المحتوى الرئيسى

كلفة الطاقة النووية في الدول العربية

08/04 17:41

كلفه المفاعلات ليس وحدها المقياس

تعاقدت السعوديه والامارات والاردن ومصر مع مؤسسات روسيه وكوريه علي انشاء محطات نووية لإنتاج الكهرباء. لكن كلفه الطاقة النووية لا تتوقف عند المبالغ المدفوعه لشراء المفاعلات بل تشمل ايضاً مصاريف التشغيل والتفكيك والحوادث.

يولد المفاعل النووي سعته الف ميغاوات وهي طاقه تعادل مليون كيلوات في الساعه اي 8.7 تيراواتات/ساعه في السنه. لكن المفاعل النووي لا يعمل طيله ايام السنه بل يتوقف لغرض الصيانه مده شهرين تقريباً. وبالتالي فان انتاجه الفعلي يبلغ 7.3 تيراواتات/ساعه في السنه.

وحاصل قسمه الاستهلاك العربي السنوي (893 تيراواتا/ساعه) علي الانتاج الفعلي للمفاعل الواحد هو عدد المفاعلات التي يحتاج اليها الطلب الكهربائي الاجمالي اي 122 مفاعلاً نووياً. واعتماداً علي هذه المعادله نستنتج ان المغرب يحتاج الي اربعه مفاعلات نوويه، ويرتفع العدد الي سبعه في كل من العراق والكويت، والي 14 في الامارات و19 في مصر ليصل الي 35 في السعوديه. وكما هو معلوم لا توجد حالياً ايه محطة نووية لتوليد الطاقه الكهربائيه في العالم العربي.

وتختلف اسعار المفاعلات النووية حسب مواصفاتها، ومنها سعتها وفتره استغلالها، ففي العام الجاري وقع الجانبان الاردني والروسي اتفاقاً ينص علي تزويد الاردن بمفاعلين نوويين بقدره الف ميغاوات لكل منهما يعملان لمده ستين سنه. وحدد سعرهما بعشره مليارات دولار.

كما يقضي الاتفاق الاماراتي الكوري الجنوبي للعام 2009 بتزويد الامارات باربعه مفاعلات نوويه سعه كل منها 1400 ميغاوات ولمده ستين سنه وتصل قيمتها الاجماليه 20.4 مليار دولار، علماً بان انتاج المفاعل الواحد يعادل انتاج السد العالي في مصر.

كلفه المفاعلات ليس وحدها المقياس

لكن كلفه المفاعلات ترتفع نتيجه تحسن مواصفاتها، وقد يحصل هذا الارتفاع في فتره الانشاء خاصه وانها تستغرق وقتاً طويلا يتراوح بين سبع وعشر سنوات كما هو حال المفاعلين الاردنيين.

ومن زاويه اخري فان كلفه المفاعل النووي التي تدخل في حساب انتاج الطاقه الكهربائيه يجب الا تعتمد علي المبالغ المدفوعه لانشائه، بل علي المبالغ التي يتعين رصدها طيله فتره استغلاله لشراء مفاعل جديد. فاذا كان المبلغ المدفوع للانشاء حالياً خمسه مليارات دولار لمفاعل يعمل لمده ستين سنه فانه من الخطا حساب الكلفه السنويه بتقسيم المبلغ علي عدد السنوات اي 83 مليون دولار.

ولا بد من حساب الكلفه السنويه كما لو كان المفاعل مستاجراً بحيث يمكن بعد مضي ستين سنه شراء مفاعل جديد يحل محل المفاعل المندثر، وهذه هي الطريقه المتبعه في الدول النووية. عندئذ يختلف المبلغ السنوي حسب تطور كلفه الانشاء علي مر السنين.

بطبيعه الحال، تؤثر هذه الطريقه الحسابيه تاثيراً بالغاً علي كلفه انتاج الكهرباء، وبالتالي علي سعر الاستهلاك النهائي لان كلفه المفاعل النووي تستحوذ علي 69% من كلفه انتاج الكهرباء، في حين ان ارتفاع اسعار المولدات الكهربائيه العامله حالياً في الدول العربية بالغاز الطبيعي لا يؤثر كثيراً علي كلفه الإنتاج لان اسعار هذه المولدات لا تمثل سوي 13% من كلفه الانتاج (هذا الحساب يستند علي سعر الانشاء ومصاريف التشغيل فقط).

ان مصاريف التشغيل هي النفقات الضروريه للانتاج المباشر وتتمثل في المرتبات والصيانه واليورانيوم. ويتطلب المفاعل النووي الواحد تشغيل حوالي خمسمئه شخص، لكن العدد يرتفع باستمرار لتامين درجه اعلي من الرقابه والامان. وقد نصت الاتفاقات المذكوره اعلاه علي تاهيل جيل جديد من الباحثين والمهندسين والفنيين في البلد المصنع للمفاعل.

واما الصيانه فتتعلق بمصاريف السلامه الداخليه للمفاعل وقيمه قطع الغيار اللازمه كي يحافظ علي مستوي الانتاج المخطط له، ومصاريف التوقف السنوي للمفاعل، ونفقات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي.

واما اليورانيوم التقليدي فينحصر وجوده في عدد قليل من الدول اهمها استراليا وكزاخستان. في حين تفتقر الدول العربيه لمعدن اليورانيوم الذي يوجد في الجزائر بكميات قليله لا تتجاوز الثلاثين الف طن، علماً بان سعر الكيلوغرام الواحد من اليورانيوم يعادل تقريباً سعر برميل من النفط.

وتقدر مصاريف تشغيل المفاعل النووي الواحد (الف ميغاوات) بحوالي مئتي مليون دولار سنويا.

وتجدر الاشاره الي ان البلدان العربية تعاقدت علي شراء مفاعلات تعتمد علي نظام الماء الخفيف (الماء العادي) للتبريد وتهدئه سرعه النيترونات الذي يستوجب تخصيب اليورانيوم.

ويفترض التخصيب وجود صناعه محليه متطوره غير متوفره في الدول العربيه. انها تدخل ايضاً في اطار برامج الاسلحة النووية لانها تسمح عملياً بزياده نسبه التخصيب. كما تبين الدراسات التي اجرتها دول عربية ان صناعه لتخصيب كميه قليله من اليورانيوم غير مجديه من الناحيه الاقتصاديه.

لذلك تنص الاتفاقات المذكوره سابقا علي ان تقوم الدول المُصنعه للمفاعل النووي بتزويد الدول المستقبله باليورانيوم المخصب. ويقضي الاتفاق الاردني الروسي (وفق تصريحات هيئه الطاقه الذريه الاردنيه) بارجاع اليورانيوم المستنفد وكذلك النفايات النوويه الي روسيا.

ويقصد بالتفكيك معالجه تلوث مكونات المفاعل بالشعاع النووي بحيث تنتفي خطورتها علي صحه الانسان وسلامه البيئه.

والتفكيك عمليه معقده وتستغرق فتره طويله قد تصل الي عشرين سنه وتتطلب اموالاً طائله. والدول العربيه التي تتخبط بصراعاتها فضلا عن تخلفها التكنولوجي لن تستطيع القيام بهذه المعالجه الا بالاعتماد علي الخبره الاجنبيه.

وكقاعده عامه تبلغ كلفه التفكيك حوالي 15% من ثمن الانشاء. ففي الولايات المتحده بلغت كلفه تفكيك مفاعل تروجان 509 ملايين دولار في العام 1992 ومفاعل سان اونوفر 572 مليون دولار في العام 2004. وهنالك تقديرات اخري حديثه تشير الي مبالغ قريبه من تلك التي صرفت لانشاء المفاعل.

وينجم التفكيك عن انعدام الجدوي الاقتصاديه للمفاعل بسبب انتهاء فتره صلاحيته، وينتج ايضاً بسبب حادثه خطيره او قرارات سياسيه للخروج كلياً او جزئياً من صناعه الكهرباء النووي.

وفي العالم العربي لا تقتصر احتمالات الحوادث الخطيره علي الكوارث الطبيعيه او الخلل الفني، بل تشمل كذلك -وبالدرجه الاولي- الصراعات الداخليه المسلحه والتوترات الاقليميه المستمره. اذ لا توجد محطه نوويه في العالم يمكنها الصمود امام الاسلحه الحديثه والثقيله التي لم تعد حكراً علي الحكومات، بل باتت في بعض الدول العربيه مملوكه ايضاً لمليشيات سياسيه ودينيه.

ان احتمالات تفجير محطه نوويه مستقبليه في ايه دولة عربية قائمه وجديه رغم ما قد يرصد لها من وسائل دفاعيه عسكريه متطوره تتطلب اموالا طائله.

وتقود الحوادث الخطيره للمحطات النوويه حتماً الي كارثه اقتصاديه. وترتبط هذه الكارثه بنفقات معالجه المصابين وتعويضهم، والاضرار التي تكبدتها المناطق المنكوبه، وتفكيك المفاعل النووي، وهبوط انتاج الطاقه الكهربائيه، وتدهور السمعه الزراعيه والسياحيه للبلد المصاب بالشعاع النووي.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل