المحتوى الرئيسى

مهرجان تغير المناخ في باريس

08/04 00:15

من المنتظر ان يبرز مؤتمر الامم المتحده لتغير المناخ في باريس كافه مقومات الانتاج المحكم التصميم في هوليود والذي يحقق شعبيه هائله، وسوف يكون فريق الممثلين ضخما: رؤساء دول ورؤساء وزراء في وسط المسرح يدعمهم الالاف من "الكومبارس" بمن في ذلك المحتجون، وشرطه مكافحة الشغب، وعدد ضخم من وسائل الاعلام.

ولعل السيناريو لا يزال طي الكتمان حتي الان، ولكن حبكه الروايه تسربت بالفعل، فهذه المره -وفي تناقض حاد مع المفاوضات الفاشله في كوبنهاغن عام 2009- سوف يكون الفوز من نصيب كوكب الارض.

الواقع ان الحبكه جذابه وفاتنه، ولكنها ليست متماسكه بالضروره، فسوف يقال للعالم ان النوايا الحسنه والصفقات الرابحه اتت اكلها، فقد اتفقت الحكومات علي تخفيضات طوعيه للانبعاثات الغازيه المسببه للانحباس الحراري العالمي، وهي التخفيضات التي سوف تمنع درجات الحراره علي الكوكب من الارتفاع بما يتجاوز درجتين مئويتين.

ثم في تطور مفاجئ مذهل سوف يكشف النقاب عن توصل اكبر شركات الوقود الاحفوري في العالم الي الاتفاق علي خفض صافي الانبعاثات الي الصفر بحلول عام 2100 من خلال احتجاز الكربون من المنبع وامتصاصه من الغلاف الجوي وتخزينه تحت الارض، وبهذا ينقذ كوكب الارض، ويصبح بوسع الاقتصاد ان يزدهر، وهنا تدخل الموسيقي وتنزل تترات النهايه.

والمشكله هنا هي ان هذا السيناريو خيالي وليس وثائقيا، فالتكنولوجيا اللازمه لم تخترع بعد، وخفض صافي الانبعاثات الي الصفر ليس في حكم الامكان ببساطه، ومثله كمثل الانتاج الهوليودي سوف تكون رساله مؤتمر باريس شديده التاثر باولئك الذين يملكون القدر الاكبر من المال.

وليس من الصعب اجراء الحسابات، ذلك ان البنيه الاساسيه للطاقه علي مستوي العالم المجهزه بدقه لاستخدام الوقود الاحفوري تعادل قيمتها 55 تريليون دولار، والقيمه الورقيه لاحتياطيات الوقود الاحفوري -واغلبها مملوكه لشركات الوقود الاحفوري العملاقه- تعادل نحو 28 تريليون دولار.

يتجلي نفوذ صناعه الوقود الاحفوري بوضوح في حقيقه مفادها ان الحكومات في مختلف انحاء العالم من المتوقع ان تنفق نحو 5.3 تريليونات دولار هذا العام لدعمها، بما في ذلك النفقات الهائله اللازمه لمكافحه تاثيراتها الصحيه والبيئيه السلبيه. بعباره اخري، تنفق الحكومات التي ستجتمع بباريس علي دعم اسباب تغير المناخ اكثر من كل ما تنفقه علي الرعايه الصحيه العالميه او تخفيف حده تغير المناخ او التكيف معه.

ولكن هذا لن يكون جزء من القصه في باريس، فهناك سوف يعرض علي الجمهور العالمي سرد يقوم علي شكلين غير مثبتين من "الهندسه الجيولوجيه" التي يسعي انصارها الي التلاعب بالنظام الكوكبي، اما الجهد الذي سوف يحظي بالقدر الاعظم من الاهتمام فيدور حول استخدام الطاقه الحيويه مع احتجاز الكربون وتخزينه.

في مايو/ايار الماضي عقدت وزاره الطاقه في الولايات المتحده اجتماعا خاصا لمناقشه هذه التكنولوجيا التي سوف تكون بمثابه ورقه التوت التي تستخدمها شركات الوقود الاحفوري العملاقه لحمايه اصولها.

بيد ان نشر تكنولوجيا الطاقه الحيويه واحتجاز الكربون وتخزينه سوف يتطلب احتفاظ العالم بمساحه تعادل حجم الهند مره ونصف المره من الحقول او الغابات القادره علي امتصاص كميات هائله من ثاني اكسيد الكربون، في حين تظل تزود سكان العالم الذين من المتوقع ان يتجاوز عددهم تسعه مليارات نسمه بحلول عام 2050 بالقدر الكافي من الغذاء.

ويعدنا انصار هذه التكنولوجيا بان العزل البيولوجي سوف يصبح بحلول ذلك الوقت مدعوما ببرامج تتلخص مهمتها في احتجاز الانبعاثات فور انطلاقتها او امتصاصها من الهواء لكي يتم ضخها الي مهاوٍ جوفيه عميقه بعيدا عن انظارنا وبعيدا عن اذهاننا.

من الواضح ان منتجي الوقود الاحفوري يروجون لتكنولوجيا احتجاز الكربون للسماح لهم بالابقاء علي مناجمهم مفتوحه ومضخاتهم متدفقه، ولكن من المؤسف بالنسبه لكوكب الارض ان العديد من العلماء يعتبرون هذه التكنولوجيا مستحيله من الناحيه الفنيه وباهظه التكاليف من الناحيه الماليه، خاصه اذا كان لنا ان نتمكن من نشرها في الوقت المناسب لتجنب التغير المناخي الفوضوي.

وسوف يتطلب منع درجات الحراره من الارتفاع الي خارج نطاق السيطره حلا هندسيا جيولوجيا ثانيا، والمعروف باسم اداره الاشعاع الشمسي، وتتلخص الفكره في محاكاه عمل التبريد الطبيعي للانفجار البركاني باستخدام تقنيات مثل نشر خراطيم تضخ الكبريتات لمسافه ثلاثين كيلومترا داخل الطبقه العليا من الغلاف الجوي "الستراتوسفير" لحجب اشعه الشمس.

وتعتقد الجمعيه الملكيه في المملكه المتحده ان الاحتياج الي مثل هذه التكنولوجيا قد يكون حتميا، وكانت تعمل مع نظرائها في بلدان اخري لاستكشاف الطرق الواجبه لادارتها.

وفي وقت سابق من هذا العام اعطت الاكاديميات الوطنيه للعلوم في الولايات المتحده تاييدها الفاتر لهذه التكنولوجيا، واعلنت الحكومه الصينيه عن استثمار كبير في تعديل الطقس الذي قد يتضمن اداره الاشعاع الشمسي، وتعكف روسيا بالفعل علي تطوير هذه التكنولوجيا.

وخلافا لتكنولوجيا احتجاز الكربون فان حجب اشعه الشمس كفيل بخفض درجات الحراره العالميه بالفعل، ونظريا تعد هذه التكنولوجيا بسيطه ورخيصه، ومن الممكن نشرها بواسطه دوله منفرده او مجموعه صغيره من المتعاونين، ولن يكون اجماع الامم المتحده مطلوبا.

ولكن اداره الاشعاع الشمسي لن تزيل الغازات المسببه للانحباس الحراري العالمي من الغلاف الجوي، بل انها تعمل علي حجب تاثيراتها فحسب، واذا اغلقت الخراطيم فان درجه حراره الكوكب سوف تسجل ارتفاعا شديدا، وستسلم السيطره علي حراره الكوكب لاولئك الذين يملكون الخراطيم، وحتي انصارها يقرون بان نماذج الحواسيب تتوقع ان تخلف هذه التكنولوجيا تاثيرا سلبيا قويا علي المناطق المداريه وشبه المداريه، ان تغير المناخ امر سيئ، ولكن الهندسه الجيولوجيه قادره علي جعله اشد سوءا.

من الواضح ان القصه التي سوف يطلب منتجو مؤتمر باريس من المشاهدين تصديقها تعتمد علي تكنولوجيات ليست اكثر فعاليه من حيل الدخان والمرايا الخداعيه، ومن الاهميه بمكان ان نتعلم كيف نري ابعد منهم، وسوف يرفع الستار عن مجموعه من الوعود الكاذبه، ثم يسدل علي سياسات لن تقودنا الا الي الفوضي والدمار ما لم يشارك الجمهور في القصه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل