المحتوى الرئيسى

العرب وأثمان الحرية

08/04 21:02

يبدو ان القدر انْ تتحمل الشعوب العربيه كلفه باهظه في سبيل تحقيق اشواقها في التحرر واستكمال التحرير. الحريه جزء من طبيعه الانسان وفطرته، ولذلك يتعلق بها البشر ويتشوّفون لها علي اختلاف مشاربهم واجناسهم، وفي هذه المنطقه من العالم (البلاد العربية) تمثل الحريه الي جانب بعدها الانساني العام قيمه مركزيه اصيله ضمن منظومه القيم الدينيه والحضاريه التي تشكل وعي الناس ووجدانهم ورؤيتهم للكون والحياه.

معركه التحرر والتحرير في العصر الحديث بهذه المنطقه، بدات بشكل مبكر، حيث هتف المفكرون والمصلحون لاستعاده الحريه المسلوبه، والتحرر من الاستبداد بمختلف صوره وتجلياته، وكان عبد الرحمن الكواكبي(ت 1902م)، اعلاهم هتافا وافصحهم قولا وابلغهم اثرا، حيث سطر كتابه ذائع الصيت "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، فنبه باكرا لغوائل داء الاستبداد، ودعا للحريه التي اعتبرها عالم المقاصد التونسي الطاهر بن عاشور المقصد السادس من المقاصد العامه للاسلام، ثم جاء الغزو الاستعماري للبلاد العربيه فتم الانشغال عن مسار التحرر من الاستبداد بالتصدي للغزو وما يمثله من تهديد لحاضر هذه البلدان ومستقبلها، فانصرف الجهد الفكري والتعبوي النخبوي والجماهيري الي قضيه التحرير واستنفار الطاقه الكامنه للامه من اجل طرد الغاصب الاجنبي واستعاده السياده علي الارض ، ليُرغم المستعمر الغازي علي الرحيل، لكنه استخلف في دهاء خبيث المستعمر الوطني علي حد تعبير شاعر اليمن الكبير الباردوني.

في معركه التحرير، دفعت الشعوب العربيه اثمانا باهظه من اجل الخلاص من المستعمر الاجنبي، وهي التضحيات التي جعلت من هذه الشعوب منارا للتحرير في نظر العديد من شعوب العالم الثالث التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار، ففي الجزائر دفع الشعب اغلي الاثمان في مسيره التحرر من الاستعمار، وعبْر تضحيات استمرت قرنا وثلث القرن قتلت فيها اعداد مهوله من الشهداء، ودمرت المدن والقري والمزارع وارتكب من المجازر والفظائع ما ضاقت عن حصره بطون الكتب، وهل يمكن لذاكره التاريخ ان تنسي مجازر "اسطيف" و"قالمه" يوم 08 مايو1945م التي قتل فيها 45 الف شخص علي يد القوات الجويه والبريه الفرنسيه، او مجازر "سكيكده" 20 اغسطس 1955م ، او فظائع "القصبه" بالجزائر العاصمه.

وهل يمكن للتاريخ ان يغفل عن تضحيات المغاربه، وبطولات الخطابي في "انوال" الخالده في 21 يوليو 1921م ، والتي انتقمت لها اسبانيا بدعم فرنسي امريكي بقذف تجمعات سكان الريف بالمواد السامه وغاز الخردل عام 1924، في اول استخدام كمياوي ضد شعب ينشد تحرير ارضه.

وماذا نقول عن ليبيا التي واجه شعبها اخر صيحات جنون الفاشيه الايطاليه بتضحيه وصبر عز نظيره، حيث قتل الناس وحشروا في المحتشدات الصحراويه، هل يمكن ان ننسي ما حدث يوم 16سبتمبر 1931م عندما حشدت ايطاليا 20 الفا من الشعب، يتقدمهم السجناء من الاعيان والمقاومين، ليحضروا مشهد تنفيذ الحكم بالاعدام شنقا في حق ايقونه المقاومه الليبيه السبعيني - يومها- الشهيد عمر المختار الذي واجه وقاحه الفاشيه بثبات اسطوري صفق له التاريخ وملا اسماع الزمن.

وفي مصر تاريخ حافل بالتضحيات في سبيل التحرر، منذ الاستعمار الفرنسي في نهايه القرن 18 ، ووصولا الي ثوره 1919م التي كانت مصدر الهام للزعيم غاندي في الهند، مرورا بالمقاومه البطوليه ضد الانكليز في مدن القناه عام 1951م ، وفي سوريا التي ارتكب فيها الاستعمار الفرنسي فظائع وحشيه بلغت ذروتها في دك دمشق علي رؤوس ساكنيها مرتين 1925م و1945م من اجل اسكات الحراك الشعبي المطالب بالاستقلال والتحرر، وهي المجازر التي هزت العالم العربي وخلدها كبار الشعراء مثل احمد شوقي.

سلام من صبا بردي ارق ** ودمع لايكفكف يادمشق

ومع حصول الاستقلال المجازي واصلت الشعوب دفع اثمان الحريه في سبيل التحرر من المستعمر الوطني ، فقد سجل المجال العربي اعلي معدلات البطش بدعاه التحرر السياسي المناوئين للاستبداد علي المستوي العالمي، سواء من حيث الامتداد الزمني لمعاناتهم، او حجم واعداد من طالهم السجن والاعتقال والقتل والسحل، حيث ملئت السجون والمعتقلات بالاحرار من المثفقين والعلماء والكتاب والادباء والشباب المناضل، ومن نجا من مصير السجن والقتل فلن ينجو من غوائل المحاصره والتجويع والتضييق، مما اضطر عشرات الالاف بل مئات الالاف الي الهجره القسريه عن البلاد العربيه و الاستقرار في مواطن اللجوء في المنافي الاوربيه والعالميه ..

ثم هبت نسائم الربيع المختمر منذ اماد، وثارت الشعوب، ووصلت ما انقطع من بلاءات الرواد الاوائل من المناضلين الشرفاء والمثقفين الاحرار الذين سبقوها في كشف عوار الاستبداد والتصدي لاثاره المدمره، وتواطئه مع المستعمر الغازي. لقد اقتلعت موجات الربيع عروش الطغاه الجبابره وقوضت نظما استبداديه ظنها البعض قدرا مقدورا. كما فتح الربيع العربي عيون الجماهير الثائره علي الافاق الرحبه للحريه ومشاريعها المفتوحه والممتده بما تحمل من فضائل التحرر وبشائر استكمال التحرير، وهي الافاق والمشاريع التي استفزت وارعبت تحالف المستعمريْن الوطني والغازي ففتحا معها معركه كسر عظم علي نحو غير مسبوق في تاريخ العالم الحديث. ومن زحمه الاحداث المتلاحقه بالقها وفواجعها تبرز صور هنا وهناك جديره بالتسجيل والتامل، فمن كان يتصور ان هذه الشعوب التي خضعت لابشع صور الاستبداد والفساد - و كان التقدير السائد ان عمليه تحويلها الي دواجن قد نجحت بالفعل- تستطيع ان تُخرج للعالم كل هذا التصميم والثبات الاسطوري - رغم فداحه الثمن- من اجل انتزاع الحريه وتقويض الاستبداد وامتلاك مصيرها بنفسها بعيدا عن اي وصايه ، وفي المقابل من كان يظن ان المستعمر الوطني مع مليشياته وحلفائه يبلغ من الوقاحه والوحشيه حد ارتكاب كل هذه المجازر والمحارق، وتهجير الملايين وتدمير مدن ضاربه في التاريخ والحضاره مثل حلب وحمص وعدن ومصراته، من دون ان يارق له جفن.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل