورة خلق دينيه موروثه ويهملوا تاثيرها علي منطقهم العلمي العقلاني، واما ان يؤمنوا بها كحقيقه الهيه تفند ما توصلت اليه العلوم الطبيعيه. في كلتا الحالتين يحصل لديهم انفصام في الشخصيه: في الحاله الاولي مع الدين وفي الحاله الثانيه مع العلم. لا اطرح في هذا المقال قصه بديله عن القصه التقليديه ولا تفسيرا علميا لنصوص القرءان (مع ان ذلك ممكن) ولكني ادعو بصدق المؤمن واصرار المفكر لاعتماد نصوص القرءان كاساس لاي تفسير اسلامي معاصر لاصل الانسان. وعلي هذا الاساس امل ان يستفيد المسلمون وخصوصا طلاب العلوم الطبيعيه من فتح باب النقاش مجددا في هذه النصوص المهمله من قبل المفسرين ورجال الدين علي حد سواء.

ابن كثير، تفسير القرءان العظيم

محمد رشيد رضا، تفسير المنار

عبد الصبور شاهين، ابو ادم

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل